التغذية الثقافية

> وجدي الأهدل

> ينجذب كثيرون إلى أضواء الأدب، وتنتابهم رغبة جارفة في الانضمام إلى هذه الجغرافيا السحرية، ونيل حق المواطنة فيها ككتاب مُقدَّرين ومستحقين للامتيازات التي تضفيها عليهم هالة الأدب.
لكن ما يحدث لهؤلاء المجذوبين بعد نشرهم نصوصهم الأولى هو شعورهم بالعجز عن فعل شيء أكبر؛ يصطدم “مجذوب الأدب” المستجد بجدار قدراته المحدودة، ويجد نفسه محبطاً ولا يعرف ماذا يفعل لكي تتطور قدراته الكتابية.. حينئذٍ يتسرب إليه الشك وتهتز ثقته بنفسه ويظن أن موهبته ليست سوى وهم جميل، وأن حفر اسمه على الصخر مع الخالدين مجرد حلم غير قابل للتحقيق.

لكن العلاج الفعال لهذه الحالة من توقف نمو الموهبة هو التغذية الثقافية المتكاملة لتعاود الموهبة الأدبية النمو، وتتمكن الكلمات من التحليق عالياً.
وتأتي التغذية الثقافية للكاتب من عدة مصادر، في مقدمتها بالطبع القراءة الموسوعية، ويا حبذا القراءة المتأنية للأعمال الأدبية العالية القيمة، وكتب النقد التي تتناول العناصر الفنية للكتابة، وكتب السير عن أعلام القصة والرواية والمسرح.
وفعل القراءة هذا لابد أن يتحول إلى روتين يومي، لأن هناك ارتباطاً عضوياً بين الكتابة والقراءة، فهما الثنائي الذي يحقق للكاتب النجاح والتطور.

المصدر الثاني لتغذية الموهبة الأدبية هو النقاش شبه اليومي حول قضايا الأدب مع جماعة صغيرة من المولعين بالأدب. لابد أن نكون مولعين حقاً بالأدب، فإذا لم نكن نكتبه الآن، فنحن نتحدث عنه طيلة الوقت، نتلهف لسماع أخباره، ويقتلنا الفضول لمعرفة أسراره، ولا نمل أبداً من التفكير فيه كما يفكر عاشق مدنف في حبيبته التي يرجو وصالها.

هذه النقاشات لها أهمية قصوى في رفع وعي الكاتب بأدوات الكتابة وتقنياتها وتياراتها والمجددين فيها.
المصدر الثالث لتغذية الموهبة الأدبية هو صقل الذائقة الفنية وتربيتها جمالياً عبر الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية، فالنفس عندما تتشبع بهذه الإيقاعات الرفيعة المستوى فإن القلم يتجاوب معها ويردد أصداءها حتى ليكاد القارئ الفطن يحس بتلك الألحان البديعة تترقرق في ثنايا السطور.

وعلى الكاتب الالتفات إلى الفنون المجاورة، كالنحت والرسم وفن العمارة وفنون الأداء كالتمثيل والرقص والغناء وسواها، ليُضمِّن كل تلك الخبرة الجمالية في كتاباته.
المصدر الرابع لتغذية الموهبة الأدبية هو أن يعيش الكاتب بداخل كبسولة محكمة الإغلاق – قدر الإمكان طبعا- ليعزل نفسه عن المؤثرات الخارجية.. وفي داخل هذه الكبسولة عليه أن يجمع ويُخزِّن الموارد التي سيتغذى عليها وتبقيه حياً –الحياة بالمعنى الأدبي- وهذا يتطلب البحث عن هذه الموارد التي تختلف من شخص لآخر، وتتباين من ثقافة لأخرى.

ليس مجدياً للمرء الذي يريد الاشتغال بالأدب أن يُزين جدران غرفته بصور فاتنات السينما.. هذا الإجراء لن يُلهمه كتابة روائع أدبية، ولكن غالباً سيذهب بخياله إلى مكان آخر!
إنه بحاجة إلى تأثيث فضائه الخاص بما هو أكثر أدبية من تلك الصور المثيرة، أشياء أو تذكارات تبقيه على صلة وتواصل دائم مع دنيا الأدب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى