جياع في زمن الشرعية.. نازح: طيبة أهل عدن وأخلاقهم وثقافتهم جعلتنا ننزح إليها

> تقرير/ فردوس العلمي

> «ما أقسى أن تترك منزلك، الذي يُعد مأمنك وراحتك، وتذهب إلى مكان آخر، وأنت لا تحمل من حياتك السابقة غير الذكريات وبداخلك وجع الرحيل لتخوض رحلة لا تدري كيف ستكون، لتحل نازحا عند الآخرين».
بهذه الكلمات المعبرة عن الأسى والحسرة لما آلت إليه الحرب التي اندلعت رحاها في مارس 2015، وصف أحد نازحي محافظة الحديدة، غربي البلاد، ويدعى «هاني»، واقعهم المعيشي اليومي الصعب بعد نزوحه قبل شهر من الحديدة إلى عدن، ليحل ضيفا على أبناء عمومته في منزل مكون من غرفتين وصالة، ولهم رب أسرة يعمل بالأجر اليومي.
فقبل أن يصف النازح «هاني» رحلة النزوح، سألني بخوف «هل ستكتبين اسمي وتنشرينه؟»، فألح عليّ بألا أذكر اسمه أو اسم أحد من أفراد أسرته، وعلل ذلك بأنه «حين يُنشر أحد أسماء النازحين فإنه لن يتمكن من العودة إلى الحديدة أو لعمله بسبب مضايقات الحوثيين».

لقد أخذ ثالوث الموت «الفقر، الحرب، والغلاء»، في ظل الشرعية، ينمو ويتوسع، وأصبح يحيط بالمواطنين من كل الجوانب، ويهددهم بالفناء بسبب حرمانهم من كافة الخدمات، أضف إلى ذلك الارتفاع الجنوني للأسعار، بسبب تدهور العملة المحلية.
وكل ذلك تفشى خلال ثلاث سنوات من النصر، فحين وصلت الحكومة الشرعية إلى مدينة عدن، المنتصرة، تحولت من مدينة محررة إلى مدينة منكوبة، يعاني فيها البسطاء والكادحون، الذين تصدوا للحوثيين وحققوا النصر العظيم، من عدم القدرة على الحصول على أبسط مقومات الحياة، فتحولوا، فيما بعد، إلى باحثين عن مرتباتهم في طوابير طويلة أمام مكاتب البريد وأبواب المنظمات والجمعيات الخيرية، واعتبرها، أولئك البسطاء «طوابير الذل والإهانة»، وفوق كل ذلك حملوا على عاتقهم إعالة النازحين القادمين من المحافظات التي تدور فيها الحرب.

خيبة أمل
يروي النازح هاني لـ«الأيام» أسباب النزوح، ولماذا اختار عدن دون غيرها من المناطق الأخرى المحررة، أو تلك المحافظات التي لم تطلها أحداث الحرب، فيقول «نزحنا إلى عدن لسببين، أولهما طيبة أهل عدن وأخلاقهم، وثقافتهم، فأبناء عدن يمتلكون قلوبا رحيمة، وجعلونا نشعر وكأننا في منازلنا بالحديدة، فعدن تحمل نفس الأجواء والعادات والتقاليد المشتركة، أما السبب الثاني فيعود إلى أنهم أوهمونا، ونحن في الحديدة، بأن من يصل محافظة عدن كنازح سُيمنح راتب أربعة أشهر دفعة واحدة، لهذا نزحنا إلى عدن باعتبارها محافظة محررة، وعاصمة مؤقتة يتم فيها صرف رواتب كما قيل لنا».

ويضيف «هاني»، وهو يوزع النظر بين ابن عمه وزوجة عمه، وكانه يعتذر لهم «خُدعنا بصرف الرواتب وكنا سعداء بأننا سنبقى معكم فترة محددة وبعدها سنتمكن من استئجار منزل ونستقر فيه، ونعيش حياتنا، ونحن سنستلم رواتبنا شهريا لنتمكن من العيش، لكن للأسف كلها كانت وعودا تبخرت عقب وصولنا إلى عدن، حيث أُلغي صرف مرتب أربع أشهر من مرتباتنا في عدن، وبلغونا بأنه سيتم صرف مرتب شهرين فقط وبدأنا نعامل إجراءات صرف راتبين بدءا من شهر يونيو، لكننا تفاجأنا بقرار رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر بإلغاء صرف الرواتب بحجة عدم وصول كشوفات المرتبات».

ويشير إلى أنه «حتى البحث عن وظيفة مؤقتة لم نستطع الحصول عليها، وجودنا هنا كان بهدف الاستقرار، ولكن وجدنا أنفسنا عالة على الآخرين، ولا نعرف حتى الطريق إلى المنظمات التي تعنى بالنازحين».
ويتابع النازح هاني: «لم نصمت عن حقوقنا، واتجهنا إلى جمعية النازحين لمحافظة الحديدة لتسجيل أسمائنا عند عادل خرشب، كما قدمنا شكوى شفهية لمحافظ الحديدة شرحنا له فيها وضعنا ومعاناتنا، وكانت ردة استجابته أقرب منها للرفض».

استغلال
أما النازح «جمال»، من ذوي الاحتياجات الخاصة، في العقد الرابع من عمره، وهو رب أسرة، ويعمل بالأجر اليومي ويعاني من جلطة، وهو ابن عم النازح «هاني»، فيصف رحلة النزوح بأنها كانت معاناة وخوفا وتعبا واستغلالا.
ويقول لـ«الأيام»: «وصلنا إلى عدن على متن حافلة تحمل ضعف حمولتها، (حافلة هايس)، وكنا ثلاثين شخصا، محشورين فيها حشرا، بينهم نساء وأطفال ومسنون».

ويضيف «عانينا أيضا من جشع السائقين، حيث كلفتنا أجرة النقل خمسة عشر ألفا على الفرد الواحد، وأسرتي مكونة من ثمانية أشخاص».
وعن سبب النزوح يقول «جمال»: «لم تعد الحديدة منطقة آمنة، فنزحنا هربا من الصواريخ والقصف إلى عدن، كونها منطقة آمنة ومحررة، ولسنا نحن فقط من نزحنا، بل ثلث سكان الحديدة نزحوا، فمدنية الحديدة أصبحت مدينة أشباح».

ويتابع «نحن ثمانية أفراد نحتاج إلى كل شيء، بالإضافة إلى  العلاج، وعلاجي مكلف، فأنا أحتاج لثمانية آلاف شهريا لتوفير علاجي، بالإضافة إلى بنت أختي «فرح» التي تبلغ من العمر ثمانية أعوام، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي تعاني من عدم القدرة على الحركة، وبطء في النمو العقلي، ولا تستطيع الكلام، وتحتاج إلى علاج، وعلاجها مكلف، حيث يصل إلى 12 ألف ريال شهريا».
ويختم حديثه بحسرة «لا أستطيع الحديث، فهذه المعاناة تؤلمني حينما أنظر إلى حالنا، ونحن أكثر من عائلة، وبيننا مرضى بحاجة إلى علاج، وأطفال بحاجة إلى أمان».. يصمت طويلا وهو ينظر إلى فرح ولسان حاله «ماذا جنيتي يا فرح؟!».

مستقبل مجهول
فيما الطفل «خالد»، وهو أحد أفراد هذه الأسرة النازحة، ويدرس في الصف السادس ابتدائي، فيقول «نزحت مع أسرتي هربا من الحرب الجارية في الحديدة من قصف وصواريخ الحوثيين، حيث أننا لم نستطع العيش بأمان هناك».
ويضيف «هربنا بحثا عن الأمان، وخسرنا الكثير، منها دراستي حيث يُفترض هذا العام أن ألتحق بالصف السادس ابتدائي، وهأنذا في عدن ولا أدري هل سأتمكن أنا وأخواتي من استكمال دراستنا أما لا».
ويشير إلى أنهُ يشعر أن مستقبلا مجهولا ينتظرهم.

الطفل «خالد» يتمنى أن تنتهي الحرب ليعود إلى مدينته، الحديدة، حيت نشأ وترعرع فيها، فكما يقول «أحب عدن لكن الحديدة مدينتي وأتمنى العودة إليها فأنا أحبها أكثر من أي منطقة أخرى».
لملمت أوراقي وغادرت المنزل ويراودني سؤال «أين المنظمات الداعمة من النازحين المتعففين في المنازل مع أسر مستضيفة لهم في ظل هذا الغلاء؟ ليس النازحون فقد بحاجة إلى مد يد العون والمساعدة بل أيضا الأسر المستضيفة لهم».​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى