مَلاك بين شهيدين.. مناهل الموت قاتل جديد بعدن

> تقرير/ وئـام نجيب

> لم تكن الطفلة دنيا فهد العطار، والتي ستكمل عامها الرابع في أكتوبر القادم، تعلم  بأن آخر نظرة ستشاهدها هي لتوأمتها (دينا) في تلك الليلة المظلمة التي فرقتهما دون رجعة.
سقطت دنيا، والتي لها أخ في بداية عقده الثاني، ضحية للإهمال والفساد بمديرية المنصورة بعدن.

حكاية مأساوية بدأت بسقوط الطفلة في بيارة الموت قبل أن يتبعها في الحال شابان آخران حاولا إنقاذها في مشهد إنساني فدائي قل نظيره، وفي فاجعة لم يستوعبها سكان المنطقة والمدينة.

«الأيام» زارت منزل الطفلة بمنطقة ريمي بالمنصورة، والذي أصبح الحزن مخيما عليه، في داخل البيت كانت الطفلة دينا توأم المتوفية تطوف بأرجائه مع طفل آخر من أقرابها غير مستوعبة لما حصل لتوأمتها.

الطفلتان التوأم
الطفلتان التوأم
ومنذ الوهلة الأولى لدخولي وبعد الترحيب بي من أهلها قالوا جميعاً: «أنتم أملنا بعد الله سبحانه وتعالى في الانتصار لابنتنا.. نريد من «الأيام» أن توصل صوتنا إلى كافة أطياف المجتمع، وسرعان ما بدأ والدها فهد العطار سرد تفاصيل القصة بالقول: «في مساء يوم السبت الموافق الرابع من الشهر الجاري، خرجت بمعية ابنتي (دينا ودنيا) في الساعة العاشرة وكانتا تلعابان بجانبي والمكان مظلم لانقطاع التيار الكهربائي عن الحي، وبعد فترة زمنية قصيرة تفاجأت باختفاء (دنيا)، وسرعان ما حاولت البحث عنها، ولوجود بيارة بالقرب منا خاصة بالشفط نصفها مكشوف ومغطى بعزف النخيل، أيقنت بأن ابنتي سقطت فيها، حاولت وآخرون إزالة ما فوقها فرأينا بأن عمقها يقارب 6 أمتار إلى قاع المجاري، وفي هذا الوقت كانت المولدات الكهربائية تعمل والمجرى فيها قوي جدًا، ومساحة الأنبوب يمكن أن تدخل فيه سيارة لكونه مجرى رئيسيا لعدة مديريات، وفق ما أفاد به مهندس في الحي».

تفانٍ واستبسال
ويضيف بصوت مشحون بالحسرة والألم لفراق فلذة كبده «حاولت النزول لإنقاذها، ولكن منعت ممن كانوا متواجدين، وعلى الفور قام محمد خالد (28 عاما)، وهو متزوج ولديه طفل رضيع، بالنزول للمجرى وبعد لحظات من البحث شاهدناه وهو يهبط إلى الأسفل، وعلى الفور لحق بهما صديقه حمدي عزت (30 عاما) وهو الآخر متزوج ولديه طفلان، ولأنه يُعاني من مرض الربو، سقط للأسف منذ الوهلة الأولى ولم نعد نراه.. استمرينا بالمناداة عليهم ولكن لم يجبنا أحد، وظلينا بنفس المكان نحو ساعتين نبحث عنهم من بيارة لأخرى، ولم يكن وقتها لدينا علم  بأن هذه البيارة تضح إلى البيارة القريبة من الحجاز مول، وحينها قمنا بإبلاغ البلدية للقيام بواجبهم غير أنهم أفادونا بعدم وجود غطاسين لديهم، ولم نلق أي تجاوب من إدارة المجاري، ومن أتى إلينا هم أفراد من الدفاع المدني، والذين أحضروا معهم السلم».

وبحزن يضيف: «ابنتي هي أول من دفعت بها المضخة إلى بيارة الحجاز مول، ومن ثم الشابين، وكانوا جميعاً جثثا هامدة».

لجنة للتحقيق
وعلى ضوء الحادثة أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارًا برئاسة القائم بأعمال محافظ عدن أحمد سالمين بتكليف لجنة للتحقيق في الحادثة ومحاسبة المتسببين في ذلك، وتم اعتبار الثلاثة شهداء، وبعدها قامت اللجنة بمباشرة عملها في قسم شرطة المنصورة، وتم أخذ أقوالنا (أولياء الدم) والشهود، وغالبية من تم التحقيق معهم هم من عمال النظافة فقط، ونحن هنا لا نتهم شخصا بعينه ولكننا نتهم المتسببين في الإهمال بالسلطة المحلية، فهناك مسئولون كبار لا تستطيع اللجان المكلفة بالتحقيق من استدعائهم ومساءلتهم، ولكن النيابة قانوناً هي من ستتولى ذلك، وحاليًا القضية في النيابة».

ويضيف العطار «أتى إلينا مأمور مديرية المنصورة محمد عمر البري، بعد الحادثة بحوالي أسبوع يحاول تبرير ما حدث، والحديث عن المماحكات السياسية، وهو حديث ليس لنا أي علاقة به، فقضيتنا أصبحت رأي عام، ولم تعد قضيتنا بمفردنا، بل إن هناك جهات من إدارة المجاري تشكك بسقوط ابنتي والشابين في هذه البيارة، وتقول بأن (الطفلة هي من قامت بكشف غطاء البيارة)، نقول لهؤلاء يكفي استهتار بأرواح الناس، لا تدخلونا في مناكفاتكم السياسية والتي يدفع قيمتها فلذات أكبادنا، على الرغم من الأموال الطائلة التي تقدمها المنظمات الداعمة في سبيل بناء وتحسين البنية التحتية».

ألم أم
تقول والدة الطفلة بحسرة وحزن شديدين: «حين سماعي بخبر سقوط فلذة كبدي في بيارة المجاري هرولت مسرعة إلى موقع الحادثة ووجدت تجمعا كبيرا من أفراد الحي إلى جانب زوجي، صرخت أن عليهم الانتقال ومتابعة كافة البيارات، وبعد مرور حوالي ساعة ونصف قاموا بالانتقال إلى البيارات الأخرى ومتابعتها».  

وتضيف: «بعد خروج الجنازات الثلاث فجرًا قامت إدارة المجاري بالتحرك إلى تلك البيارة وقاموا بإصلاحها في الصباح، ما يعني بأنهم لا يتحركون إلا بعد وقوع الناس في المهال، والمؤسف أن في المديرية بيارات مكشوفة كثيرة، على الرغم من البلاغات والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها المواطنون إلى إدارة المجاري، ولكن لا حياة لمن تنادي».

وطالب جميع أفراد الأسرة بضرورة محاسبة كافة الجهات المعنية في المديرية سواء أكان عاملا أم مسئولا.

بلاغات ومناشدات
وكان أهالي وسكان حيي ريمي بلوك 58 و59 تقدموا في شهر أبريل الماضي ببلاغ عبر عاقل الحارة إلى مؤسسة المياه والصرف الصحي يشكون فيها ذلك المنهل القاتل ويبدو أن أحدا من السلطة لم يستجب لاستغاثاتهم، وبعد شهور وقعت الكارثة الأليمة.

وأخيرا تقدم 62 شخصا يمثلون سكان البلوكين 58 و59 بتوقيع عريضة طالبوا فيه بمحاسبة المسئولين في السلطة المحلية بمديرية المنصورة ممثلة بمأمور المديرية، ومدير البلدية، ومدير المجاري، ومدير شرطة المنصورة، ومدير المؤسسة العامة للكهرباء، ومدير مؤسسة المياه والصرف الصحي، وكل من له مسؤولية بهذه القضية.

وتضمنت المذكرة المرفوعة، التي تحصلت «الأيام» على نسخة منها، صورًا لكافة المجاري (المناهل) المكشوفة المتواجدة في المديرية، مؤكدين في بلاغهم بأن «كافة الأدلة متوفرة إلا أن هناك مماطلة في تنفيذ قرار رئيس الجمهورية على أكمل وجه، وكذا محاولات لتمييع القضية بتوظيفها سياسيا».

الجدير بالذكر أن هذه البيارة كانت بنفس مستوى الأرض، ولم ترفع إلا بعد الحادثة، وهو ما يؤكد تقاعس المعنيين بأداء واجباتهم في مثل هذه المناهل الرئيسة والتي تتطلب صبِّيات وليس تركها مكشوفة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى