رغدة كمال لـ«الأيام»: لو رأى بحثي النور سيساعد مرضى السكر كثيرا

> التقاها/ علاء عادل حنش

>
غالبا ما يولد الإبداع من رحم المعاناة، ومن المؤكدا أن التجربة العملية تكون أحد أبواب صنع المستحيل، ونادرا ما نجد في الفرد الواحد مواهب متعددة، ودائما ما نسمع أن الصعاب هي من تصنع النجاح، وذلك ما لمسناه عندما التقينا بالموهبة الشابة رغدة كمال مصطفى قاسم، ذات الـ27 عاما، والتي ولدت في أغسطس من عام 1990م، في مدينة كريتر بالعاصمة عدن، جنوب البلاد، وقد تخرجت من كلية التربية عدن عام 2015م من قسم كيمياء أحياء، بكالوريوس.

الحرب الأخيرة، التي ما زالت تلتهم كل شيء جميل في هذا الوطن الذي كبلته اغلال صنعها أبناؤه، والتي بدأت رحاها عندما سيطر الحوثيون على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، مازالت تلتهم بكل بشاعة مواهب هذا الوطن، فغدت المواهب ضائعة، تائهة، مطمورة في لجة الحرب الهستيرية.

رغدة كمال
رغدة كمال
لكن هذه الحرب لم تدمر موهبة رغدة، التي صُنفت كأصغر باحثة في عدن عام 2010، حيث انها اكتشفت ابداعها قبل بدء الحرب، لكن الحرب حالت دون اظهار موهبتها، وتنميتها، حيث استشعرت رغدة بالمسؤولية تجاه اهلها ومجتمعها عندما كانت تدرس في السنة الاولى في كلية التربية بعدن، تخصص كيمياء احياء، فحاولت فعل شيء لمجتمعها، والمحاولة في الايجاب شموخ وعظمة، حيث قامت بإعداد بحث فاعل لعلاج مرض السكر، لكنهُ لم يحظ بأي اهتمام أو رعاية، فكان مصيره الاهمال والركود كسائر المواهب التي اصطدمت بالواقع التعيس لبلادنا.

لمعرفة تفاصيل هذه الموهبة، وكيفية وصولها الى هذا العلاج الفعال لمرض السكر؟ وما هي الصعوبات التي واجهتها؟ وكيف تجاوزتها؟ تجدون كل ذلك في خضم اللقاء الآتي:

بداية البحث
«الفقر كان احد دوافعي لمواصلة البحث لمعرفة مدى امكانية تحويل هذا المستحضر إلى دواء رخيص يكون في متناول كل المرضى في بلادي»، بهذه العبارة بدأت رغدة سرد موهبتها، وكيفية اعدادها للبحث الذي وصلت نتائجه الى انهاء معاناة مرضى السكر، حسب زعمها.

فعندما وجدت أن مرض السكر هو أكثر الأمراض انتشارا بين السكان، واكثرها تأثيرا في رفع معدلات الوفيات عزمت على القيام بشيء لانقاذ مرضى السكر، ورغم صغر سنها حينها، إلا انها لم تبق متفرجة، فبدأت بالتفكير في المساهمة بايجاد حل لذلك المرض.

فقالت «كانت البداية حينما حدث لصديق والدي حادثة غريبة، حيث كان يقول، أي صديق والدي، ان لديه (الديدان المكيسة)، وعرفت منه انه استخدم كل الادوية وكل السبل للعلاج فلم يجد نفعا».
وأضافت لـ«الأيام»: «لم يذهب صديق والدي إلى طبيب كما انه لم يذهب إلى اجراء تحاليل ليحدد ما لديه من مرض لكنه اعتقد انه قد حدد ما لديه من مرض وهو (ديدان مكيسة)».

وتابعت «لهذا قام باستخدام نبتة من عائلة (المشموم)؛ وهي عائلة تتكون من 9 مكونات، حيث قام بغليها وشربها وكان يعتقد انها ستعالجه من مرض (الديدان المكيسة)، لكنه حدث لهُ هبوط حاد في السكر فتم نقله على إثر ذلك إلى مركز العناية في احدى مستشفيات عدن».

واشارت إلى ان والدها، الذي كان حينذاك في بداية اصابته بالسكر، قام باستخدام هذه النبتة كما عمل صديقه، وقام بعمل فحص سكر بعد شربه للنبتة، فعمل مقارنة بين اثر هذه النبتة وبين دواء السكر الذي يستخدمه فتبين له اثر تلك النبتة، وكان تأثيرها كبيرا وعاليا في تخفيف نسبة السكر، حسب زعمها.

وأوضحت رغدة «هذه الحادثة مع والدي كانت بدايتي في اجراء هذا البحث الذي وجدت فيه الفائدة لكل الناس المصابين بمرض السكر المنتشر في مجتمعنا».
وعن دافعها في مواصلة البحث قالت رغدة «الفقر المنتشر في المجتمع كان دافعا لي لمواصلة البحث لمعرفة مدى امكانية تحويل هذا المستحضر إلى علاج ليكون في متناول كل المرضى في بلادي».

وأضافت «والدي وخالي وخالتي وعمتي، كلهم يعانون من مرض السكر، وهذا ايضا كان أهم دافع للبدء في الاهتمام بالبحث عن اسباب مرض السكر، والبحث عن العلاج له».

ما هي هذه النبتة؟
وعن مكونات نبتة «المشموم»، قالت رغدة أن «نبات المشموم (Pulicariajauperti) له قدرة على تخفيض نسبة السكر في الدم، وهي واحدة من 77 فصيلة لهذا النبات موجود في شبه الجزيرة العربية، حيث ان كل واحدة تستخدم لغرض محدد، اما الـ(Pulicaria Jaupertii) فيوجد فقط في اليمن، وهي المستخدمة في البحث لتخفيض نسبة السكر في الدم».

وأضافت «وتعد هذه النبتة دواء رخيص في متناول الجميع في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، وبالتالي سيكون دواء في متناول الجميع ان شاء الله».
وأكدت أن ذلك الدواء قد يكون استثمارا وطنيا لهذه النبتة، التي تُستخدم غالبا في الزينة في بلادنا، والاستفادة منها كنبات علاجي تعد نقلة في استخدامه أو بالأصح استثماره، حسب زعمها.

تجارب البحث
وعن الأهداف التي ارادت رغدة، التي التحقت بقسم الكيمياء لحبها وعشقها لهذا المجال، تحقيقها من خلال بحثها قالت «تقديم نبتة جديدة للعالم لم يُسلط عليها الضوء سابقا من الناحية العلمية الطبية، إضافة إلى استخلاص مستحضر طبي لتخفيض نسبة السكر في الدم في متناول الجميع وقليل الكلفة وسهولة التحضير في المنزل، وكذا تخفيض نسبة السكر في الدم بفاعلية أكبر، إلى جانب أنني أردت إيصال رسالة للعالم بأننا ما زلنا موجودين، ونفكر ونبدع رغم كل الظروف القاسية التي نعيشها».

وعن الخطوات التي بدأت بها في بحثها، أكدت انها «بدأت من مختبر المنزل «المطبخ»، وعلى أول متطوع، وهو أهم إنسان في حياتي ألا وهو والدي، وأول من شجعني على بحثي فعاملت المشموم كمعاملة الأعشاب الخضراء، ففي البدء وضعته في ماء ساخن وتركته لمدة 24 ساعة بعدها كان والدي يأخذ منه بمعدل كأس في اليوم إلى جانب نصف حبة (DAONlL)، ثم كأسين في اليوم من دون دواء، فأجرينا الفحوصات فلاحظنا الفرق».

وتابعت «المسألة في البداية كانت عشوائية حتى دخلت الكلية فبدأت المسألة تأخذ المسار العلمي، حيث كنا نعمل في مختبرات الماجستير تحت إشراف غير مباشر من أ.د.طه أبو بكر، أي أنه كان يعطي التجارب والخطوات فنقوم بالتجربة بمساعدة فني المختبر، وقد ساعدني حينها زميلي عبدالله أحمد باظروس، حيث قام بدعم البحث ماديا، وأجرى بعض التجارب معي، وقمت بمساعدة والدي بالمقارنة بين فعالية المشموم وبعض النباتات الشعبية المعروف عنها أنها تساعد على تخفيض نسبة السكر، طالما وكانت فيها نسبة من المشموم».

وعن من ساعدها في اعداد البحث، وبمن استعانت اشارت رغدة إلى انها استعانت بوالدها والدكتور البروفيسور طه أبو بكر، اختصاصي كيمياء حيوية ورئيس قسم الكيمياء، وكذا أ.د.عبدالناصر الجفري، اختصاصي في علم تصنيف النباتات، إضافة إلى استعانتها ببعض الدكاترة في (الفارما كوتشي، والفارما كولوجي)، وتوجيهات كل من د.منصور، وأ.د. يعقوب، أستاذ الكيمياء بكلية التربية، وعميد الكلية سابقا، حسب قولها.

نتائج البحث
وفيما يخص النتائج التي توصلت إليها أكدت رغدة أنها «توصلت إلى الآن من خلال التجارب العلمية المختبرية إلى أن المستحضر المستخلص من النبتة تتفوق على بعض المستحضرات الكيميائية لعلاج السكر، حيث أجريت تجارب علاجية على عينات من مرضى السكر، فاستفادوا من مستحضر النبتة التي أظهرت فعاليتها في خفض مستوى السكر في الدم خلال أربع ساعات».

وقالت «لكني أواجه في بحثي صعوبات مادية وقلة في الإمكانيات المختبرية، إضافة إلى عدم وجود مراجع متخصصة ونقص في المعلومات والخبرات العلمية المتخصصة التي ستمكنني من استكمال بحثي».
وأضافت «إذا حصلت على دعم سأتمكن من التوصل إلى دواء عالي الفعالية، وذلك من خلال قيامنا بتركيز المستحضر بطرق مختبرية خاصة، ونضغطه في أقراص، وبعدها سيكون هذا الدواء أقل كلفة وفي متناول الجميع».

إبداعات أخرى
الموهبة الشابة رغدة لم تتوقف عند إجراء بحث فاعل لعلاج مرض السكر وحسب، بل وصلت إبداعاتها إلى إجادتها لكتابات المقالات والمسرحيات والقصص، ضف إلى ذلك امتلاكها أحد أهم فنون الحياة ألا وهو (فن الرسم)، الذي يعتبر من الفنون التذوقية الفلكلورية.

حيث بدأت رغدة في كتابة المقالات وعمرها ثمانية أعوام، وكان أول مقال تكتبه في صحيفة «الأيام» في منتصف نوفمبر 2006، وعمرها خمسة عشر عاما، وكان بعنوان «غرباء بين الأمم»، في باب «أنت تكتب ونحن ننشر».
وفيما يخص كتابة القصص، فلديها قصص عدة أهمها «الجمال الخداع، واللعبة، ووردة الحياة»، وهذه الأخيرة قصة رومنسية، أما المسرحيات التي كتبتها، فمنها «رسالة إلى معلمتي، واستيقاظ ضمير، وغلطة أب».

وإلى جانب كل ما سبق ذكره، فإن الموهبة رغدة كمال تجيد اللغة الإنجليزية، إلى جانب فهمها للغة الفرنسية، لكنها لا تتحدث بها بطلاقة، كما قالت لنا.
وتختتم الشابة رغدة حديثها معنا بقولها بكل ثقة: «أريد أن أكون متميزة، ولا أهتم بمن يقول بأنه حينما يكون عمرك صغيرا فما يزال بدري على إنتاج الإبداعات العظيمة، فالعمر ليس مقياسا».

تبني الموهبة
«الأيام» تطالب جامعة عدن ممثلة برئيسها د. الخضر ناصر لصور بتبني الشابة رغدة كمال، والعمل على خلق فرصة لإظهار موهبتها، ومساعدتها على توثيق بحثها دوليا.

حيث إن الاهتمام بالمواهب، لا سيما الشابة، هي المخرج الوحيد مما آلت إليه البلاد من تدهور كلي في كافة المستويات، فالمواهب التي تملأ بلادنا يجب أن تحظى بقليل من الاهتمام، وهذه رسالة نوجهها إلى جميع أفراد المجتمع الجنوبي واليمني والعربي ككل.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى