إلى رئيس الجمهورية.. هل من قرار شجاع يعيد المؤسسات والمصانع المدمرة في عدن؟

> تقرير/ علي راوح

>
سياسة ممنهجة لتدمير القطاع العام منذ عام 94

شهدت مدينة عدن منذ العام 1994م، برنامجا ممنهجا لتدمير مؤسسات ومرافق القطاع العام فيها، تمثل بتدمير عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية السيادية الوطنية كان أبرزها تدمير كل من شركة أحواض السفن الوطنية، وشركة الملاحة قبل أن يقيموا على إثرها شركة ملاحية خاصة، وتدمير شركة النقل البحري، وشركة التجارة الداخلية، وشركة التجارة الخارجية، والورشة المركزية، كما صادروا مخازن وهناجر التجارة الداخلية والمجمعات التجارية في كل من المعلا وخور مكسر والشيخ عثمان قبل أن يتم ضمها إلى ما سميت بـ (المؤسسة الاقتصادية العسكرية)، فضلاً عن ضم كل من مطاحن الغلال ومصانع أخرى إلى المؤسسة الخاصة العسكرية، كما تم تدمير مؤسسة النقل البري، وابتلاع شركة الطيران (اليمدا) بالإضافة إلى تدمير وإلغاء عدد من المصانع الناجحة وتسريح الآلاف من الأيادي العاملة فيها، لتصبح اليوم تشكل جيشاً من العاطلين عن العمل، ومن أبزر هذه المصانع: مصنع الغزل والنسيج، مصنع البسكويت، مصنع الطلاء، مصنع الأحذية الجلدية، مصنع الشباشب (الأحذية)، مصنع البلاستيك، ومصنع العطور، مصنع البطاريات السائلة، مصنع الغاز والأوكسجين، مصنع الألمنيوم (المعدن) مصنع الثورة لقطع الغيار، تعاونية الصناعات الجلدية، مصنع الأدوات الزراعية (ما يزال يصارع للبقاء)، كما تم تدمير مؤسسة مواد البناء وغير ذلك من المؤسسات الاجتماعية الناجحة ولعل في مقدمتها منظمة لجان الدفاع الشعبي التي تأسست في شهر أغسطس من عام 1973م.

كما تم تدمير المؤسسات الاقتصادية العملاقة التي كانت تعمل بنجاح كبير وتحقق الموارد المالية من العملة الصعبة، فضلاً عن تشغيلها للآلاف من العاملين والموظفين.
الغزل والنسيج
الغزل والنسيج

ويعود تاريخ شركة أحواض السفن الوطنية التي تم تدميرها إلى العام 1920م حين شهدت عدن إنشاء عدد من الشركات الخاصة بخدمات صيانة وإصلاح وبناء السفن حيث تأسست كل من: شركة البس، شركة استالكو، شركة لوك تامس، شركة كوري براذرز.

وبعد الاستقلال عام 1967م، تم إنشاء شركة أحواض السفن الوطنية من مجموع تلك الشركات المؤممة، وظلت الشركة - منذ تأسيسها - تمارس مهمة صيانة وإصلاح السفن بمختلف أحجامها وأنواعها، وبعد فتح قناة السويس، ولمواجهة الطلب المتزايد لإصلاح وصيانة السفن القادمة إلى ميناء عدن، تم تزويد الشركة بحوض عائم في العام 1976م بطاقة رفع (4500) طن كوسيلة من وسائل العمل الحديث إلى جانب إنشاء مزلق بطاقة (600) طن، وفي العام 1986م زودت بحوض عائم بطاقة (1500) طن كما امتلكت الشركة ورشة فنية مكونة من الأقسام التالية:
قسم الخراطة، قسم البرادة، قسم الميكانيكا، قسم الصب، قسم الصفائح، قسم اللحام، قسم الكهرباء، قسم النجارة، قسم التثليج، وقسم مكائن الديزل.

ومن المعروف أن عمل هذه الشركة بالنسبة للسفن الأجنبية يتم بالعملة الأجنبية (العملة الصعبة) والتي ترفد بها خزينة الدولة بالملايين.
 
العد التنازلي لوأد الشركة
ومنذ العام 1990م، لم تر الشركة أي تحديث يذكر، وكان القرار قد اتخذ لوأدها، ودفنها بدون كفن ودون عزاء، فالحوض العائم كان حجر الزاوية في عمل الشركة، والذي تم إدخاله للعمل في العام 1976م، وقدر عمره الافتراضي بعشر سنوات ويتسع لدخول باخرتين في وقت واحد، وبعد عمره الافتراضي، ظل يقاوم ويؤدي مهامه بفضل جهود العاملين الفنيين فيه باعتباره مصدر رزقهم، فظل الحوض يقاوم ويعمل حتى العام 2001، متجاوزاً عمره الافتراضي بـ(20 عاماً) وفي الأخير غرق بالتزامن مع بدء تدشين العمل في ميناء المنطقة الحرة، والسؤال أين هي نظرة خبرائنا الاقتصاديين الذين كان يتوجب عليهم تحديث شركة أحواض السفن ورفدها بحوض عائم جديد يواكب نشاط ميناء المنطقة الحرة في استقبال السفن العملاقة (حاملة الحاويات) والتي - بدون شك - تتطلب الصيانة والمفاقدة بعد إفراغ حمولتها؟
وبعد سقوط الحوض العائم شل العمل في الأحواض، واقتصر دور الشركة على صيانة القوارب الصغيرة، والقيام ببعض الأعمال الفنية على المزلق، وفي الورشة.

وفي أغسطس 1998م ، قام وزير النقل حينها عبدالملك السياني بزيارة الشركة، وكنت مرافقاً صحفياً لتغطية هذه الزيارة فطلبت منه الحديث عن وضع شركة أحواض السفن، فكانت إجابته “كلنا يعلم أن العمل في أحواض السفن مسألة تحتاج إلى تكاليف مالية كبيرة للتطوير، وليس بإمكان الدولة تنفيذ أي تطوير، ولكن لدينا حالياً عدة عروض لشركات كبرى للدخول في المساهمة لتطوير الشركة وسنعطي لهذه الشركات نسبة كبيرة في المساهمة تصل إلى (70 %) وبإمكان القطاع الخاص أن يمارس حق الإدارة”.

وهذا الجواب يؤكد بأن قرار التدمير للشركة قد اتخذ سابقاً وهو ما تم بالفعل في حينه من تدهور على مستوى الشركة ومن ثم تشريد عمالها قبل أن يمحى تاريخها العريق بأيدي الفساد المبرمج لتدمير القطاع العام.
ليصبح مبنى الشركة وورشتها اليوم سكناً للغربان والهوام، فهل من يعيد لهذا القطاع الحياة؟

مصفاة عدن لتكرير النفط
في الـ 29 من يوليو 1954م، دشنت المصفاة أول عملية لتكرير النفط، بعد استلامها حمولة أول ناقلة بريطانية قادمة من الكويت، وجاء إنشاء المصفاة نظراً لأهمية ميناء عدن في استقبال السفن إذ تجاوز عدد السفن القادمة إلى الميناء (5 آلاف) باخرة سنوياً، الأمر الذي يحتاج لكميات كبيرة من الوقود.

مصفاة عدن
مصفاة عدن
وعلى مدى عشرات السنين شكلت المصفاة مرتكزاً اقتصادياً كبيراً وهاماً من خلال تسويق مختلف المشتقات النفطية لعدن وكل محافظات البلاد، وقيامها بعملية تموين البواخر والطائرات فضلاً عن تصدير المشتقات النفطية إلى الخارج، محققة ملايين من العملة الصعبة لرفد خزينة الدولة، وأصبحت المصفاة معلماً تاريخياً هاماً من معالم مدينة عدن، وضمت ما يقرب 3 آلاف عامل من فنيين وإداريين، كما كان للمصفاة مستشفى نوعياً يؤدي خدماته الطبية للعاملين وأسرهم، والسؤال هنا لماذا توقفت هذه المصفاة عن عملية تكرير النفط منذ عدة سنوات؟ وما هي الحكمة منه؟ ومن هو المستفيد؟ ولماذا أصبحت المصفاة مجرد خزانات لاستقبال النفط المستورد من قبل القطاع الخاص، الذي رفع التسعيرة بشكل كبير؟
أسئلة نوجهها إلى رئيس الجمهورية وإلى دولة الشرعية، مطالبين بضرورة الإسراع في تمكين المصفاة من إنتاج المشتقات النفطية وبيعها للمواطنين بأسعار تتلاءم مع ظروف الناس المعيشية، ووضع مصلحة المواطن في مقدمة المصالح الشخصية.

تدمير مؤسسة الملح
تُعد مؤسسة الملح أحد الرموز الاقتصادية التاريخية لمدينة عدن، ففي الـ 25 من مارس 1886م انشئت أول شركة للملح في عدن، وهي شركة الملح الايطالية في المملاح الحالي، وفي العام 1908م أُنشئت الشركة الهندية العدنية للملح في خور مكسر، وفي العام 1923م انشئت الشركة المتحدة لأعمال الملح في منطقة كالتكس، وفي العام نفسه 1923 انشئت شركة الملح الفارسي في مدخل مدينة عدن الصغرى (البريقة) وما زال يطلق على ذلك الموقع بـ(منطقة الفارسي).

في مطلع عام 1970 صدر القرار الجمهوري رقم (11) بشأن إنشاء المؤسسة العامة للملح، والقانون رقم (4) بشأن استخراج وتصنيع الملح، وتم تصفية تلك الشركات الخاصة وظلت المؤسسة الوطنية تعمل بنفس وسائل عمل الشركات السابقة، وفي بداية العام 1973م جرى تغيير شامل لوسائل وأساليب العمل بالتعاون مع حكومة الصين الشعبية لتصبح قدرة إنتاج المؤسسة بين (120 - 150) ألف طن سنوياً، بدلاً من (25) ألف طن في السابق، ويُعد ملح عدن من أفضل أنواع الملح في العالم نظراً للارتفاع الكبير في ملوحة بحر العرب، ولهذا فقد حقق شهرة عالمية وحازت المؤسسة في عام 1989م على الجائزة البرونزية وفي العام 2001م تحصلت على الجائزة الذهبية للجودة من أوروبا.

في العام 1997م عملت المؤسسة على إضافة مادة (اليود) إلى الملح، استنادًا إلى القانون رقم 32 لعام 1997م بشأن إضافة هذه المادة إلى ملح الطعام.
مصنع الملح
مصنع الملح

ومن المؤسف أن تتعرض هذه الثروة للتدمير المتعمد من قبل بعض النافذين ففي العام 2001م تعرضت للسطو على جزء كبير من مساحتها وتم إقامة محطة لبيع المشتقات النفطية وهي عملية خطيرة ينطوي عليها تلويث أحواض إنتاج الملح، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من الضرر، بل تم إقامة فندق وسوق لبيع القات، جوار الأحواض، حينها نزلت للموقع باعتباري مسئولا إعلاميا لجمعية (اليمن الأخضر للبيئة) بمعية رئيس الجمعية محمد عبدالوهاب، ومدير عام المؤسسة وقتها عبدالرحمن حسن، تم مشاهدة القنوات المغذية لأحواض الملح وقد امتلأت بأنواع الملوثات من أكياس البلاستيك، وعلب المياه والمشروبات الغازية، وأعقاب السجائر، ونتيجة لعدم وجود حمامات فيها اضطر مرتادو السوق إلى التبول بجوانب قنوات أحواض صناعة الملح، وتم في حينها نقل تلك الصورة إلى محافظ عدن ولكن لم يتم التجاوب نهائيا.

لتواصل بعدها برنامج اختراق حرم المؤسسة إلى اليوم بهدف تعطيل عملها، والإقدام على تقاسم مساحتها، على الرغم من أن هذه المنطقة (المملاح) ومنذ انشائها في العام 1886م لم يجرؤ أحد على إقامة أي مشروع بجانب أحواضها، لكونها محمية اقتصادية طبيعية يُحرم المساس بها أو تلويثها، فهل ستحافظ الدولة وحكومة الشرعية على هذه المؤسسة وحمايتها من عبث الفاسدين؟ سؤال موجه إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وهل سيصدران بالخصوص قراراً تاريخيا وشجاعا يقضي بإعادة نشاط المؤسسات والمصانع الاقتصادية التي دمرت منذ العام 1994م؟
وهل سيشمل هذا القرار إعادة الروح إلى كل من إذاعة عدن التي تأسست عام 1954م وكانت ثاني إذاعة في الوطن العربي، وتلفزيون عدن الذي تأسس عام 1964م، وكان أول تلفزيون في منطقة الجزيرة والخليج، وكذا وكالة أنباء عدن التي تأسست عام 1970م وكانت رائدة ومتميزة في العمل الإعلامي المهني؟​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى