(10 أيام قبل الزفة).. نجاح فني وجماهيري كبير

> مختار مقطري

>
استمتعت كثيرا، وأنا أشاهد فيلم (10 أيام قبل الزفة)، ضحكت وبكيت، وغادرت قاعة العرض، وأنا في قمة التفاؤل بغد أفضل، لأن الزفاف تم بنجاح، واجتمع الشابان المحبان في عش هادئ، رغم كل العراقيل والمشاكل الكبيرة التي واجهاها، وكان من الممكن أن تؤدي لفسخ الخطوبة، لكن الحب انتصر، على المعاناة والفقر والجشع والمؤامرات والكيد والحسد والمصالح الذاتية، التي لا تتورع عن قتل أحلام الشباب، ومنها جشع التجار.

هذا ما تحتاجه عدن.. الحب! أحداث هذا الفيلم الجميل والبسيط بساطة الناس في عدن.. تدور أحداثه بعدن بعد ثلاث سنوات من الحرب، انتهت الحرب، لكن آثارها السلبية العميقة لم تنتهِ، على المجتمع والناس والحياة، وخصوصا على الشباب المتطلع لبناء مستقبل أفضل، لكنه لا يجد خرم إبره يرى من خلالها، ومع علاقة كل ذلك بالحرب، إلا أن المخرج وكاتب القصة الفنان المبدع عمرو جمال، ابتعد عن السياسة، ولم يصنع فيلمه ليحدد من المسؤول، ولم يقترح لنا الحلول، غير حل واحد، نوافقه عليه، هو الحب، بما في ذلك من المؤازرة والتراحم والتآخي، بين أهل عدن جميعا، لتعود عدن كما كانت، أم المسكين، وهذا ما سمعناه في أكثر من جملة حوار.

فيلم سينمائي هو التجربة الأولى لعمرو جمال، ولكل الطاقم الذي ساهم في الفيلم، وكم أعجب لقدرة الممثلين على الوقوف في تجربتهم السينمائية الاولى، وقوف الثقة، امام الكاميرا، واقصد الممثلين الشبان، وكان المخرج بارعا حين اصر على إلغاء الوسامة وحسن المظهر للممثلين جميعا، فبدت وجوههم كئيبة واللحى مهملة وثيابهم بالية واعصابهم مستفرة، وذلك للدلالة على ان المعاناة التي خلفتها الحرب معاناة كبيرة، ومازالت تنتج اكثر من معاناة في كل المجالات، ما اثر على سلوكيات البعض من الشبان والشيبان من ارباب الاسر، الاب مضطر لتزويج ابنته لابن عمه، وهي لا تريده، فقط لانه تاجر، وهو، التاجر، مستعد ان يحطم احلامها واحلام خطيبها ليشبع نزوته، ونزوة التاجر سببها الجشع الذي يؤدي الى الغش وارتفاع الاسعار الرهيب، اي الى الفقر المدقع.

كل مشكلة في الفيلم منقولة من مجتمع عدن بعد الحرب، رغم ابتعاد المخرج عن بعضها، مثلا الدور الذي قام به اكرم مختار، المتعلق بعدد كبير جدا جدا من طلاب الجامعة والثانوية، والذين تركوا الدراسة للالتحاق بالجيش والمقاومة، من اجل الراتب، اي بسبب الفقر، فلو توسع في هذه القضية لكان افضل، من مشاهد منطقية لا غبار عليها، مثل قضية المحكمة، فمن حق كل صاحب حق اللجوء للمحكمة للحصول على حقه، سواء في زمن السلم او في زمن الحرب، وبعد ثلاث من الحرب، اصبح الحصول على الحق والباطل يتم بالقوة، قوة السلاح وقوة الذراع.

ان معاناة عدن في الفيلم، كما تبدو، تمتد الى ما قبل عام 1990م، واكتفى المخرج بثلاث سنوات بعد الحرب المأساوية، للتركيز على فترة زمنية قصيرة، ليتمكن من الامساك بخيوط الفيلم، وقد نجح في ذلك الى حد كبير، لكني لم ارَ الدمار المادي الذي خلفته الحرب، غير ما بدا كمخلفات البناء، لان المخرج اراد الدمار النفسي والمعنوي، ولم ينافق اهل عدن، فقد اظهر سلبيات فئات منهم، حتى الشاب مأمون، تخلى عن حبيبته لان الحرب هزمته بآثارها المأساوية، وأود الاشارة الى ان معظم التجار والمسؤولين في عدن ليسوا من اهل عدن، فأهل عدن اهل محبة وتضحيات، وهي سلاحهم لاعادة عدن لسابق عهدها، فأم الشاب وام الفتاة دافعتا عن الشابين، واعلنتا الاستعداد لبذل التضحيات، والفتاة تخلت عن احلامها في شقة افضل وزفاف اجمل، وارتضت ان تعيش مع زوجها في بيت متواضع اعلى الجبل، يصله الماء على ظهور الحمير، ويكون الفيلم قد انتصر للمرأة العدنية.

احاول الا احرق الفيلم، حيث ينتظره فترة اطول للعرض، لأهنئ عمرو جمال على الاخراج المبدع، الذي جعلنا نعيش ولمدة ساعتين في حي القطيع و(الزغاطيط) الجبلية والدرج الصخرية في حافة القاضي وشعب العيدروس، واضواء الاسواق التجارية في الزعفران والشارع الطويل، ولم ينس، رغم ذلك، ان يصور لنا مأساة عدن بعد الحرب وتجاوزها، حيث لا ولن تتحقق الاحلام الا بالمحبة وتقديم بعض التضحيات.

وكان التصوير صاحب فكر، ينقلنا من داخل بيوت عدن الضيقة، وشوارعها الاضيق، الى انفساح الرؤية في ميناء عدن، ومن البيوت المتهالكة في الجبل، الى منظر من اعلى، يبين لنا ازدحام البيوت حتى في صدور الجبال، بسبب ازمة السكن والايجارات الباهظة.

الموسيقى التصويرية لم اشعر بها ولم استطعمها، وربما انا احتاج لمشاهدة الفيلم مرة اخرى واخرى.
شكرا لعمرو جمال، ولكل طاقم الفيلم، الذين اعادوا لنا السينما، وما اجمل ان يخرج المرء من بيته ليذهب الى السينما، فهذا تصرف فيه تحضر وتثقف وعصرية، وقد فعلها عمرو جمال، واخرجنا من بيوتنا، لنذهب للسينما، مع فارق اننا خرجنا هذه المرة ونحن واثقون اننا سنشاهد فيلما سينمائيا جميلا، لمخرج مبدع اسمه عمرو جمال، سبق واخرجنا من بيوتنا لنشاهد مسرحياته الجميلة.

ولذلك يبقى الجمهور هو البطل الاول، فقد تدفق لدار العرض عن عشق لفن السينمائي، ولولا هذا الجمهور العدني المتذوق للفن الراقي، لفشل الفيلم جماهيريا على الاقل.

الفيلم رسالة للمسؤولين في الدولة، وكل الفنانين والمبدعين، لإعادة سينما عدن، بإعادة بناء دور العرض التي تهدمت، وبناء استديو للانتاج السينمائي، وتشجيع الشباب، وتشجيع القطاع الخاص للاسهام في الانتاج، ليثبت حبه وانتماءه لعدن، وانها ليست فقط مدينة يكسب فيها الملايين.

 أهدى المخرج عمرو جمال فيلمه السينمائي الأول هذا لروح الفنان الشاب هشام الحمادي، المشارك في الفيلم، الذي وافته المنية في حادث مروري أليم، قبل اسبوع تقريبا من بدء عرض الفيلم، تغمده الله بواسع رحمته وغفرانه، وهي لفتة جميلة من عمرو جمال، تدل على وفائه وانسانيته وحبه واحترامه لزملائه الفنانين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى