سبتمبر.. من الجمهورية إلى الملكية

> عبدان دُهيس

>
بعد أيام قليلة ستحل علينا الذكرى الـ (56) لثورة 26 سبتمبر 1962م، التي أسقطت الإمامة ونظامها الكهنوتي في الشمال.. ولولا مساندة الجنوب لهذه الثورة لما كانت انتصرت وتثبتت على الأرض، إذ كان شعب وعمال ونقابات الجنوب مدداً لا ينقطع لدعم وإسناد هذه الثورة بالرجال والمال والسلاح.. وكانت عدن - بالذات - زيت هذا المدد وإيقونيته، وسقط جنوبيون كثيرون في ساحات الشهادة وهم يقاتلون إلى جانب إخوتهم الجمهوريين الشماليين، وأشقائهم المصريين، فلول الملكية في صرواح ونقم ونقيل يسلح وصعدة  وحجة وجبل النهدين، وعلى أبواب صنعاء وأسورها، وفي مناطق كثيرة لا حصر لها.

كان انتصار (ثورة سبتمبر) من المذهلات التي لم يتوقعها العالم - كل العالم - في هذا البلد الفقير الأمي، إن لم يكن انتصارها على (الملكية) من المستحيلات، فالإمامة الكهنوتية حكمت شعب الشمال بالخرافات والقيود أكثر منه بالعقول المنفتحة، ووضعت هذا الشعب في (سجن كبير) مغلق الأبواب، لا يعي ولا يدري بما يجري حوله من تقدم ونهضة الشعوب في عالم الدنيا الفسيحة. وصدق الشاعر الكبير عبدالله البردوني- رحمه الله- وهو يعبر عن قيمة هذه الثورة في حياة اليمنيين، في وصف عجيب لذلك اليوم السبتمبري، إذ قال: (أفقنا على فجر يوم صبي
          فيا صحوات المنى اطربي)
 لكن هل هذا (اليوم الصبي) استمر وترعرع وشب وتعافى أم أنه هرم قبل الأوان ولم يصل إلى ما يريد؟.

لو كتبنا بحبر الدنيا كلها، وتحول البحر إلى مداد لن نستطيع أن نرصد كل الانكسارات والكبوات التي مرت بها هذه الثورة والنظام الجمهوري. للأسف الشديد سرق برريق هذه الثورة من لحظة انتصارها، ولعبت قوى كثيرة في المنطقة (وهي معروفة للقاصي والداني) أدواراً مشبوهة لقتلها في المهد، وشهدت ما شهدت من الانقلابات والصراعات القاتلة والتسيّد على هذا الشعب المقهور وسلب إرادته، وتحول النظام الجمهوري في الشمال بعد عام 1978م إلى نظام عائلي، ثم عاد بعد 2014م إلى ما كان عليه قبل ثورة 26 سبتمبر 1962. إنه (الكهنوت) بشحمه ولحمه، إن لم نقل (ولاية الفقيه) هو السائد الآن.

عجيب أمر هذا البلد، لم يستقر ولم ينشط باتجاه الحياة، فليس بالمصادفة أن يأتي (انقلاب الحوثيين) في 21 سبتمبر 2014م ليهد كل ما تبقى من بريق ورائحة ثورة 26 سبتمبر،  ومازالت الحرب مستمرة، ومازالت اللعبة مستمرة أيضاً، ومايزال الجنوب مدداً لهذه الحرب. إنها من العجائب، ماتت الجمهورية وبعثت الملكية من جديد.. ولكن السؤال: هل ستعود جمهورية سبتمبر مرة ثانية؟ هذا من المستحيل في الوقت القريب، لكن من الممكن في الوقت البعيد، لكننا لن نحتفل بذكرى هذه الثورة مثلما كان عليه الحال في عهد الرئيسين السلال والحمدي..!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى