أزارق الضالع.. 11 حالة بسوء التغذية تسجل يوميا.. والأهالي يستغيثون

> تقرير/ بسام القاضي

>
“الصورة بألف كلمة”، هذه العبارة التي تعلمناها في مناهج الصحافة والإعلام، باتت اليوم واقعًا معاشا في الأزارق بمحافظة الضالع، تترجمها صورة فوتوغرافية لطفل يُدعى “ثائر”، تعكس حقيقة الوضع وحجم الكارثة الإنسانية وشبح المجاعة التي تهدد أطفال هذه المديرية، وأمثال “ثائر” كثيرون مهددون اليوم بالموت جوعا.

“ثائر” الطفل الذي ولد في زمن الحرب والرصاص ودوي المدافع حمل منذ الولادة هذا الاسم الكبير لربما يقاوم مستقبلًا الظلم والجبروت ويدافع عن قيم الحق والخير والإنسانية، خُذل منذ الولادة وتُرك على قارعة الألم يصارع منفردًا الجوع والمرض والإهمال.
الأزارق التي تجتاح مناطقها المجاعة ويفتك بأطفالها سوء التغذية وتحاصر أهلها الأوبئة والأمراض القاتلة تنتظر اليوم المبادرة من الجميع لإنقاذ أهلها من كارثة إنسانية كبيرة.

وضع صعب للغاية
لا أحد يستطيع تصوير حجم المعاناة التي يعيشها سكان هذه المديرية وفقدانهم لأبسط مقومات الحياة، فالوضع بشكل عام فيها صعب للغاية، ووحدها صور أطفال المديرية تلخص ما تعانيه المنطقة من كوارث إنسانية مجتمعة، هذا ما يقوله مدير مكتب الصحة بالأزارق د. محمد صالح المقرعي.

ثمة كوارث مجتمعة تطوق الأزارق المديرية الأفقر في البلاد وتهددها بكارثة إنسانية كبيرة، فالمجاعة وسوء التغذية والكوليرا والضنك والحصبة والدفتيريا، باتت اليوم اشباح تنهش سكان الأزارق، تحاصرهم وتقض مضاجعهم، والحكومة الشرعية في صمت مريب وعجيب.


الطفل “إسحاق محمد عبدالله ناصر” ذو الخمسة أشهر بقرية “المعلامة” منطقة حورة غنية ما يزال مرقدًا في مستشفى النصر العام بمدينة الضالع، هو وغيره الكثير من أطفال الأزارق تركهم آباؤهم وحيدون لتفتك بأجسادهم النحيلة المجاعة وسوء التغذية والأوبئة القاتلة التي تجتاح المديرية، بينما همّ الآباء الوطن وأياديهم على الزناد يذودون للدفاع عن حياضه بكل جبهات القتال جنوباً وشمالًا، فهل يرضى التحالف والشرعية للمديرية كل تلك الكوارث ولأطفالها الموت جوعا؟

سوء التغذية
في مديرية الأزارق وحدها وخلال أقل من عام تم تسجيل أكثر من 4 آلاف طفل لما دون سن الخامسة مصابون بسوء التغذية بينهم 1450 حالة إصابة بسوء التغذية الحاد و 2550 حالة إصابة بسوء التغذية المتوسط، تمت معالجة أكثر من 2000 طفل منهم والبعض الآخر ما يزالون قيد الرعاية العلاجية، كما تم تسجيل 5 حالات وفاة خلال أقل من عام.

11 حالة بسوء التغذية يوميا تسجل لأطفال الأزارق ما دون سن الخامسة، 4 حالات منها سوء تغذية حاد و7 حالات إصابة متوسطة، كما تم رصد حالة وفاة كل شهرين.
وسجل متوسط الإصابة الشهرية لأطفال الأزارق بحالات سوء التغذية 330 حالة إصابة بشكل عام، منها 120 حالة إصابة سوء تغذية حاد و210 حالة إصابة سوء تغذية متوسطة.

مناشدات للتدخل السريع
ويؤكد د.المقرعي لـ«الأيام» أن المديرية “تعيش وضعًا صحيًا وإنسانيا معقدًا يوشك على الانفجار، وينذر بكارثة تهدد أطفال المديرية في حال عدم تدخل المنظمات الدولية والتحالف لإنقاذ الأزارق بشكل عاجل من ثلاثي الفقر والمرض والمجاعة”.. مناشدا المنظمات الدولية ومركز الملك سلمان والهلال الإماراتي والمؤسسات الخيرية وهيئات الأمم المتحدة “التدخل العاجل لإنقاذ أطفال الأزارق من كارثة إنسانية وشبح المجاعة والأمراض القاتلة التي تفتك بالمديرية”.

وقال المقرعي: “إن الوضع في المديرية كارثي وتفاقم الحالات المرضية تزداد يومًا بعد آخر، نظرًا للوضع الحالي الذي تعيشه المديرية من تدهور للأوضاع الاقتصادية التي نمر بها وقلة الدخل على مستوى الفرد وانعدام لأبسط مقومات الحياة”.
وأضاف: “أغلب سكان الأزارق يعتمدون بدرجة رئيسية على الزراعة ورعي الماشية، ولا يوجد أي مصدر دخل آخر لهم، كما أن المديرية تُعد من أفقر المديريات في الجنوب”.


وأردف: “خلال الأعوام الأخيرة تزايدت الحالات المرضية بشكل مخيف جدًا والتي تفتك بالعديد من الأطفال والأمهات الحوامل كحالات سوء التغذية الحاد في أغلب مناطق المديرية”.
وأوضح مدير مكتب الصحة بمديرية الأزارق أن “أكثر من تم معالجتهم من الأطفال المصابين بسوء التغذية قد حصلت لهم انتكاسات بعد توقف عمل المؤسسة الطبية الميدانية التي كانت تعمل في غالبية المناطق لانتهاء المشروع، وقد وعودنا بمواصلة العمل لعام آخر ولا ندري لماذا تم التأخير من قبلهم، ونحن نوجه لهم رسالة عبركم بالإسراع في بدء العمل”.

تلوث مياه الشرب
انتشار الإسهالات المائية الحادة والكوليرا سبب آخر من أسباب سوء التغذية، كما يفيد مدير الصحة بمديرية الازارق، خاصة ونحن نعيش في فصل الصيف وهطول الأمطار ووقوع بعض المناطق والقرى على مجرى وادي تبن وتدفق السيول إليها من محافظة إب، مما ينتج عن ذلك تلوث لمياه الشرب وهذا يساعد على تفشي حالات الإسهالات المائية الحادة بشكل غير طبيعي، ويفاقم المشكلة”.

ويشير المقرعي إلى أن “حالات الاسهالات المائية الحادة خلال شهر أغسطس الماضي فقط بلغت 840 حالة بالمديرية، وسط انتشار الأمراض الأخرى مثل الحصبة والالتهابات الحادة والملاريا والتهاب الكبد وغيرها”.


ويختتم د.محمد صالح المقرعي مدير صحة الأزراق حديثه بالقول: “تخيل معي في هذا العام 2018م يقوم المواطنون في إحدى المناطق بالمديرية وتحديداً منطقة “تورصة” بجمع تبرعات من الأهالي وبمجهودات ذاتية لبناء مركز صحي للتخفيف من معاناتهم دون أن يلتفت إليهم أحد عدا بعض الخيرين، وهذا يعود بنا إلى الثمانينيات ليذكرنا بأيام التعاونيات”، في إشارة منه إلى غياب البنية التحتية للمراكز الصحية والمرافق الأخرى المتعلقة بخدمة الأهالي.

عبء كبير
وعلى الرغم من الكارثة الكبيرة إلا أنه لا يوجد في مديرية الأزارق أي مركز دائم للتغذية العلاجية، بل تتواجد مشاريع علاجية متنقلة لعدد من المنظمات غير أنها توقفت مؤخرًا عن تقديم خدماتها نتيجة توقف المنظمات الدولية عن التمويل، الأمر الذي سبب بانتكاسة للأطفال وساعد في تزايد حالات الإصابة بسوء التغذية بشكل مقلق جدا.

زرنا مركز التغذية العلاجي الوحيد في المحافظة والكائن في حرم مستشفى النصر العام بمدينة الضالع، ووجدناه عبارة عن ملحق من غرفتين تمديد وصالة وحمام وغرفة استراحة أطباء صغيرة تضم فقط 10 أسرّة، وهي لا تفي للعدد الكبير من الأطفال المحولين من الأزارق وحدها.

يقول د. محمد محسن، نائب مدير مستشفى النصر بأن مركز التغذية العلاجي تموله منظمة الصحة العالمية، وافتتح في مارس 2016 وسعته فقط 10 أسرّة ويتسع لتمديد 10 حالات حرجة فقط، وطاقمه الطبي 12 موظفا وموظفة”.

وأكد محسن في حديث لـ«الأيام» أن “المركز يستقبل يوميًا من 15 إلى 17 حالة إصابة بسوء تغذية حاد، مما يشكل عبئا كبيرا على المركز الذي لا يتسع إلا لعدد 10 حالات فقط، ونتيجة لذلك الازدياد غير العادي اضطررنا لاستقبال الحالات الحرجة وتمديدها للرعاية الصحية في أقسام الرجال والنساء. بات الوضع الإنساني اليوم كارثيا جدا والمركز العلاجي الوحيد والمتواضع يحتاج إلى توسعة بأقل ما يكون من 50 إلى 60 سريرا، فزيادة حالات الإصابة بالمحافظة وأكثرها الأزارق يتطلب ذلك على المنظمات الدولية ومركز سلمان والهلال الإماراتي التدخل لتوسعة مركز التغذية العلاجية 6 أضعاف الموجود. كما أن الأمر يتطلب فتح مركز علاجي للتغذية في الأزارق فهي الأكثر مجاعة”.

ويشير د. محسن إلى أن من أبرز أسباب الكارثة “الحرب ومضاعفاتها من انهيار العملة وانقطاع الرواتب وغلاء الأسعار وغياب الخدمات وظروف الناس والفقر وضعف الدور الإنساني للمنظمات الدولية بالمحافظة، وقبل ذلك كله غياب الدولة كليا للقيام بواجبها تجاه معاناة العباد وأوضاع البلاد المنهارة”.

تزايد مخيف
ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، فقد سجل خلال سنوات الحرب الثلاث أكثر من 3 ملايين طفل وامرأة حامل أو مرضعة مصابة بسوء التغذية في البلاد، تم تسجيل منها 460 ألف حالة إصابة بسوء تغذية حاد وخيم لأطفال ما دون سن الخامسة.


اليوم نحن أمام كارثة صحية كبيرة تغرق فيها واحدة من أكبر مديريات الضالع كثافة سكانية، ولها رصيد نضالي كبير من الشهداء والجرحى في كافة جبهات القتال، والوضع في حالة تفاقم يومي، وأعداد الضحايا في تزايد مخيف.. فهل من مغيث ينقذ ما يمكن إنقاذه من أطفال الأزارق الواقعين في بين أنياب المرض والفقر والتجاهل؟
رسالة الأهالي ننقلها إلى الشرعية والتحالف والمجلس الانتقالي، وكل رجالات الخير في الجنوب، بأن يتداركوا هذا الكارثة الإنسانية ويرفعوا صخرة المعاناة من على كاهل أطفال ولدوا في زمن الحرب فاكتووا بنيرانها دون ذنب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى