في آخر حوار صحافي معه.. جميل راتب: أريد أن أعيش وأموت على أرض مصر

> أجرى الحوار/ ضحى محمد

> نشرت صحيفة «الوطن» المصرية حوارا مطولا مع الفنان الراحل المصري جميل راتب قبل وفاته بـ 24 ساعة، حيث نُشر الحوار على الصحيفة الورقية الثلاثاء الماضي، ليتوفى الرجل فجر اليوم التالي (الأربعاء).
«الأيام» تنشر الحوار الذي أجري مع الفنان جميل راتب، بتصرف، فإلى نص الحوار:

«عندما تنظر إليه للوهلة الأولى تجد في ملامحه أصول الفن المصري المختلط بالفرنسي، استطاع بأعماله أن ينساب بسهولة في قلوب المشاهدين، ويملأ تصدعاتها بأدائه المفعم بالحياة والحيوية، يرسم البهجة بأبسط الطرق، ويشعل الشغف بداخل النفوس، ورغم وسامته وكونه أحد «جانات» جيل السبعينات، فإنه رفض أن يظل حبيس تلك الأدوار، وقرر أن يتقرب للجمهور بأعمال مختلفة.

«الوطن» التقت الفنان جميل راتب بأحد المستشفيات بالزمالك، وكان برفقة مدير أعماله هاني التهامي، الذى يساعده لفهم من حوله بعد أن أصبح صوته غير واضح نظراً لتقدمه في العمر، يستلقى في سريره يبتسم لزواره بوجه مُجهد، وتخرج من شفتيه كلمات خافتة، ليتحدث عن ذكرياته مع الفنانين فاتن حمامة ومحمود قابيل وأحمد زكى، ويكشف عن وصيته الأخيرة، فضلاً عن أمنياته لمصر في الفترة المقبلة.

* هل هناك أشخاص ما زالوا يترددون عليك لزيارتك والسؤال عنك باستمرار؟
أنا شخص أحب كل الناس، تحديداً الفنان محمد صبحي، وسلوى محمد علي، والمؤلف كرم النجار، ويسرا، ومحسنة توفيق، وعزت العلايلي، ولبنى عبدالعزيز، ونادية لطفي، ومن ناحية أخرى دائماً أتذكر زوجتي الأولى والوحيدة التي تعرضت مؤخراً لظروف صحية قاسية بفرنسا ودخلت إلى أحد المستشفيات، ولكننا ما زلنا نطمئن على بعضنا البعض.

* هل ساعدك الأطباء في فرنسا على تخطي مرحلة الخطر من المرض عند سفرك إليها مؤخراً؟
الأطباء لم يستطيعوا فعل شيء نظراً لكبر سني، رغم أنهم حاولوا تقديم حلول، وقد قبلت وضعي كما هو وفضلت العودة إلى مصر مرة أخرى، لأنني أريد أن أعيش وأموت على أرضها.

* ما الذي يشغل بالك خلال تلك الفترة بعد عودتك من فرنسا؟
«متمهلاً».. هناك أشياء كثيرة وصيت هاني بها، خاصة أنه يلازمني طوال فترة مرضي وهو بمثابة ابني، أريد أن يكون هناك عزاء بعد وفاتي يحضره من يحبني من الفنانين وكبار النجوم، بالإضافة إلى تجميع كل صوري والجوائز التي حصلت عليها طوال حياتي بمعرض خاص، حتى يظل اسمي عالقاً بذهن الجمهور.

* هل عُرضت عليك أعمال أخرى بعد مشاركتك الأخيرة في مسلسل «بالحجم العائلي» مع يحيى الفخراني خلال رمضان الماضي؟
لم يعرض عليّ أعمال أخرى بسبب تقدم سني، ولكني سعدت بتجربة «الفخراني» والتعاون معه، خاصة أن الشركة المنتجة وفرت سبل الراحة لفريق العمل، ولكني شاركت في فيلم مغربي يدعى «أمس» 2016 في كازابلانكا، وهو من بطولة فنان مجرى، وإنتاجه فرنسي ألماني مجرى، وأجسد من خلاله دور ضيف شرف كطبيب يعالج البطل ويقدم له حلولاً ويقف بجانبه ويدعمه، والدور لم أكن أجسده على الكرسي المتحرك، ولكنني أتذكر مشهداً كنت أسير فيه على قدمي وأرى خيالي في النافذة، وكان يجلس «هاني» خلف الشباك لكي يسندني، ومن المقرر أن يطرح الفيلم في دور العرض الأوروبية والمغربية خلال أيام.

* حصلت على العديد من الجوائز الفنية، ما الأقرب إلى قلبك؟
بالفعل حصلت على تكريمات عدة، آخرها تكريم الأب الروحي من اليونيسكو، وهذا الأمر أسعدني كثيراً، بالإضافة إلى حصولي على 3 أوسمة من فرنسا، ووسامين من تونس، كما كان لتكريمي من الرئيس السادات مذاق خاص، وكُرمت أيضاً من دبى عام 2011، فكل ذلك أسعدني للغاية، فضلاً عن تكريمي بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وتكريمي بمهرجان قرطاج، وكانت المفاجأة أن يكرمني رئيس الدولة، وكنت أنتظر تكريماً من بلدي مصر على غرار تكريمي بالخارج مثل فرنسا وتونس.

* هل هناك عمل تفضل مشاهدة نفسك فيه باستمرار حتى وقتنا الحالي؟
الفيلم التونسي «شيشخان» من أقرب الأعمال إلى قلبي، وشاركني بطولته الفنانة التونسية جليلة بكار، فهو من الأفلام التي أعتز بها كثيراً خارج السينما المصرية، بالإضافة إلى رد فعل الجمهور بعد عرضه وإشادته بالدور.

* ارتبطت عند الكثيرين بشخصية «جدو أبوالفضل»، هل يسعدك ذلك؟
بالتأكيد، أجزاء «يوميات ونيس» من الأعمال المميزة بالنسبة لي، وكواليس العمل مع أسرته ممتعة، خاصة محمد صبحي، هذا العمل من أكثر المسلسلات التي جعلتني قريباً من الجمهور، وقدم قيمة ورسائل مهمة لمعظم الأجيال المقبلة، خاصة أن تلك الفترة حصرني فيها المخرجون في أدوار الشر.

* هل كان يزعجك حصر المخرجين لك في أدوار الشر، كما ذكرت سلفاً؟
على النقيض، لأنى حاولت بعدها مباشرة التنوع في الأدوار، فعلى سبيل المثال مسلسل «الراية البيضاء» مع الفنانة سناء جميل، لم أجد فيه صعوبة لأنه يشبه الحياة التي أعيشها، وفيلم «عفاريت الأسفلت» مع المخرج أسامة فوزى كان شخصية فيه سلسة ومريحة، وفيلم «بيت بلا حنان» مع الفنانة نادية لطفي، فمن أبرز كواليس تصوير العمل وقتها مشهد ضربي لها، وبعد التصوير كانت تدخل وتضحك قائلة «شفت عملت إيه فيّا».

* قدمت أعمالاً مع كبار نجوم مصر منهم فاتن حمامة، هل كانت لك معاملة خاصة منها داخل الكواليس؟
تعاونت مع الفنانة فاتن حمامة عندما شاركت في مسلسل «وجه القمر»، فهي فنانة كبيرة وكان لها وزنها، وعندما طلبت منى التعاون معها قالت لي: «اطلب ما تريده من الإنتاج لأنني أريدك معي»، ورغم ذلك لم أطلب مبلغاً غير معقول، كما شاركتها في فيلم «لا عزاء للسيدات» وهو محطة مهمة في حياتي، لعدة اعتبارات أهمها أنني وقفت أمام فاتن حمامة، فهي كانت فنانة متصالحة مع ذاتها وتعلمت منها كثيراً، بالإضافة إلى التعاون مع المخرج هنري بركات وهو من أكثر المخرجين إنتاجاً للأعمال السينمائية، ولقب بشيخ المخرجين.

* استكمالاً لحديثنا عن عمالقة الفن، كيف كانت كواليس العمل مع فريد شوقي وأحمد زكى؟
قدمت مع فريد شوقي عدة أعمال، أهمها فيلما «وحوش الميناء» و«كيدهن عظيم»، ووقتها كانت تتردد الفنانة هدى سلطان على الكواليس وتوصيني عليه وتقول لي: «يا جميل متخلهوش يدخن عشان صحته»، كما أن الفنان أحمد زكى يعد من عمالقة الفن، وأتذكر له عندما عرُض علينا المشاركة في فيلم «الكرنك»، ووقعنا عليه بالفعل، ثم قرر «جاهين» استبعادنا من العمل، وقرر التعاقد مع نور الشريف وكمال الشناوي لأننا لم نكن أسماءً تجارية في هذا الوقت، فـ«زكى» من المقربين إلى قلبي، وعند وفاته تأثرت كثيراً، لذلك لم أتردد عندما قدمت عنه إعلان «500 500» تخليداً لذكراه.

* وهل ترددت في الموافقة على فيلم «الكيف» لخلاف بينك وبين محمود عبدالعزيز؟
على النقيض، فالفنان محمود عبدالعزيز كان من المقربين لي، ولكنني ترددت قبل الموافقة على الفيلم بسبب أنني لم أفهم بعض ألفاظه، ولكن المخرج على عبدالخالق أصر على وجودي بالعمل، وبعد تصويره وعرضه تفاجأت برد فعل الجمهور وتحمسهم له.

* بداية حياتك العملية كانت قاسية، هل تسبب ذلك في ازدهار اسم «جميل راتب» في السينما؟
بالفعل، التحقت بأكثر من وظيفة قبل دخولي عالم السينما، بعد أن رفض أهلي العمل في المجال الفني وانقطع عنى المصروف، وبدأت العمل في سوق الخضار بفرنسا، ثم جرسوناً بأحد المطاعم، وأعتقد أن هذا جعلني أقرب للجمهور، نظراً لأنني احتككت بهم أكثر وتعاملت معهم عن قرب، وبالتأكيد هذا سهل علىّ المشاركة في الأعمال الأخرى.

* ماذا عن قيمة المسرح في حياتك؟
قدمت على المسرح أعمالاً فنية عدة، فكانت البداية الفنية في فرنسا، فأعمالي المسرحية هناك أكثر من مصر، وكنت أحفظ أكثر من 2000 كلمة بالنص الواحد، ولذلك بعد هذا المشوار الفني الطويل، أفضل استمرار المسرح الغنائي الاستعراضي.

* صرحت سابقاً برغبتك في تجسيد شخصية «جمال عبدالناصر»، ما السر وراء ذلك؟
أحب جمال عبدالناصر، فهو رئيس قدم أشياء كثيرة للفقراء، ورغم مصادرة العديد من الأراضي الخاصة بي أثناء عهده، لكنى أرى أن من حق الشعب أن يعيش سواسية ويكون للفقير حق مثل الغنى، ولكن للأسف لم تأت فرصة لي أن أقدم شيئاً يخصه، ولكنى قدمت دور «محمد نجيب» في فيلم «جمال عبدالناصر» بناء على رؤية المخرج أنور قوادري، كما حصلت على تكريم من الرئيس الراحل أنور السادات كأفضل دور ثان عن فيلم «الصعود إلى الهاوية»، الذى قدمته عام 1978.

* هل وافقت على أدوار سابقاً بسبب حاجتك إلى المال؟
في المقام الأول يجب أن أكون على اقتناع بالدور، وبالتأكيد الفنان يقبل أدواراً غير راضٍ عنها في بداية مشواره الفني، ولكنى مؤخراً لم أقبل أي عمل سوى الذى أقتنع به، ولا يوجد دور قدمته في مشواري وندمت عليه، فقد اخترت جميع أعمالي بعناية كبيرة.

* لماذا لم تفكر في الزواج مجدداً، بعد انفصالك عن زوجتك منذ سنوات طويلة؟
لأن قلبي لم يعشق سوى السيدة مونيكا مونتيفير، التي عشت معها 15 عاماً، ثم انفصلنا في سلام تام، ولكننا ما زلنا أصدقاء، وبعدها لم أفكر في الزواج وعشت من أجل الفن، ولم أستطع الإنجاب خوفاً من عدم استطاعتي تأدية الواجب تجاه ابنى أو ابنتي، ورغم ذلك فأنا لم أفكر في تبنى طفل، وهاني مدير أعمالي من أقرب الأشخاص لي، وأعتبر أبناءه أحفادي.

* شاركت في الثورة الفرنسية 1968، ما موقفك السياسي في الوقت الحالي؟
بالفعل شاركت في ثورة فرنسا وأمسكت بالحجارة، فأنا شخص «ثورجي»، ولكن على وجه العموم أتابع بشغف أحوال بلدي، كما شاركت في ثورة 25 يناير، ونزلت إلى الشارع واستقبلني الشعب المصري بحفاوة شديدة وخرجت وقتها على المنصة، وقلت لهم «استمروا ولا ترحلوا إلا عندما تتحقق مطالبكم»، فأنا أحب مصر فوق الوصف، وأقول للسيسي: «أمامك مشوار طويل والحمل ثقيل ربنا معاك».

* هل فكرت في خوض مجال التأليف بجانب عملك بالتمثيل؟
بالفعل، كتبت تجربة وحيدة أطلقت عليها «عصفور الشوارع»، وهى تتحدث عن أولاد الشوارع، بطولة شخص يسافر من فرنسا إلى مصر ويدخل في مشكلات وصراعات عدة، ولكن المشروع تجمد حتى هذه اللحظات لأننا ما زلنا نبحث عن إنتاج مشترك بين فرنسا ومصر، وهذا المشروع كتبته منذ 8 سنوات، ورشحت له الفنان محمود قابيل، ووافق على الدور، ومن وقتها لم يكن لدىّ أي وقت لشيء غير التمثيل.

* لماذا تجمد المشروع حتى الآن؟
لعدم وجود شركة إنتاج تتحمس له كما ذكرت، كما أن العمل ميزانيته كبيرة، لذا فالأمر يحتاج إلى وقت من التفكير، خاصة أنني لم أحصل على حقي مادياً من السينما المصرية، ولم أكن من الفنانين الذين كونوا ثروات من الفن، فأنا أعمل دائماً من أجل الفن والسينما المصرية.

* هل أنت من الأشخاص الذين يعبرون عن مشاعرهم بسهولة؟
على النقيض، نادراً ما يحدث ذلك، ولكنى بكيت بحرقة مرتين، الأولى عند وفاة أحد أصدقائي بفرنسا، فعند وفاته لم أبك ولكني بكيت بحرقة شديدة بعدها بأيام، والأخرى أثناء تكريمي في اليونيسكو، عندما عُرض مشهد يجمع بين الفنان حسن حسنى وياسر جلال ضمن مسلسل «رحيم»، حيث كان «ياسر» يعتني به وبنظافته الشخصية.

* ما آخر الأفلام التي لفتت انتباهك؟
شاهدت مؤخراً فيلم «فوتوكوبى» للفنان محمود حميدة، وأعجبت بدوره وتفاعله مع الشخصية، كما لفت انتباهي الفنانة شيرين رضا ودورها أيضاً.

* هل فكرت يوماً في الاعتزال؟
لم أفكر إطلاقاً في هذا الأمر، وقد قدمت كل شيء في حياتي الفنية، ولكنني قررت منذ 3 سنوات ألا أقدم شيئاً لا يضيف لرصيدي الفني أو يكون أقل من المستوى الذى داومت عليه طوال عمري، خاصة بعدما وجدت المنتجين يحصرون الفنانين الكبار في فئات عمرية معينة، أما الوقت الحالي فالاعتزال جاء رغماً عني بحكم المرض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى