«الريال» مغلوب على أمره يهوي بالمواطن إلى مصير مجهول

> تقرير/ ذويزن مخشف

>
اقتصاديون: تدخلات الحكومة أثبتت فشلها مع ما ينخرها من الفساد وغياب الاستراتيجية الاقتصادية

خلال الستة الأسابيع الماضية هبط الريال إلى مستوى مخيف مواصلا التدني الكبير لقيمة العملة المحلية وبدفعة واحدة على مر التاريخ، في الوقت الذي لم تساعد الاجراءات الحكومية على القضاء او على الأقل الحد من هذا الانهيار الاقتصادي الذي بدا يؤكد أن اليمن تعيش أكبر أزمة انسانية في العالم ويصرخ لأجلها العالم لكن دون معالجات وحلول.

ففي 12 يوما يوم أمس الجمعة بلغ سعر الدولار الواحد 680 ريالا، وهناك أنباء ذكرت صعوده الى 700 ريال مع استمرار تعليق الصيارفة نشاطهم المالي.
وكان الدولار 650 ريالا في نهاية الأسبوع الماضي.

ويتسبب انهيار العملة بمضاعفة أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية التي ارتفعت الى مثلين وثلاث امثال عن اسعارها السابقة بالمقارنة قبل ستة أشهر وحتى مع العام الماضي.

ويتوقع اقتصاديون استمرار هبوط الريال في ظل انعدام رؤية جادة للحكومة وحلول مقنعة لمواجهة الانهيار الاقتصادي الشامل وتكبح جماحه.

ويظهر استطلاع للرأي أجرته «الأيام» أمس الجمعة أن من المرجح ارتفاع أسعار العملات الاجنبية أمام الريال على نحو متواصل حتى نهاية هذا العام ليبلغ ألف ريال للدولار الواحد دون تفوق الاجراءات الحكومية التي اتخذها البنك المركزي اليمني واعلن عنها في غضون الأسابيع الفائتة.

ويزيد هذا من أثر المخاوف من انخفاض الريال الى قلق واسع عند المواطنين الذين اصبحت تبعات الانهيار تحيط بهم من كل الجوانب المعيشية وتلقي بحياتهم الى مصير مجهول.

يقول اقتصاديون إن الانهيار المتسارع للريال أمام العملات الأجنبية بهذه الصورة المرعبة يقود إلى كارثة ستطال الصغير والكبير، وسيكون الأمر معقدا أمام أي تدخلات سياسية واقتصادية قادمة تقوم بها حكومة أثبتت الأيام والأحداث فشلها مع ما ينخرها من الفساد وغياب الاستراتيجية الاقتصادية.

وتوقع الاقتصاديون إصدار إعلان عالمي يعتبر اليمن «دولة مفلسة ومهددة بالمجاعة والفقر، وتحذر من نشوب حرب أهلية ستقضي على كل أمل في وقفها معالجة أوضاعها».

وتعاني البلاد من حرب مستمرة منذ مارس 2015 عقب استيلاء جماعة الحوثي على السلطة في 21 سبتمبر 2014 ومن يومها استنزفت احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي، وخلال العامين الأولين للحرب خسرت الدولة تلك الاحتياطيات التي كانت تبلغ 5.5 مليار دولار.

وعلى نطاق واسع تتحمل جماعة الحوثي مسؤولية استنزاف الخزينة العامة للدولة وإهدارها تلك الاموال وانفاقها في المجهود الحربي.

وحتى الان تفتقد الحكومة اليمنية ايرادات مالية واضحة تساعدها على إعلان ميزانية عامة. إذ مازالت العائدات النفطية التي تمثل أهم العوائد المالية للخزينة العامة للدولة التي تدر عليها العملة الصعبة منعدمة ومنها استمرار توقف عملية الانتاج والتصدير النفطي منذ اندلاع الحرب التي دخلت عامها الرابع.

وبالرغم من إعلان الحكومة بيع كميات نفطية من حقول محدودة في حضرموت تارة وشبوة تارة اخرى إلا أن معظم الحقول المنتجة لم تشغل بالشكل اللازم ولم توفر اي دعم مادي صريح يتجه لإعانة الدولة امام الانهيار الاقتصادي للبلاد.

وخلال أكثر من عام ذهبت الحكومة الى طباعة الاوراق النقدية كوسيلة جديدة بديلة عن مهام توفير الايرادات من المصالح الايرادية وهو الامر الذي اثر وبشكل سلبي كبير على العملة وأدى الى فقدانها قيمتها.

يقول الخبير الاقتصادي د.عبدالله الشعيبي إن السلطات اليمنية أثبتت عجزها في معالجة الانهيار المتسارع لعملتها، واتهمها بالفشل وأنها غير جديرة بالاستمرار.

وحمل الشعيبي الحكومة التبعات كاملة لانهيار العملة، وقال «هي المتسبب الأول والأخير في انهيار اليمن اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وأيضا منظومة الأخلاق والقيم الإنسانية».

وأضاف أستاذ الاقتصاد الدولي د.الشعيبي بأن السلطات اليمنية أظهرت عدم جديتها في معالجة المشكلة قبل تطورها ووصولها إلى هذا المستوى، وفشلت في معالجة الكثير من القضايا المرتبطة بحياة المواطن، بل تمادت في انتهاج الفساد وتمكينه من الهيمنة على مفاصل السلطة والتحكم الكلي في قوت المواطنين الذين يتحملون أيضا جزءا أساسي من المسؤولية عن انهيار الوضع بسبب صمتهم وقبولهم بالواقع المأساوي وعدم تحركهم الجاد في إقالة الحكومة.

ويعتقد د.الشعيبي أن التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية هو الاخر مسؤول عن انهيار العملة وقال: «يتحمل التحالف أيضا جزءا من مسؤوليتهم الإنسانية والأخلاقية والقانونية بحكم تحكمهم في كل شيء وتدخلهم المخزي والمتباطئ في وصول البلد لهذه المرحلة المعقدة برغم ما يمتلكون من قدرات وإمكانيات للتدخل الحقيقي في معالجة المشاكل قبل وقوعها وكأن ما هو حاصل تعبير عن قناعاتهم المبطنة تجاه اليمن».

وانزلقت العملة المحلية الى انهيار تدريجي على مراحل مع نهاية عام 2016 لكنها ارتفعت بعد قرار التعويم في 15 اغسطس 2017 الذي اصدره منصر القعيطي محافظ البنك المركزي اليمني السابق.

وجاء قرار القعيطي في وقت تشهد السوق المصرفية اليمنية انهيارا للعملة واختفائها من السوق، إذ بلغ الدولار وقتها 372 ريالا ارتفاعا من 250 ريالا للدولار الواحد قبل ستة اشهر من تاريخه.

ومنذ قرار التعويم اصبح الريال مغلوبا على أمره وفي حالة تهاوٍ مرعب تسبب في تقلبات الحياة المعيشية للمواطن البسيط والموظف العادي.

ويعتقد الاقتصاديون أن الحكومة غير جادة إزاء مسؤولياتها في معالجة الوضع المنهار فلم تحصن قرار التعويم عند تنفيذه بأي إجراءات في المقابل ما وصل بالريال الى هذا المستوى من الهبوط.

وقال استاذ الاقتصاد الدولي د.عبدالله الشعيبي إن الحكومة وحدها المستفيدة من انخفاض سعر صرف الريال. وتابع يقول «إن الحكومة هي المستفيدة من ذلك كونها تتقاضى رواتبها بالعملة الصعبة وتتاجر في كل شيء حتى البشر، ففي أخر اجتماع لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي في الرياض قرر المجلس تحديد سعر صرف الريال مقابل الدولار الواحد (585) وفجأة انخفض الريال إلى (685) بينما كان قبل القرار الاعوج والاهوج، وهذا يذكرني بقرار التعويم للبنك المركزي وتحديد سعره (375) وكيف أنهار الريال؟ وبين القرارين نلاحظ مدى التناقض بين القرارين فالبنك المركزي يعوم ويحدد سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية».

وقال الشعيبي إن الحكومة متخبطة وليس لديها اي رؤى اقتصادية وتعمل على إحلال نفسها في مهام بعيدة عن اختصاصها.

وفي الوقت ذاته رأى الشعيبي إن أدوات الدولة المتمثلة بالبنك المركزي والحكومة والرئاسة جميعهم ينمون على عدم المعرفة بالسياسات المالية والاقتصادية والقانونية، وهم بذلك يمضون بالبلاد قدما الى الهاوية.

وقال الشعيبي «لا يعقل أن الحكومة أو البنك المركزي يحددان سعر صرف الريال ولا يملكان القدرة على توفير السيولة النقدية من العملات الأجنبية ولا ومن العملة المحلية وتلك من كوارث الحكومة الفاشلة التي لا نرى أي جدوى لوجودها أو استمرارها».

وأظهرت قرارات الحكومة لمواجهة انخفاض العملة آثارا عكسية تزيد الطين بلة كزيادة الديون والتضخم مزيدا من مستوى التضخم.

وخلال عامين اقدمت الحكومة على طباعة ملايين الريالات من دون تغطية نقدية، قال د.الشعيبي إن هذا الأمر يفترض أن يحدث كلما حدد سعر صرف للعملة المحلية حيث يتم الاحتفاظ مقابل الدولار دولار إضافي كي يحمي البنك عملته من أي تقلبات لكن هذا لم يتم ولا ندري إن كانوا يعلمون بهذه القاعدة المالية المتعارف عليها في كل الدول أما لا.

وأشار الى ان تلك القاعدة المالية تقول إنه كلما طبعت المزيد من الأوراق المالية من العملة من دون تغطية انخفضت قيمتها. ويبدو - كما يقول الشعيبي - ذلك الأمر مؤلما وكارثيا، وهذه جريمة ينبغي عدم السكوت عليها.

وأمس الأول الخميس أعلن البنك المركزي عن عدد من الإجراءات المستهدفة للحد من تدهور الريال اليمني من حساب الوديعة لكن توقعات الاقتصاديين تشير الى أن هذه الإجراءات ستدفع بالدولار إلى الأعلى على حساب الريال العجوز، فإجراءات الحكومة قبل هذا القرار دفعت بقوة إلى انهيار الريال وهكذا بالنسبة لاجراءات البنك المركزي الجديدة.

وإذ يؤكد استاذ الاقتصاد د.الشعيبي بأن الاجراءات المعلنة ستظهر فشلها خلال الأيام القادمة قال «إن العملية برمتها تتم على أسس بعيدة جدا عن القواعد المالية المتعارف عليها عالمياً، ويكشف عن ضعف إحساس بالمسؤولية الناتج عن هشاشة وفشل كل من إدارة البنك المركزي والحكومة بل ويجوز القول إنهم يعملون بطريقة إدارة الازمات بصناعة المزيد من الازمات مستقبلا».

وتجاوز سعر الدولار مستوى 500 ريال بُعيد إعلان الرئيس هادي تشكيل اللجنة الاقتصادية في أغسطس الماضي حيث ارتفع سعر الدولار من 520 ريالا تدريجيا الى أن وصل 600 ريال.

ومن القرارات التي ادت الى استمرار هبوط العملة خلال الأسبوعين الماضيين اعلان البنك المركزي رفع سعر الفائدة الى 27 في المئة.

ويتساءل خبراء عن مدى أهمية هذا القرار في ظل مخاوف المودعين؟
ورفض استاذ الاقتصاد الدولي د.الشعيبي تعليق اماله على قيادة تصدر عنها اجراءات لا تفقه فيها شيئا، وقال إن من يعلق عليها الأمل سيخسر، لأنها (أي القيادة) متصارعة في مصالحها المتناقضة التي اكتسبوها من موازنات الشعب، على حد قوله.

ويستغرب الشعيبي تنصل وصمت التحالف والمجتمع الدولي من انقاذ البلد من الكارثة التي تلحق به، على الرغم من كون اليمن يقبع تحت البند السابع الذي يعتبرها وصية عليها طبقا لذلك القرار.

ومساء أمس الجمعة ترددت أنباء عن بلوغ الدولار الواحد 700 ريال في ظل إغلاق شركات ومحلات الصرافة ابوابها وتعليق نشاطها المصرفي تنفيذا للاضراب الذي دعت له جمعية الصيارفة في بيان الثلاثاء لإخلاء مسؤولية انخفاض الريال المريع.

وحث الشعيبي على سرعة تشكيل حكومة تكنوقراط وطوارئ من 15 عضوا فقط وإلغاء أي تعيينات تمت منذ نشوب الحرب وضبط الإنفاق الفسادي وتوريد مداخيل البلد إلى بنك مركزي حقيقي وإدارة متخصصة ولو بالإيجار، وغيرها من الإجراءات الضرورية حتى لو كانت قاسية.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى