صيد الوعول بدوعن حضرموت.. موروث شعبي في طريقه للزوال

> تقرير/ يوسف عمر باسنبل

>
 تُعد القناصة من الموروثات الشعبية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، تتوارثها الأجيال من جيل لآخر، غير أنها مع تقادم الزمن ودخول عصر العولمة بدأت هذه العادة بالتلاشي، وقليل من يمارسونها في الوقت الحاضر، وهم من يعشقون الصيد والسير في البراري، وهذا يعود لتغير الأحوال وقلة أعداد الوعول عمّا كانت عليه في السابق لأسباب عديدة، منها ظهور بعض المنتقدين لهذه العادة، والتي ما تزال مناطق قليلة تمارسها في الوادي كبضة، والجرات، وصيف، بـ «دوعن» بمحافظة حضرموت.

وقد تختفي هذه العادة في قادم السنين، ولكنها ستبقى حينها قصصًا تروى بين الأجيال لاسيما مع بقاء بعض الدلائل مثل رؤوس الوعول التي تُزين بعض البيوت في «دوعن» كدلالة على الفخر لدى الأهالي وإشارة إلى عشقهم للقناصة.
وتسمى الوعول في دوعن بـ «الوعول المربعية، والغصيني» وهي من أهم الحيوانات التي يتم اصطيادها في دوعن خاصة وحضرموت عامة.

«الأيام» تناولت عادة القناصة باعتبارها موروثا شعبيا قديما بهدف التعريف بها وكيف كان يمارسها الأهالي في الماضي.
 
وقت القناصة ومدة رحلتها
عادة ما يكون وقت القناصة في فصل الشتاء حيث تكون الوعول في هذا الوقت مع الوبران ويكون الهياج في الربيع، وخلاله تخرج من مخابئها، في مدة أسبوع وقد تمتد إلى ثمانية أو عشرة أيام، وقد يعود القنّاصة في نفس اليوم إذا اصطادوا وعثروا على الوعول وقد تطول مدة البعض حتى يعثروا على الصيد.

مراعي الصيد
تتواجد الوعول والظباء في الأماكن الخالية من الناس وفي الجبال الوعرة مثل وادي دهر ورخية، حيث توجد هناك (خطمة) شمصح وتكون دائمًا خالية من الناس، ومن أهم المراعي وأدي أنجل بروس عرمة ويُعد الوادي المغذي للأودية الأخرى المتواجدة فيها الوعول كونه منطقة وعرة، وعادة ما تتم فيه القناصة مشيًا على الأقدام، وكذا جبال حجر، وهي أماكن لن تنقرض فيها الوعول، لعدم وصول السيارات إليها لوعورتها، كما إنها منطقة مفتوحة، ويتفرع وادي أنجل إلى أودية أخرى منها: وادي حريز، ووادي جير وهي متصلة بجبال حجر.

كيف تبدأ القناصة؟
طرق بداية القناصة اختلفت عمّا كانت عليه في السابق نحو ستين عامًا، حيث كانت القناصة خلالها مشيًا على الأقدام وعلى الجمال، وتبدأ إذا عزموا على الرحلة وغالبًا ما تكون حركة الرحلة بعد صلاة الجمعة وتكون بواسطة الجمال أو مشيًا ويتم تعيين مقدم للقنص، ويعود الأمر والنهي له في الرحلة، وعليهم أن يجتمعون عنده قبل الرحلة بعدة أيام، وقبل انطلاقها يتجمع أبناء القرية الذين لن يذهبوا للصيد مع الأطفال والشيوخ لتوديعهم أسفل العقبة وتقرأ سورة «الفاتحة» والدعاء لهم بالضفر (الصيد) وتبدأ القافلة مع أعضاء الرحلة بصعود العقبة وعند بلوغهم أعلى سفح الجبل (الجول) يأتـي أحد أفراد الرحلة ببيت من الشعر وتبدأ الزوامل والمراجيز حتى وصولهم إلى وجهتهم ويتم ترتيبهم على المجموعات وعلى كل واحد أن يأتي بقسطه من الزاد، وعادة يكون من التمر والخبز.. ويكون راعي الجمل هو الدليل الذي يعد وجوده ضروريًا في الرحلة.

رحلة القنيص
وتتم رحلة القنص أولا في اليوم الأول بالكشف عن مواقع المياه في الأودية والشعاب ومواقع تواجد الوعول، وبعد صلاة الفجر يقوم المقدم بتوزيعهم بين الأودية والشعاب وتوزيع الأدوار وتقسيمهم إلى مجموعات وتسمى المجموعة الأولى أصحاب المرابي (الكمين) ويكون فيها أشد الرجال وأمهرهم في الرماية ويكون موقعهم في المتاريس (المرابي) المتواجدة على الطرق الوعرة وهي ليست بكثيرة، وأما المجموعة الثانية فتسمى أصحاب «الشباك» وهم من أشد الرجال قوة وموقعهم يأتي بعد أصحاب المرابي بأعلى الطريق إلى «الجول»، وبعدهم المجموعة الثالثة وهم أصحاب الظاهرة وموقعهم بعد أصحاب الشباك ويكونون أيضًا من أمهر الرماة، وأخيرًا تأتي المجموعة الرابعة المسماة بـ «المناهيل» ومهمتهم الاستكشاف فوق الأودية في مواقع المياه والرعي ومهمتهم تأتي بعد التأكد من أن المجموعات الأخرى قد أخذت موقعها ليأتي بعدها دورهم بالظهور فوق مواقع الماء ولهم الرماية الأولى في إطلاق النار إذا وجد الصيد أو يقومون برمي الحجارة داخل الأودية حتى يخرج أي صيد مختبئ لتكون وجهته نحو المجموعة الأولى وعند وصوله إليهم في العرقة (الطريق إلى الأودية) يقومون بإطلاق النار عليه فإذا تعداهم يأتي دور أهل الشباك الممددة على قارعة الطريق عند وصول الصيد (طريقة الشباك لم تُعد تمارس) إليها تقوم المجموعة بشد الشباك والصيد داخلها فيتعثر الصيد فيها وإذا تعداهم يأتي دور المجموعة الثالثة وهم أهل الظاهرة وعليهم إطلاق النار عليه وبعدها تأتي الحصيلة من الصيد قد تكون أو لا تكون وإذا كان فيه صيد وعرفوا من الشخص الذي أطلق النار عليه وأصابه تكون مكافئته بأن يحصل على الرأس فيتم سلخ جلد الرأس وتوضع على متارس البندقية.
ومن الأشعار التي كانت تردد في القنص وبعضها خاص بالشباك يعرف بزامل الشباك:
يا الله أننا عليك نطلب الجحة سموح
                                  حاني القرنين دمه سال ما بين الميوح
وأيضا:
سارح وأنا طالب كريم الباري دي يؤخذ الحجة بلا منّـــية
                                           يا الله عسى حجة ولاحد داري خمسة وعول قرونها محنيـّــة

وكانت طريقة الشباك تستخدم قبل أكثر من 40 سنة، لعدم وجود السلاح بكثرة لكنها اليوم تكاد مختفية.

العودة من القنيص
في حال الظفر بالصيد فإن مراسيم العودة تختلف فإذا ما عادوا بدون صيد تكون عودتهم ليلاً وفي السر، ولكن حينما يعودون وبحوزتهم الصيد فيأتون فوق البلاد وفي الصباح يظهرون فوق البلاد ويبدأون بإطلاق الرصاص (تعشيرة والتعشيرة تعني أن ينتظموا في صفوف ويطلق كل واحد منهم الرصاص) فإذا كان معهم وعل فيضربوا تعشيرتين، وإذا كانا اثنين فلكل واحد تعشيرتان، وإذا كانت صيدة يكون لها تعشيرة واحدة، ويتجمع أهل البلاد لاستقبالهم ويشاركونهم الفرحة ويتناولون وجبة الغداء في الشعب الذي خرجوا فيه وفي العصر يقام مدخل يتبارى فيه الشعراء بأشعارهم على صوت المدروف حاملين رؤوس الوعول التي صادوها أمام الحاضرين وهم عائدين إلى المنطقة مع إطلاق الرصاص بين كل خطوة وأخرى حتى يصلون للمنطقة ويقومون بالتعشير معلنين انتهاء الرحلة وبعضهم يقيم أمسية شعرية يتم فيها تمجيد القنّاصة ومدحهم.

عادات بين الماضي والحاضر
أكثر عادات القناصة ما تزال عمّا كانت عليه في السابق غير أن بعضها اختلف حيث كانوا قديمًا يذهبون مشيًا على الأقدام، فيما يعتمدون حالياً على السيارات للوصول للمراعي، كما كانت الرحلة سابقًا تبدأ صباحًا، نتيجة لذهابهم مشياً، لكن اليوم في أي وقت يغادرون، وكذا الزوامل التي تردد في القنيص تكاد تكون اختفت إلا عند أصحاب «بضة» الذين يرددونها وهي مدونة لديهم من أجل الحفاظ عليها، وأيضا أهل «قيدون»، ومن العادات نصيب من لحم الصيد يسمى قسم الطريق يعطى لأي شخص يصادفونه في الطريق لكنها انتهت مع النصيب الآخر الذي يسمى حق المكان (المظل) ويعطى للأشخاص الذين يزورن القناصة في مكان تواجدهم، وأيضًا من العادات التي ما تزال في الذاكرة قيام القناصة حال عودتهم في الصباح مع ما قنصوه بإشعال النار ورمي الجمر بكميات كبيرة حتى يعلم أهل القرية أنهم قنصوا والناس في انتظارهم منذ طلعوهم للصيد وكذلك أهل القرى الأخرى على دراية بهم.

الهدف من القناصة
إن الذهاب للقناصة هو هواية منذ زمان الآباء والأجداد وتُمارس في دول أخرى مثل السعودية، لذلك ليس الهدف من الصيد القضاء على الوعول النادرة أو صيدها بطريقة عشوائية وجائرة، كما أن الصيد لا يقام طوال السنة بل في فترات معروفة منها مع ظهور بعض المعارضين لهذه العادة بحجة قلة أعداد الوعول والوبران وأن صيدها سيؤدي إلى انقراضها في ظل عدم وجود جماعات الرفق بالحيوان، وأعداد الوعول نقصت عمّا كانت عليه سابقًا حيث كان عددها كبير جدًا، لكثرة وجود السلاح وهو ما تسبب بنقص أعدادهن وأصبحن لا يتواجدن إلا في الأراضي الخالية، بعد كانت في السابق أي قبل حوالي 20 عاما تصل إلى الوادي والجبال المحيطة به، وهناك من يؤكد بأن الوعول العربية الأصيلة لن تنقرض خاصة من وادي أنجل وجبال حجر، كونها مناطق وعرة لا تصلها السيارات ممّا ساعد على قلة القناصة الواصلين إليها مشيًا على الأقدام.
وأخيرًا إن الهدف الرئيس من هذه المادة هو التعريف بعادات سادت وهي في طريقها للزول، ولا يعني أيضاً بأنها شملت كل ما يتعلق بالقناصة، فقد تختلف عادات وأساليب القناصة من منطقة إلى أخرى في محافظة تُعد الأكبر من بين نظيراتها، وهو ما يشير إلى تنوع واختلاف الموروثات الشعبية فيها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى