تجــوع الحرة ولا تأكل بثدييها

> «
زكريا محمد محسن
زكريا محمد محسن
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها»، هكذا قالتها العرب قديماً للاعتداد بالنفس والاعتزاز بها وعدم إهانتها والتقليل من شأنها، أما اليوم - وللأسف الشديد - فقد تجرد الكثيرون من انسانيتهم وتخلوا عن المبادئ والقيم والمروءة والضمائر الحية والثوابت الوطنية والثورية، ورموا بتلك الفضائل والطباع النبيلة عرض الحائط وداسوا عليها وجعلوها تحت أقدامهم، مواصلين المسير وحث الخطى نحو تحقيق مصالحهم المادية واللهث وراء المال والجاه والمنصب، فذلوا بذلك أنفسهم وصغروا من شأنها ومكانتها، ومرغوا كرامتهم بكل ما يدنسها وأوصلوا سمعتهم وتاريخهم النضالي إلى الحضيض..!!
 وأسوأ من تلك المرأة الهينة التي لا تتورع عن الأكل بثدييها، ولم تصن النفس عن هذا الفعل المشين الذي اعتبرته العرب قديماً مثلبة بحق المرأة التي تمتهن ذلك لتوفير المال، أسوأ منها هو من تجرد من قيم النضال السامية وراح يأكل ويقتات باسم النضال، ويسرق وينهب باسم النضال، ويبتز باسم النضال، و «يتعربد» على المساكين باسم النضال، ويسطو على الممتلكات الخاصة والعامة باسم النضال والثورة، وما إلى ذلك، وكأنه لم ينخرط في صفوف المناضلين والثوار إلا للتكسب والوصول إلى أهدافه وغاياته الدنيئة التي تتعارض كلياً مع أخلاقيات النضال وقيمته الإنسانية والوطنية، وكذا مبادئه الجليلة التي لا يمكن للأحرار والشرفاء المساومة حولها أو التنازل عنها مهما كلفهم ذلك من ثمن، ولقد صدق الزعيم نيلسون مانديلا عندما قال: «إذا قبضت المال ثمناً لنضالي فسوف أتحول من مناضل إلى مرتزق»!
ولأن «ثائر اليوم هو طاغية الغد» كما قال جورج أورويل، فقد أصبح اليوم في واقعنا ثائر الأمس هو طاغية اليوم، فنقول لهؤلاء المناضلين - وبالأخص أشباه المناضلين الذين لم نعرفهم ولم يظهروا إلا عند الفيد - على رسلكم، فلا تأخذنّكم العزة بالإثم والتجبر والطغيان والنهب باسم الثورة، فالنضال والثورة شيء تحمله في أعماقك وتموت من أجله، وليس بالشيء الذي تحمله في فمك وتعيش على حسابه، كما قال سيد الثوار تشي جيفارا.. فيا له من قول وجيز تنطوي عليه معان عظيمة لا تعد ولا تحصى، ولا يدرك كنهها ودلالاتها إلا أولئك الأحرار والعظماء الذين قدموا كل غالٍ ونفيس في سبيل حرية أوطانهم وعزتها وسؤددها، ولم ينتظروا المكافأة والثمن من أحد رغم تضحياتهم الجسام!
أخيراً.. لم يخطئ الشاعر العراقي الكبير أحمد مطر حينما قال: «إذا كان الثائر نظيفاً، فلِمَ تتسخ الثورة؟!».​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى