هاف لندن ودموع الثكالى

> سالم بجود باراس

> تسبق الدمعات حبر قلمي وأنا أكتب عن ذكرى في عالم النسيان، (هاف لندن) عدن الحبيبة عدن الجريحة.. في عام 89/ 90م كنت طالبا في المعهد التقني الصناعي بالمعلا.. ماذا رأيت وماذا شاهدت؟!!
رأيت لؤلؤة فريدة، وجمالا أخّاذا، عمارات بنسق يخطف الأبصار، أبحرت في شوارعها وأزقتها، مبهوتا فاغر الفاه من جمالها وسحرها الجذاب.

شاهدت الفل والكادي والرياحين، في كل دكان ومسجد وبيت، شاهدت طيبة أهلها وقلوب كأفئدة الطير، ترفرف بالعطف والحب وحسن الاستقبال، ابتساماتهم لا تفارق محياهم، طيبتهم وسجاياهم كأنفاسهم لا مداهنة فيها ولا مجاملة، هم على الفطرة هكذا.

عشت عاماً بينهم وودت لو أنني عشت بقية عمري بين هؤلاء البشر، بل هم ليسوا بشر، هم ملائكة يمشون على الأرض، لو جاز لي التعبير، لطيبة قلوبهم وحسن معاشرتهم. لم أترك يوماً يمر من أوقات فراغي إلا وسرتُ اتنقل من منطقة لأخرى.. التواهي وخور مكسر والبريقة وصهاريج عدن وغيرها.. أما المعلا فهي القلب والروح ففيها مدرستي وسكني وراحتي، فما أن تسنح لي فرصة حتى انطلق أمخر في شوارعها وأزقتها الساحرة، أتمعن في بنيانها الأنيق ونظامها العصري، وأرى حركة الناس كموجِ البحر الهادئ، سوقها حي حتى منتصف الليل؛ وكأنك في دولة أوروبية، كل شئ فيها يوحي بالهدوء والسكون وراحة البال.

غادرتها عام 91م وقلبي يكاد ينفطر لمحبوبة الملايين، غادرتها من غير عودة، والقلب يبكي دما وحسرة على فراق من نحب ونعشق، والعين تذرف الدمعات، لأن لي في عدن ذكريات جميلة وأوقات سعيدة، وأصدقاء كأنهم الأهل والخلان، وعقدت العزم أن أعود لها ذات يوم، لو شاءت الأقدار، وإلى هذه اللحظة تظل الذكرى معلقة، ولكن كيف أضحت اليوم عدن الحبيبة؟!!!

حدثت عواصف هوجاء، وحوادث أليمة، وفاجعة يبكي لها القلب دما، تغيرت تلك المعالم الجميلة، وتناوشتها الفتن والمحن من كل حدبٍ وصوب، عدن دائماً في فوهة البركان تتصدى بصدرها العاري لكل الفتن والمصائب، ثم تجلس لوحدها تبكي قتلاها في حرقة ومرارة، فمنذ عام 13 يناير الدامي، وحرب عام صيف  90م، وحرب الحوثي، وها هي اليوم في دوامة الموت والاغتيالات والفتن تعصر بها كموج البحر الهائج لا يهدأ أبداً!!!

هل هو قدرك المكتوب يا عدن الحبيبة ، هل هو القضاء والقدر أن يموت الشاب والشيبة؟!!
هل هو قدرك الذي لا مفر منه، أن تندبي أحبابك وفلذات كبدك كل لحظة وحين، وتطير أرواح كانت توزع الفل والكادي إلى باريها وتبقى الدموع والحسرات تبكي بقايا ذكرى وأطلال؟!!
لكِ الله ياعدن الحبيبة، فبركان من تحتك يغلي ومن فوقك يغلي، وكأنه قدرك المحتوم حتى قيام الساعة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى