من يرى الحقيقة التي تحتجب؟

> نشوان العثماني

> «فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ * جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا*يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ* لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ* وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ». «ليس كمثله شيء».
اللغة تقف عند هذه الحدود لا تتعداها، من يحاول بأي كلمات أن يصف، لا تطاوعه، اللا محدود يستحيل قطعًا أن يحيط به المحدود، الذي وُصف بطريقة أو بأخرى، ليس هو، شيء آخر.
وإذن المتاح أن نتأمل ما خلق، الحب وحده فقط الذي يقرّبك لتعرف، وحينها لمعة ضوء تعمي رؤيتك، وحين يبصر الداخل تنتهي الكلمات، الحب وحده الذي يقودك إلى كل هذا الوجود، أن لا «أنا» بل هو، كل هذا الذي يظهر بسهولة وهم.

من يرى الحقيقة التي تحتجب؟
ليس مطلوبًا أمام أي إنسان أن يغير معتقده الديني، إن كان لديه معتقد، لكن عليه ألا يجعل هذا المعتقد يوجهه إلى مكان يتصحر من الحب، حب الخليقة والإنسانية بكل تنوعها وثرائها.
اللا محدود لا ينحصر بطريق واحدة، وفق نجم الدين كبرى، الطريق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.

الواضح جدًا فقط، العمود الفقري، هو الحب، من حال بينك والحب، فانتصر للحب دون تردد.
امضِ إلى قلبك، وإذا واجهت في طريقك الأنانية، الكراهية، العنف، البغضاء، الحسد، فإياك أن ترتكب أي عراك، حتى أبسط ملامخة، أو أن تنوي إبادة ما تشمئز منه. لا تدخل هذا المربع، المحجوز سلفًا ضدك. كما لا يمكن لك أن تعود إلى الخارج هاربًا، امضِ قُدمًا، ممتاز جدًا أن تنتبه، ستنجو، وفقط تمسك بالحب وهو يقودك.

من أجمل ما تضمنته الأحاديث الشريفة، أوردها عبدالوهاب المقالح في ترجمته لحياة ناسك التبت العظيم «مايلاريبا»..
- ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع.

- كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل.
- ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء.

(توجد قصة في الأدبيات البوذية عن تلميذ قال بأنه يريد الحقيقة أكثر من أي شيء آخر، فأخذه معلمه وقد أمسكه من عنقه إلى النهر ثم غمس رأسه بقوة في الماء حتى أوشك على الموت. ولما أخرجه، سأله: «ما الذي أردته أكثر من أي شيء آخر حين كان رأسك تحت الماء؟». «الهواء»، بالكاد زفر التلميذ الكلمة. فقال له المعلم: «عندما تشعر بحاجتك إلى الحقيقة السامية كما شعرت بحاجتك إلى الهواء، حينها تصير مستعدًا لأن تدرس الحقيقة»).*
انظر إلى قلبك، وحين تصل ترى كل هذا الكون وأكثر.
ليس الحب وحده.
من ذا الذي قد رأى؟
* حياة مايلاريبا.. ناسك التبت العظيم. لوبز انغ جيفاكا. ترجمة: عبدالوهاب المقالح. الهيئة العامة للكتاب، صنعاء، 2003.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى