أي غطاءٍ يحجبنا عن الحقيقة؟

> محمد حسين الضامن

>
للفنانين رسالة يحاولون فيها تغيير الواقع، ويقدمونها للمجتمعات من خلال أعمالهم الفنية، فيقدم الرسام رسالته من خلال لوحاته، ويقدم الأديب رسالته من خلال أعماله الأدبية، شعرا كانت أم نثرا، وهذه الرسالة تتبدل من زمان إلى زمان، فقد كان أفلاطون يرى حسب نظريته المحاكاة أن الفنّ يبعد الناس عن الحقيقة، ويبث فيهم أمورا سيئة عن الآلهة وصفاتهم وأفعالهم. في حين رأى تلميذه أرسطو أن رسالة الأدب هي إضافة الخيال على صورة الواقع لجعله أجمل، وأيضا تطهير المجتمع من الأفعال الشريرة، لأن الأدباء يُظهرون للناس مدى بشاعة ارتكاب الأعمال السيئة، فيبغضونها في قلبوهم ويتجنبون ارتكابها.

وعندما ننظر لرسالة الأدب والأدباء في العصر الذي نعيشه المُسمّى بالعصر الحديث، نجد فيه أنّ جلَّ الأدباء يعرّون جسد المرأة في نصوصهم ويخترقون القيود المجتمعيّة في مجتمعاتهم، وذلك لتعتقدَ أخي القارئ أنّهم ثائرون على المجتمع ويسعون إلى إصلاحه من خلال القضاء على أسباب تخلّفه التي يعتقدون وجودها في مجتمعنا على سبيل المثال: في جسد المرأة، أو في العادات والتّقاليد، أو في الدّين أحيانا.

ودليل ذلك أنّ جلّ أعمالهم الأدبية لا تخلو من توصيفٍ لجسد المرأة أو لعلاقةٍ جنسيةٍ في حدثٍ ما من أحداثها نحن غنيّون عن ذكر ذلك وتفصيله في هذا المقال، ولكن ما يهمنا هو أنّك عندما ستقرأ بعض هذه الأعمال ستحصل على ثقافة جنسيّة أكثر من حصولك على ثقافة تجعلك ترتقي بفكرك وتطهّره نحو الأفضل!
ولا أرى في ذلك سببا لتخلّف مجتمعنا وانعدام حرّيّته كما يرى أولئك، وإنّما أرى أنّ مــن أسباب تخلّف مجتمعنا وتقييده في هذا العصر اعتمادنا على المادّة – الشّكل الخارجيّ الظّاهر – بمختلف أشكالها، وإهمالنا لجوهر الأشياء - قيمتها المعنويّة وحقيقتها - فنحن صِرنا نؤمن بالشّكل الخارجيّ لا بجوهر الأشياء وماهيّتها، ومن هنا سعى هؤلاء إلى تحرير جسد المرأة لا إلى تحرير روحها، ونحن صِرنا نتزوج لوفرة المال مع الطرف الآخر أو لجماله أو لامتلاكه جنسيّةً لدولةٍ ما إلخ، لا لحسن أخلاقه وعلمه وثقافته ودينه.
واجتمع هؤلاء على تخليص المجتمع من الأشياء الحسّيّة المادّيّة بسبب أنّ بصرهم بات لا يرى جوهر الأشياء، وإنّما يرى مظهرها فقط، وهكذا وجد هؤلاء أنّ تخلّفنا يكمن في عدم تقليدنا للمجتمعات المادّيّة المزدهرة مادّيّا فقط مقارنة بمجتمعنا المزدهر
اجتماعيا وأسريا على أقل تقدير، وعلى الرّغم من أنّ تحرّر المرأة من لباسها أمام العوام على سبيل المثال يحطّ من قيمتها في قلب الرّجل أي من جوهرها، وبالتّالي أذلك يجعلنا نتخلّف أكثر أم نزدهر؟
وأيضا سعى هؤلاء من خلال ثورتهم على المجتمع لأن نكون مجتمعا ديمقراطيّا مدنيّا مثل تلك المجتمعات التي بنظرهم مزدهرةً في كافة الجوانب من خلال فلسفاتٍ عدّة كالاشتراكيّة والرّأسماليّة إلخ، ولكنّ هذه المجتمعات تؤمن بالنّظريّات المادّيّة التي تزول سُرعان ما تنغمس في المجتمع وتتجّذر فيه.

وهناك تجاه أدبي -واجب علينا أن نتمسك فيه ونسعى إلى تعميمه- سعى إلى إحياء القيم الإسلامية والعربية والإنسانية فينا، دون تعرّضه لجسد المرأة أو خرقه للقيود المجتمعية التي لا وجود لعلاقة بينها وبين التخلف الذي بات متجذرا فينا، فكانت أداتهم عفيفة وغايتهم شريفة ساعية إلى تطوّر المجتمع العربي وازدهاره دون الارتكاز على أمور مادية تهدم جوهر المجتمع سرعان ما تتجذّر فيه.
فكم هو جميلٌ لو عاد الأدباء حاملين رسالة الأدب الأصيلة مقدِّمين لنا من خلالها كل ما هو نبيل، وكم هو جميلٌ لو آمنا حق الإيمان بأن الغاية البيضاء لا تبرر الوسيلة السوداء، وكم هو جميلٌ لو حاولنا تعرية الكذب والنفاق المتوغّلَيْن في علاقاتنا، وكم هو جميلٌ لو حاولنا تعرية الاستعمار الذي ما زال يسوقنا إلى حيث يريد أن نكون، وكم هو جميلٌ لو سترنا أجسادنا وأزلنا تلك الأغطية التي تمنع عقولنا من الإبصار والتّبصّر.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى