ملف "صندوق إعادة إعمار أبين" في مهب الريح.. فمن المسؤول؟

> تقرير/ عبد الله الظبي

>
​بعد مضي ما يربو على أربعة سنوات عن إيقاف صرف تعويضات “صندوق إعادة إعمار أبين” الخاصة بالمواطنين الذين تضررّت منازلهم ودُمرت جراء الحرب العبثية التي دارت رحاها عام 2011م بين القوات الحكومية ومسلحي القاعدة، ما يزال المواطن الأبيني يحلم بإعادة العمل في صندوق الإعمار للحصول على تعويضاته، واستكمال بناء منزله المدمر.

ويعد ملف “إعادة إعمار أبين” من الملفات الشائكة والمعقدة التي ما زالت تراوح مكانها بعد توقف العمل في صندوق الأعمار، لا سيما بعد الحرب التي شنها الحوثيون على المحافظات الجنوبية عام 2015م.
وكان قرار إنشاء صندوق “إعادة اعمار أبين” صُدر في يوليو عام 2012م، من قبل الرئيس عبدربه منصور هادي، وكُلف بصرف تعويضات المتضررين والاشراف على مشاريع البنية التحتية.

المواطنون في المديريتين الاشد تضررا من حرب 2011م (زنجبار، وجعار) والمناطق المجاورة لهما، ما زالوا يعانون الأمرين جراء الآثار الجسيمة التي سببتها الحرب، حيث تشردت كثير من الأسر من منازلها الى المحافظات المجاورة منها العاصمة عدن ومحافظة لحج.


ورغم مرور عدة سنوات على انتهاء تلك الحرب إلا أن آثارها ما زالت ظاهرة على المباني والمنازل.. لكن، وبعد أن توقف صندوق الإعمار عن العمل، يتساءل كثير من المواطنين بأبين أين ذهبت الأموال الخاصة بصندوق الإعمار؟ ومن المستفيد من توقف عمل الصندوق؟
ومؤخرًا تعالت أصوات المواطنين في أبين للمطالبة بضرورة إعادة تفعيل صندوق الإعمار بعد مرور أربع سنوات على توقفه.

«الأيام» أجرت تقريرًا مطولًا تناولت فيه معاناة المواطنين في تلك المناطق، وأسباب استمرار توقف صندوق “إعادة اعمار أبين.

حقيقة توقف الصندوق
المدير التنفيذي لصندوق “إعادة إعمار أبين” ناصر صالح جبران قال إن “في 31 ديسمبر 2014م عقد اجتماع لمجلس إدارة الصندوق برئاسة رئيس مجلس الوزراء السابق خالد محفوظ بحاح، ورئيس مجلس إدارة الصندوق، ووجه بحاح بصرف مليار ريال شهريا ابتداء من شهر يناير 2015م كتعويضات لمتضرري أبين”.
وأضاف لـ «الأيام»: “عندما صدر القرار الجمهوري بتعيين اللواء أبو بكر حسين سالم كمحافظ لأبين، وقبل أن يؤدي المحافظ اليمين الدستورية طرحت عليه أهم نقطتين هما تشرد أبناء أبين المتضررين من حرب 2011م في أنحاء المحافظات المجاورة، وحاجتهم الماسة الى التعويضات وفق العقود التي يمتلكونها”.

وتابع “وفي أكتوبر 2017م، طلب مني المحافظ اللواء أبو بكر حسين سالم تقريرا شاملا عن الصندوق منذ إنشائه وحتى التاريخ المذكور، وطلب فيه توضيح المبالغ المعتمدة والمبالغ التي صرفت ومبالغ المتظلمين المعتمدين الذين لم يستلموا أي شيء، وقمت بإعداد التقرير في 15 أكتوبر 2017م، وأجريت اتصالا بالمحافظ أبو بكر حسين، ومدير مكتبه لإبلاغهما أن التقرير جاهز، وأن يحددا موعدًا لمقابلتهما لمناقشة التقرير، لكن للأسف لم يردا على طلبي حتى اللحظة”.

واستطرد جبران “وفيما بعد رفعت تقريرا شاملا حول الصندوق إلى رئيس الوزراء السابق د. أحمد عبيد بن دغر، وسلمت التقرير إلى سكرتيره على ضوء طلب من الأمين العام لمجلس الوزراء الأستاذ حسين منصور، وكان هذا الأمر مطلع أبريل 2018م، ومن ثم طلب منا مكتب رئاسة الجمهورية عبر محمد هادي منصور (ابن أخ الرئيس) مذكرة حول إعمار أبين لعرضها في مؤتمر (غو)، وهو عبارة عن ندوة عُقدت في العاصمة المصرية القاهرة، لكننا لم نتمكن من الجلوس مع دولة رئيس الوزراء السابق د. أحمد عبيد بن دغر”.


وأشار إلى أنهم يتمنون من رئيس الوزراء الجديد د. معين عبد الملك أن ينظر إلى ملف إعادة إعمار أبين، ويضع حدا للمعاناة التي طالت أبناء محافظة أبين وتجاوز عمرها الـ 7 سنوات، حد تعبيره.

وعن المتضررين قال جبران: “بالنسبة للمنازل المتضررة في محافظة أبين تم حصرها في العام 2013م، حيث بلغ عدد المنازل المتضررة حوالي 12615 منزلا، فيما بلغ عدد المزارع المتضررة 3189 مزرعة، وفيما يخص المبالغ التي اعتمدت للمنازل المتضررة فقد بلغت 21 مليارا و513 مليونا، فيما المبلغ المخصص للمزارع بلغ 6 مليارات و133 مليونا، وتم صرف المرحلة الأولى بنسبة 40 % لأصحاب المنازل المتضررة، و30 % لملاك المزارع المتضررة”.

وأشار إلى أن “عدد الحالات التي لم يصرف لها في المرحلة الأولى بلغت 1058 منزلا و110 مزارع”.
وأضاف “أما المرحلة الثانية والثالثة فنسبتها في المنازل 60 %، وفي المزارع 70 %، وتقدر قيمة تعويضاتهم حوالي 17 مليارا و200 مليون ريال”.

وتابع “وتعذر حصر أضرار 1892 منزلا و1023 مزرعة على أن يتم حصرها أثناء دفع المرحلة الأولى، وسبب عدم حصرها يعود إلى وجود تحذيرات من قبل قوات الجيش بوجود ألغام زرعها الحوثيون أثناء الحرب الأخيرة”.

واستطرد “بسبب تعنت وزارة المالية في صرف التعويضات حسب المحاضر التي تحدد آليات الصرف والموقع من قبل وزير المالية السابق في حكومة محمد سالم باسندوة آنذاك ومحافظ أبين السابق جمال العاقل والمدير التنفيذي لصندوق الإعمار خلال تلك الفترة، واجهتنا عدة مشاكل، وإلى الآن لم نحصل على أي وعود بصرف التعويضات منذ العام 2014م”.

وعن آليات الصرف أكد جبران أن “آليات الصرف كانت تُجرى من خلال إبرام العقود مع المواطنين المتضررين، ويُحدد فيها مراحل دفع التعويضات، حيث تمت آليات الصرف على الآلية السابقة التي سارت عليها الإدارة السابقة على يد ناصر اليافعي، المدير السابق للصندوق، وتم دفع حوالي 3 مليارات ريال المتبقية من الإدارة السابقة (الدفعة الثامنة سكني، والأولى زراعي)، ولو استجابت الحكومة وقدمت الدعم لصندوق الإعمار سيتم صرف مبالغ المنازل والمزارع للذين لم يستلموا، والتي تصل نسبتهم إلى 40 %”.


وقال “وفيما يخص سلبيات الصندوق، فقد كان الشارع الابيني في حالة غليان ووجدت إدارة الصندوق صعوبات كثيرة منها تقصير من قبل بعض المهندسين الذين قاموا بعملية الحصر، وعدم تعاون السلطة المحلية السابقة التي كانت متواجدة في الفترة التي كان الصندوق يعمل فيها، ولم تتجاوب مع الإدارة السابقة ولا حتى معنا نحن في الإدارة الحالية حتى توقف عمل الصندوق”.

وتابع “بالنسبة للقرار رقم (101) الصادر في عام 2012م، فقد تضمن إنشاء صندوق إعادة إعمار أبين، بالإضافة إلى المهام الملقاة على عاتقه المتمثلة في صرف تعويضات المتضررين ومتابعة مشاريع البنية التحتية”.

أزمة فارق السعر
بدوره، قال عضو مجلس إدارة صندوق “إعادة إعمار أبين”، رئيس الغرفة التجارية في محافظة أبين، محمد علي صالح الوالي: “بالنسبة للمحلات التجارية والمصانع التي تضررت لم يتم تعويض أصحابها حتى الان”.

وأضاف لـ«الأيام»: “طرحنا في اجتماع مجلس إدارة صندوق الإعمار موضوع ما قام بعض المتضررين الذين أعطيت لهم المبالغ من الدفعة الأولى من شراء شقق سكنية في المحافظات المجاورة، وشراء السيارات الفاخرة بدلا من إعادة بناء وترميم وتأهيل منازلهم المدمرة من أجل إعادة الصورة الجمالية للمدينة، في حين بعض المواطنين لا يجدون منازل يسكنون فيها بعد ان دُمرت وهُدمت منازلهم”.

وتابع: “على اللجان المختصة القيام بمعاينة المنازل المتضررة للتأكد من قيام المستفيدين ببناء منازلهم وترميمها بعد أن صُرفت لهم التعويضات لهذا الغرض، من أجل استكمال دفع الـ 60 % المتبقية له”.
واستطرد “يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن المبالغ المتبقية الـ 60 %، لم تعد تساوي قيمتها بحكم فارق الصرف اليوم مقابل العملات الأجنبية الصعبة”.

صمت رهيب
من جانبه قال المواطن هشام ناصر حسن: “بعد مرور أكثر من أربع سنوات على نهاية الحرب العبثية التي مرت بها محافظة أبين يبقى ملف الإعمار يراوح مكانه، بعد أن توقف العمل في صندوق إعادة إعمار أبين في ظل الصمت الرهيب من قبل الحكومة، فيما يظل المواطن هو الخاسر الأكبر والوحيد”.

وأضاف “طبعاً نحن المواطنين في مديرية زنجبار نعاني الكثير جراء الحرب التي مرت بها المحافظة عام 2011م، حيث اضطررنا إلى النزوح لعدن جراء المواجهات العسكرية، وعندما عدنا بعد عامين من النزوح وجدنا منازلنا مدمرة تدميرًا كليًا، وحينما صدر قرار جمهوري بإنشاء صندوق لإعادة إعمار أبين فرحنا كثيرًا، لكن حتى الآن تم تسليم 40 % لبعض المتضررين، فيما البعض الآخر لم يستلمون شيئا رغم مرور كل هذه السنوات”.


وتابع “السنوات تمر والحكومات تتعاقب لكن دون جدوى، واليوم لعلّ وعسى أن يقوم رئيس الحكومة الجديدة د. معين عبد الملك بالنظر إلينا، ويعيد فتح صندوق الإعمار، كون محافظة أبين هي أول محافظة تعرضت للتدمير”.

عبء ثقيل
المواطن سالم ناصر العوسجي عوض يقول إن “مئات المنازل والمرافق العامة والخاصة دمرتها الحرب في أبين، وحينها لجأ بعض سكانها إلى السكن بالإيجارات في العاصمة عدن، والبعض نزح إلى بعض المدارس، وبعد الانتصارات التي حققتها قوات الجيش عادت الكثير من الأسر الى منازلها ووجدتها مدمرة، فأصبح عبئا كبيرا عليها عندما خسرت كل ما تملك”.

وأضاف: “عندما أصدر القرار بإنشاء صندوق “إعادة إعمار أبين” فرحت كثير من الأسر من أجل بناء منازلها، والعودة إليها، وشُكلت لجان حصر ترأسها المهندس ناصر أحمد اليافعي، مدير الصندوق آنذاك، وممثل عن المكتب التنفيذي بالمحافظة، ونزلت اللجان بعد صدور القرار الجمهوري وحصرت المنازل التي تدمرت وحصلت الكثير من السمسرة من قبل بعض المهندسين وأعطوا البعض مبالغ لم يستحقوها، والذين يستحقون حصلوا على مبالغ قليلة، وعند دفع الدفعة الأولى (40 %) تظلمت الكثير من الأسر، ولم يحصل أي تعديل في تسليم المبالغ سوى حالات قليلة”.

وأشار العوسجي إلى أن هناك “تدخلات كثيرة جرت من قبل المسؤولين المتنفذين الذين لهم صلة بلجنة صرف المبالغ مما أدى إلى إعاقة عملية صرف التعويضات، مع العلم بأنهم لا يمتلكون منازل متضررة في أبين!”.

السكان في مرفق حكومي
وأكد المواطن أحمد محمد الحاج أن “الحرب أرغمت معظم الأسر في مدينة زنجبار، بعد العودة من النزوح في العاصمة عدن والمحافظات المجاورة، على السكن في المرافق الحكومية وأنا واحد منهم”.

وأضاف لـ «الأيام»: “حرب عام 2011م خلفت الكثير من الخسائر في ممتلكاتنا، وفي الأرواح، ودمرت عددا كبيرا من المنازل بعضها كليا والبعض بشكل شبه كلي، بحيث أصبحت لا تصلح للسكن فيها، فاضطررنا إلى اللجوء للمرافق الحكومية لاتخاذها مساكن لنا”.
وتابع “أعوام طويلة مرت على انتهاء الحرب ولازالت معظم تلك الأسر تتكبد فاتورة باهظة لدمار منازلها، ومنزلي واحد منهم، وهي مدمرة تدميرًا كليًا، وكل آثاث منزلي انتهت تمامًا”.

واستطرد “عند عودتنا من النزوح تأثرت أسرتي تأثيرًا نفسيًا كبيرًا، خاصة أبنائي الذين تفاجأوا بمشاهدة منزلهم مدمرا، وعند استلام الدفعة الأولى من التعويض من قبل صندوق الإعمار قمنا بالبناء لكنها لم تكف في استكمال بناء منزلي، مما جعلني أسكن في أحد المرافق الحكومية”.
وقال “السلطات المعنية في محافظة أبين توعدنا من شهر إلى شهر ولكن دون جدوى”، مطالبًا الدولة بأن تنظر لهم، وبضرورة دفع التعويضات المتبقية.

فيما قال المواطن صالح أبو عبدين: “منذ عام 2011م والى يومنا هذا وزنجبار والمناطق المجاورة لها والتي تعرضت لتدمير كامل نتيجة للحرب التي دارت بين الجيش والجماعات المتشددة آنذاك، ما تزال تعاني الكثير، وسكانها في نزوح دائم، وعدم استقرار”, وأضاف لـ “الأيام”: “عند تشكيل صندوق إعادة إعمار أبين وشكلت لجان لهذا الصندوق نتيجة لعدم الحرص لإعطاء الأولوية للمستحقين التي بالفعل دمرت بيوتهم وغياب الضمير في رجال الدولة تدخلت الوساطة المحسوبية وأعطيت مبالغ خيالية لأصحاب النفوذ والوجاهة على حساب مواطن منزله مدمر كليًا، واستلم صاحب الوجاهة مئات الملايين والمواطن المغلوب على أمره أعطي له قسط أول لا يتجاوز مليون ونصف أو مليوني ريال”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى