مدرسة المحسنية العبدلية.. تدمير ممنهج للتعليم في لحج

> تقرير/ هشام عطيري

>
تعد المدرسة «المحسنية العبدلية»، التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى الأمير محسن فضل بن علي العبدلي، أحد الشواهد الهامة المتبقية على واقع ازدهار التعليم في زمن السلطنة العبدلية، حيث أوقف لهذه المدرسة آلاف الفدانات من أملاك الأمير محسن فضل والسلطان عبد الكريم فضل (رحمهما الله) التي ساهمت من خلال العوائد المالية من هذا الوقف للأراضي الزراعية العبدلية في تطوير التعليم وازدهاره، الأمر الذي دفع السلطنة إلى إحضار مدرسين مصريين وسودانيين  للمدرسة «المحسنية».

صورة تجمع السلطان علي عبد الكريم مع جمال عبد الناصر
صورة تجمع السلطان علي عبد الكريم مع جمال عبد الناصر

وساهمت هذه الطفرة في الجانب التعليمي إلى اعتراف إدارة المعارف المصرية بشهادة المدرسة «المحسنية»، واعتمادها، الأمر الذي دفع السلطنة العبدلية إلى إرسال بعثات تعليمية من أبناء محافظة لحج للدراسة في جمهورية مصر العربية في مختلف التخصصات، فكانت هذه المدرسة إشعاع نور بدأ في عام 1939م، وهي السنة التي تأسست فيها، واستمرت لعقود وتخرج منها العديد من عباقرة العلم والأدب والسياسية بعد اتمام تعليمهم في جمهورية مصر العربية لتكون المدرسة الأولى على مستوى شبه الجزيرة والخليج في تلك الحقبة الزمنية.

ويسجل السلطان الثائر علي عبد الكريم العبدلي (رحمه الله)، شهادة للتاريخ يسجلها قبل وفاته بفترة بقوله إنه «أوقف على المدرسة المحسنية والمستشفى ما يزيد عن ألف فدان من أملاك والدة السلطان عبد الكريم فضل (رحمه الله) في أبين، إضافة على وقف أخيه المرحوم محسن فضل، وقد تم انتداب مدرسين من مصر لتطوير التعليم في الحوطة وفي الوهط حتى أصبحت شهادة المدرسة معتمدة في المدارس المصرية وعند اعتراف المعارف المصرية بشهادة المدرسية المحسنية بدأت السلطنة بإرسال البعثات إلى مصر لإتمام تعليمهم الثانوي والجامعي».

مدرسة المحسنية قبل التدمير
مدرسة المحسنية قبل التدمير
وبحسب الدارسين في المدرسة «المحسنية»، فإن المدرسة تم بناؤها وفق تصميم فريد مكون من دورين، ويحتوي الدور الأول على المخازن وإدارة الضبط والربط والتحضير والصفوف الأولى للروضة والابتدائي والصف الأول، فيما يحتوي الدور الثاني على صفوف الابتدائية وغرفة ناظر المدرسة وقاعة المدرسين، إضافة إلى مباني ملحقة بالمدرسة، منها فناء المدرسة ويوجد فيه المسرح المدرسي وفي شماله مسجد للطلبة الذي يوجد فيه «تحفيظ القرآن الكريم»، أما الفصل الأول فهو عبارة عن «روضة»، فيما الجهة الجنوبية للمدرسة تجد فيها ملعبا يمارس فيه الطلبة الرياضة، وإقامة الفعاليات والمسابقات والحفل الختامي للعام الدراسي بحضور سلطان لحج أو من ينوب عنه آنذاك، مع العلم أن ملعب المدرسة، الذي كان تقام فيه كافة الأنشطة، تمت مصادرته في ثمانينيات القرن الماضي، وتحول إلى مجمع للأجهزة الأمنية حتى الحرب الأخيرة التي شنها الحوثيون وتعرض الملعب للتدمير الكامل في مبانيه ليتحول حاليا إلى مكب لتجميع النفايات في المدينة.

استنكار توقف المدرسة
تصاعدت في الأونة الأخيرة أصوات المهتمين عقب انتهاء دور المدرسة «المحسنية»، وتوقف التعليم فيها، وتحولها إلى مبنى لمكتب التربية والتعليم في مديرية الحوطة بمحافظة لحج قبل عقود ماضية، للمطالبة بضرورة إعادة تأهيل المدرسة، وتحويلها إلى مدرسة خاصة بالموهوبين لكن هذه المطالبات اصطدمت بواقع مؤلم، بعد أن تقلصت نسبة مساحة المدرسة «المحسنية» نتيجة أعمال التوسع والبسط، الأمر الذي دعا شخصيات اجتماعية وأدبية إلى أن تكون المدرسة «المحسنية» معلمًا تربويًا يعاد ترميمه وتأهيله، ليكون شاهدًا على حالة الازدهار التي شهدتها سلطنة لحج في هذا الجانب حينذاك، وجمع كافة الوثائق المتعلقة بالمدرسة.


دور السلطات المحلية
من جانبها، كانت كل تحركات السلطات المحلية المتعاقبة في محافظة لحج خجولة في هذا الجانب، ولم تصل إلى الجدية لتحقيق ما يتمناه المواطن اللحجي، ليكون مبنى المدرسة شاهدا على تاريخ التعليم وتطوره، حيث لا زال البحث جاريا من قبل المهتمين في إعادة صورة من هذا التاريخ من خلال هذه المدرسة العتيقة التي شهدت طوال عقود تحولات سلبية كبيرة وتدمير ممنهج ساهمت في ضياع هذا التاريخ.

فدور السلطة المحلية بلحج، ومكتب التربية والمهتمين في هذا الجانب يجب أن يكون إيجابيا ومتفاعلا مع الدعوات التي أطلقها أبناء لحج بضرورة إعادة الحياة للمدرسة «المحسنية»، لتعود كمعلم تربوي تحكي أساطير العباقرة الذين درسوا فيها وتخرجوا منها.
كما أن على المنظمات الدولية والهلال الأحمر الإماراتي ومركز الملك سلمان المعنية في تراث الشعوب وتاريخه التحرك للحفاظ على هذا الإرث التاريخي لأبناء لحج والجنوب عامة.


الحرب الغاشمة
الحرب الغادرة التي شنها الحوثيون على المحافظات الجنوبية دمرت العديد من الشواهد التاريخية، ومنها المدرسة «المحسنية»، التي شهدت أسوأ موجة تدمير في العام 2015م، من خلال تحويل مبناها من قبل الحوثيين إلى أطلال شاهدة على عبثهم بالتاريخ.

ورغم مرور ثلاث سنوات منذ تحرير المحافظة من الحوثيين بفضل الله، ومن ثم المقاومة الجنوبية وقوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ما زالت بقايا المدرسة مدمرة ولم تجد أي تحرك من أي جهة لإعادة هذا المعلم العلمي إلى سابق عهده.

عقود من الازدهار
بدورهم، يخشى مهتمون بالتاريخ اللحجي من استمرار هذا التجاهل وبقاء أطلال المدرسة المدمرة شاهد عيان على ما تتعرض له ثقافة وسياسة وعلم لحج، الأمر الذي أحزن الكثيرين من أبناء لحج، وضياع جهود عقود من الازدهار بفضل الرعيل الأول لتنتهي مسيرة المدرسة وروادها بأكوام من التراب تنتظر من يعيد لها الحياة من جديد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى