(أنا في الرميلة وخلي في الفيوش).. ومحاكمة العطروش في البيت العبدلي

> غلام علي

> رائعة (السبولة)، وهي من كلمات عميد شعراء الأغنية في أبين عمر نسير، وألحان وغناء محمد محسن عطروش

من طرائف الذكريات
أستاذنا وموسيقارنا الكبير محمد محسن عطروش، وعند عودته مؤخراً من رحلته العلاجية الخارجية، واستقباله لنا للسلام عليه والاطمئنان على صحته في منزله الكائن بمدينة الشعب، وفي صالونه الأنيق الخاص باستقبال الضيوف، كأناقة وجمال روحه الفياضة بالبشاشة والطيبة، ربنا يحفظه ويمتعه بالصحة والعافية والعمر المديد، وعلى الرغم من تشعب الحديث وتنوعه، كانت الجلسة ولا أروع منها، وأن تنتزع منه تصريحا فنيا أو مقابلة صحفية على الماشي، فذلك من رابع المستحيلات، فاضطررت لاستفزازه كالتلميذ لأستاذه، وإثارته بين الفينة والأخرى حتى ينطلق معنا بالحديث والدردشة، وقد نجحت.

كان الإجهاد وتعب السنين، قد أخذا منه كل مأخذ، ويرسمان على ملامحه آثار الأسى والآلام، عبر مراسي السنين، وينقشان بمحياه وعلى وجنتيه تجاعيد وجحود أهل الزمان، ويمنحه شيب الوقار، زينة ومهابة، برغم محاولاته المتكرره لإخفاء ذلك وراء ابتساماته وبشاشته المعهودة وقفشاته واسقاطاته الفنية، وذلك ما درج عليه معنا أثناء البروفات الموسيقية.

مما لفت انتباهي وراق لي كثيراً بحديثه الشيق، استرساله وبكل أريحية مع شريط الذكريات، وهو يعرج بنا بين محطاته الجميلة، مقتطفا من بساتينها وردة تلو وردة، ذلك الماضي الجميل وناسه الطيبون، مما شدني إليه كثيراً، وأدهشني ذلك الحراك الثقافي وذلك التطور الملحوظ والرقي والازدهار، وما ترتب عليه من إبداعات ثقافية وروائع غنائية، ذات قيمة إبداعية عالية من الصعوبة بمكان تقليدها أو محاكاتها في وقتنا المسخ، زمن بلا نوعية.. بلا هوية ولا عنوان. وعلى ذلك يمكننا القياس، عند انتاجه رائعته الشهيرة (بالله أعطني من دهلك سبولة)، والتي احتلت مرتبة متقدمة جدا، في البورصة الغنائية حينها.. وخلفت جدلا عميقا في الوسط الثقافي للمثلث الذهبي للأغنية (عدن، لحج وأبين) وما ترتب على ذلك من صحيفة اتهام، ومحاكمة فناننا العطروش في البيت العبدلي للفن والطرب.

محكمة الشعر في حوطة لحجنا المحروسة
وذلك من خلال البيت الشعري الشهير والمثير للجدل (أنا في الرميلة وخلي في الفيوش) وما إذا كان يعزز فكرة التشبيب والتشهير، مما حدا به إلزاما للحضور والوقوف بمحكمة الشعر والفن العبدلي، للإجابة والإيضاح وتفسير (أنا في الرميلة وخلي في الفيوش)، وما وراء الأكمة ومعنى التورية، وما خلف السطور من معانٍ لـ (طير السماء بايرضي فضوله.. مهما شرحته لازم بايهوش)..

ومما لاشك فيه بتقديري الشخصي أن موسيقارنا العملاق هو بحد ذاته (موسوعة فنية وثقافية ومرجع تاريخي)، وقد حباه الله تعالى ملكة التلحين، وهو كذلك سياسي محنك من الطراز الأول، ومتحدث لبق، ومحاور ماهر يجيد فن الممكن.. وهو ما يطلق عليه إخواننا المصريون بـ (الفنان الشامل) شاعر وملحن ومغني مجيد.  كان الانقسام سيد الموقف هناك في محكمة الشعر العبدلي، بين فريق مؤيد وفريق معترض لهيئة الحكم في المحكمة.. لتأتي البراءة بعد المداولة من داخل البيت العبدلي ساطعة مدوية انتصارا للحق مع العطروش.

وفي تقديري ربما كان لتدخل البلاط السلاطيني الفضلي دور فاعل في تبرئة ولده المدلل النابغة وعودته غانما ومحملا بالهدايا الثمينة منها العسل وثياب الحرير، والمشبك والمكركر والفل والكاذي والمشموم اللحجي من السلطنة العبدلية لإخوانهم في السلطنة الفضلية.. ذلك لما تربطهما من وشائج القربى والعلاقات الأخوية الصادقة.

جدير بالإشارة أن الموسيقار العطروش قد تفوق على نفسه كثيرا برائعة السبولة، وتحديداً في الكوبليه الذي يأتي بعد المذهب في الأغنية من خلال توظيفه للفلكلور الأبيني في الكوبليه بالإيقاع البدوي ونسميه نحن بشرح بدوي  (المريكوز):
وادان دان دان دانه
               وادان دان دان دانه
واشارح الطين بالله
               كيه مد ليه سبوله
 شُف زرعكم ذا عجبني
               في اخضراره وطوله
وللحديث بقية مع العطروش الفدائي الثائر ورائعته الخالدة (بوس التراب) وكيف تواردت الخواطر كلمة ولحنا وغناء، وهو في الطريق ذاهب لإلقاء النظرة الأخيرة على أحد رفقاء الدرب والسلاح في الكفاح المسلح، ضد الاستعمار.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى