دلال الشعر

> د. سعيد العوادي

>  يبدو أن الشعر هو فتى العربية المدلل..فما لاتستيغه العربية في غيره تقبله منه نحوا وصرفا وتأويلا بعيدا..
و أحسب أن الحريري في قوله في الملحة..
وجائز في صنعة الشعر الصلف
أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف..
قد جار على الشعر في توصيفه بالصلف..وإنما هو الدلال الشعري حسب...
  وأزعم أن لقراءة الشعر وإلقائه مزاجا عصيا يحكم المتعجل على شططه في مواضع بالتخطئة ويقف المتريث عندها حائرا ثم لا تلبث تلك الغمرة أن تنجلي عن جمال أي جمال. وطلاوة أية طلاوة..
أقف هنا عند ملمح قرائي إلقائي لا علاقة له بالمعنى.. وإنما هو حديث عن ما تستيغه القراءة وتأباه القاعدة.. ثم عن نظرة المجيز إن أجاز.
منذ سنوات طوال قرأت قصيدة نزار الذائعة من مفكرة عاشق دمشقي..
فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا
فيا دمشق لماذا نبدأ. العتبا..
وفيها..
وقبر خالد في حمص نلامسه
فيرجف القبر من زواره غضبا..
فأقرأ خالد بالنصب لا بالجر على ما تقتضيه القاعدة النحوية.. وأجد عنتا في قراءته بالجر.. كنت أعلم أن خالدا مصروف ولا حجة لي في وضع الفتحة في موضع الكسرة..لكن القراءة الشعرية تبدو لي  سلسة رخية منسجمة مع مابعدها.. وإن كسر خالد تعصف بالقراءة عصفا وتحد من الانسجام الصوتي البديع وبلغة الموسيقيين (الهارمونيك)..ولك عزيزي القارئ أن تجرب القراءتين وتنظر فيهما..
لكني كنت أرجع ذلك الاعتساف إلى سليقتنا نحن المتأخرين الذين يستعصي عليهم النطق الصحيح بالأصوات صامتة وصائتة. وما ضاد سيبويه من هذا ببعيد.
ثم غفلت عن هذا الأمر دهرا طويلا.. حتى وقع بين يدي كتاب (عبث الوليد في الكلام على شعر أبي الوليد البحتري).. لأبي العلاء المعري.. فوجدت البحتري يقول..
  كفاني ما خشيت أبو فراسٍ
ومثل أبي. فراسَ كفى وزادا..
 بنصب فراس الثانية
فقلت هذه كتلك... ووجدت أبا العلاء يعلق بقوله.. (والمتأخرون من البصريين إذا حذفوا التنوين يتركون الكسر على حاله في المخفوض، والكوفيون يرون فتحه، لأنهم يذهبون إلى تشبيه ما ينصرف بما لا ينصرف)
ومثله..
وقائلة ما بال دوسرَ بعدنا
صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند..
فقلت ذلك ما كنا نبغي... وما أحسب أن الذي فتح المكسور هنا قد رام شيئا مما ذكره علماؤنا الأفاضل..وإنما هو الدلال الشعري والمزاج النطقي المستقيم على اليسر والسلاسة لا غير.. فإن توالي الفتحات أيسر من توالي الكسرات أو وقوع كسرة بين فتحات....
(ولكل وجهة هو موليها)..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى