العلاقات السرية بين أمريكا وإيران.. من صفقة الكونترا إلى حرب اليمن

> ​معتز علي*

>
غضت أمريكا الطرف عن احتلال اليمن من قبل ميليشيات الحوثي الشيعية المدعومة من إيران في أواخر عام 2014، بل والأكثر من ذلك قامت بتوقيع اتفاقية مع إيران لرفع العقوبات في منتصف عام 2015، بالتزامن مع دخول الحوثيين الشيعة لمدينة عدن الاستراتيجية، فهل تنازلت أمريكا عن مصالحها في تلك البقعة الحيوية لصالح إيران، أم أن هناك صفقة ما؟

هل إيران تابعة لأمريكا؟
غضت واشنطن الطرف عن التدخل الإيراني في اليمن، إبان فترة حكم أوباما، في صورة للتحالف الخفي بين إيران وأمريكا، ويدعم ذلك التحالف نظرية المؤامرة التي تعج بها الصحف والمجلات، والتي تشير لوجود تحالف خفي تحت الطاولة، إذ يزعم مروجو تلك النظرية أن إيران ما هي إلا حليف قوي لأمريكا يساعدها في رسم سياسات المنطقة، وأن الطبيعة الثورية لنظام ولاية الفقيه في إيران والقائمة على معاداة الغرب ترفض ظهور تلك العلاقات للعلن، بسبب دأب النظام الإيراني على دغدغة مشاعر الجماهير الإسلامية المتعطشة للتصدي للتغول الأمريكي في المنطقة.

العقوبات الأمريكية على إيران
على الجانب الآخر هناك من يدحض تلك النظرية بقوله إن تاريخ العقوبات الأمريكية على إيران تجاوز الأربعين عامًا، وأدت تلك العقوبات للحد من نقل التكنلوجيا الغربية لإيران، سواء في مجال النفط أو في مجال الطيران، وهو ما أدى لحدوث عشرات من حوادث الطيران، إذ تعتبر إيران هي الأولى عالميًا في تسجيل حوادث الطيران، فقد بلغت 34 حادثة منذ عام 1989، بسبب افتقار إيران لطائرات نقل ركاب حديثة واقتصارها على طائرات متهالكة نتيجة للعقوبات الغربية على إيران.

كما أن العقوبات قد تسببت في تأخر تطوير حقول الغاز الإيرانية في الخليج العربي وبحر قزوين، وأثرت على معدل النمو وأدت لانتشار الفقر في أغلب طبقات المجتمع الإيراني.

وعلى نفس السياق فالنظام الإيراني منذ وصوله للسلطة فهو يدعم سياسيًا حزب الله الذي قام بتفجيرات السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983 والتي تسببت في مقتل 240 من قوات المارينز الأمريكي بالإضافة إلى 58 من القوات الفرنسية المشاركة في قوات حفظ السلام، في أكبر مقتلة لجنود أمريكان بعد الحرب العالمة الثانية، كما قام حزب الله باختطاف 7 من الأمريكان بعد ذلك لتقويض أي رد فعل أمريكي انتقامي متوقع بسبب تفجير السفارة، كل تلك الأحداث تضعف من فرص تصديق وجود علاقات في الخفاء بين إيران وأمريكا.

فضيحة إيران كونترا
لكن مع التدقيق في طبيعة العلاقات مع أمريكا، يتضح وجود مد وجزر في العلاقات الأمريكية الإيرانية، فقد اضطر الجانبان للعمل سويًا بسبب مصالح مشتركة، وهو ما حدث في قضية إيران كونترا، إذ كانت إيران بحاجة للسلاح الأمريكي المتطور لمواجهة العراق في حربها معه في أوائل 1980، بينما كانت إدارة الرئيس الأمريكي ريجان بحاجة للمال لدعم قوات الكونترا المعادية للحكم الماركسي في نيكارجوا في أمريكا الوسطى عام 1981، خصوصًا بعد أن أقر الكونجرس قانونًا بالتوقف عن أي دعم مالي لثوار الكونترا عام 1982، بعد أن قام الكونجرس بتقييد دعم الكونترا عام 1981، فتم الاتفاق مع إيران على شراء أسلحة أمريكية عن طريق دولة وسيطة هي إسرائيل، مقابل أن يتم توجيه المال لدعم ثوار الكونترا.

وبالتالي فإن تلاقي المصالح بين إدارة ريجان وبين نظام الفقيه، أدى إلى حدوث صفقات مؤقتة بالرغم من استمرار العداء الأيديولوجي، فبيع السلاح لإيران مكن إدارة ريجان من توسيط إيران للإفراج عن الرهائن الأمريكان في لبنان 1985، مقابل صفقة أسلحة أخرى في نفس العام.
لكن تفجر فضيحة إيران كونترا عام 1986، أو ما عرف بإيران جيت أدى إلى انتشار فكرة التحالف الخفي بين أمريكا وإيران أو بين إيران وإسرائيل، بالرغم أن النظام الإيراني كانت له أهداف توسعية تهدف إلى عمل هلال شيعي يمتد من لبنان وسوريا والعراق، مرورًا بالكويت وشرق السعودية حتى سلطنة عمان واليمن.

كما عمل النظام الإيراني على تصدير فكرة الثورة إلى الحركات الإسلامية المجاورة، وهو ما أدى إلى محاولة جماعة الجهاد الإسلامية في مصر لاغتيال السادات عام 1981، ومحاولة الاستيلاء على الحكم، وتكرار ثورة إسلامية شبيهة في مصر.
فكرة تصدير الثورة للدول الإسلامية المجاورة لإيران، أزعج الأمريكان بشكل كبير لرغبة إيران للعب دور أكبر في المنطقة وتم توقيع عقوبات على إيران منذ ذلك الحين.

الاحتباس الحراري مشروع نابوكو لنقل الغاز
مع توقيع اتفاقية كيوتو في اليابان عام 1992 الهادفة لتقليل الانبعاثات الكربونية لمحاولة الدول الأوروبية تثبيت تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ألزم المؤتمر الاتحاد الأوروبي وأمريكا بتخفيض الانبعاثات بنسب من 7 % لـ 8 % لمحاولة تقليل معدل الاحتباس الحراري والذي سيؤدي لتلف بيئي شديد يؤثر على مسار الحياة على كوكب الأرض بشكل كبير.

لذلك اتجهت أنظار الدول الصناعية في أوروبا للغاز الطبيعي بسبب اعتباره من مصادر الطاقة النظيفة، وكان تركيز احتياطيات الغاز الطبيعي تقع معظمها في آسيا الوسطي، حيث تقع أكبر أربع دول لديها احتياطي عالمي للغاز في آسيا، وهي روسيا وإيران وقطر وتركمانستان، واعتمدت أوروبا بشكل كبير على الغاز الروسي، لكن الاستخدام السياسي للغاز من قبل روسيا دفع أوروبا للبحث عن نقل غاز وسط آسيا ليكون بديلًا عن أوروبا، وكان هناك احتمالان لنقل الغاز، أولهما هو نقل الغاز من تركمنستان عبر بحر قزوين إلى أذربيجان وتركيا إلى أوروبا، لكن هذا الحل فشل بسبب وقوع روسيا على بحر قزوين والتي عملت على إفشال الصيغة القانونية للاتفاق بشتى الطرق.

إيران هي البديل للغاز
يسمح موقع إيران بنقل الغاز من قطر وتركمنستان وأذربيجان إلى تركيا ومنها لأوروبا، وكان هذا هو البديل لمشروع نابوكو، لكن الطموحات الإيرانية الرامية للحصول على السلاح النووي وبناء إمبراطورية فارسية جديدة تكون بعيدة عن النفوذ الغربي قوضت من فرصة التقارب مع الغرب في أي مجال، حيث رغبت إيران وبدعم روسي في تصدير الغاز لباكستان والهند عام 1995، من أجل تمدد النفوذ الإيراني في مناطق التواجد الأمريكي، لكن الضغوطات الأمريكية على الهند وباكستان عرقلت تلك الخطوات بشكل كبير، لكن إيران وباكستان أوجدا البديل الصيني الممول لذلك المشروع بعيدًا عن الأيادي الأمريكية أخيرًا في عام 213، حيث يعتبر تمدد النفوذ الإيراني في وسط آسيا تعزيزًا لفكرة التكتل الاقتصادي لكل من الصين وروسيا والهند وإيران، وهو ما يشكل خطرًا على الطموحات الأمريكية في المنطقة.

أمريكا تحاول من جديد
لم تيأس أمريكا من محاولة السيطرة على مكامن الغاز الطبيعي في آسيا الوسطي والخليج العربي، فبعد فشل إنشاء خط غاز نابوكو من آسيا الوسطي لأوروبا عام 2009، باءت محاولة إنشاء خط غاز من قطر لتركيا عبر سوريا والأردن بالفشل، بسبب الضغوط الروسية على النظام السوري في نفس العام.

لكن أمريكا حاولت إيقاف استخدام ورقة الغاز من قبل روسيا للعب دور سياسي في القارة الأوروبية، فقامت بدعم الانتفاضة الأوكرانية عام 2014، والتي يمر منها 80 % من الغاز الروسي المار لأوروبا، ومحاولة استبدال الغاز الروسي بالغاز الإيراني والتركماني عبر خط غاز من إيران يصل بالبحر الأسود إلى جنوب أوكرانيا ، لكن الدب الروسي سارع بضم شبه جزيرة القرم الواقعة في جنوب أوكرانيا، وبالتالي فإن فرصة خلق بديل للغاز الروسي لأوروبا عبر أوكرانيا قد فشلت هي الأخرى.

أسباب الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب
لم يبق لدى الإدارة الأمريكية، إلا تصدير غاز إيران وتركمانستان وقطر برًا، إلا عبر البوابة الإيرانية التركية، وكانت أولى الخطوات هي عمل مصالحة بين الغرب.

حيث عملت إدارة أوباما على عمل مصالحة مع النظام الإيراني في أواخر عام 2014، وغضت الطرف عن قيام مليشيات الحوثي الموالية لإيران بعمل انقلاب عسكري والاستيلاء على الحكم في أواخر عام 2014، والإطاحة بالحزب الحاكم التابع لجماعة الإخوان المسلمين، حتى مع وصول الحوثي لمدينة عدن في منتصف عام 2015 كانت أمريكا توقع اتفاقية مع إيران لرفع العقوبات، وسارعت فرنسا لتطوير حقول الغاز الإيرانية في الخليج العربي، تمهيدًا للاستفادة من المخزون الكبير للغاز، ولم يكن يتبقى إلا تطويع تركيا بأي طريقة لاستكمال المشروع.

فشل استقطاب تركيا وصناعة انقلاب عسكري
لكن توجهات أردوغان في عام 2014 كانت نحو روسيا بسبب اختلاف الرؤي في الحرب السورية، فحاولت أمريكا الإيقاع بين تركيا وروسيا عدة مرات، لإجبار تركيا للرجوع للحلف الأمريكي مرة أخري ليكمل حلم نقل الغاز لأوروبا، ونجح تنظيم جولن المتغول في الجيش التركي في إسقاط طائرة حربية روسية في أواخر عام 2015 وتسبب الحادث في تجميد مشروع السيل التركي الهادف لنقل الغاز الروسي لشرق أوروبا عبر تركيا، وهو ما كانت تهدف إليه أمريكا، لكن وعي الإدارة التركية بحقيقة الصراع، جعلها تسارع في إعادة العلاقات مرة أخري مع روسيا في يونيو عام 2016، واستكمال مشاريع الغاز بينهما.

المصالحة التركية الروسية أجبرت أمريكا للجوء للحل الأخير وهو عمل انقلاب عسكري في تركيا في منتصف 2016، ومن ثم تشكيل حكومة موالية لها تسارع بقطع العلاقات مع روسيا وتنفيذ الأجندة الامريكية في المنطقة.

الاتفاق النووي مع إيران بلا جدوى
لكن فشل الانقلاب العسكري في تركيا أفشل كل خطط أوباما لنقل غاز وسط آسيا عبر دول حليفة وتحت الوصاية الأمريكية، حتى أن أردوغان رد على محاولة الانقلاب، بعمل مؤتمر عالمي للطاقة في إسطنبول في أكتوبر من نفس العام والذي يهدف لنقل الغاز من آسيا لأوروبا عبر تركيا، وكان المؤتمر يضم كلا من بوتين وأردوغان ورئيس أذربيجان (علييف)، في رد مباشر على سياسات إدارة أوباما، وكأنه يقول لهم لن تفلح لعبتكم هذه.

وبذلك فشل مشروع نقل الغاز من آسيا، الذي ضحت إدارة أوباما من أجل استكماله بعلاقتها التاريخية مع السعودية، فقد رأت الإدارة الامريكية، أن إنشاء خط غا نابوكو عن طريق نقل الغاز من تركمانستان وقطر وأذربيجان عبر إيران وتركيا، هو نهاية النفوذ الروسي في أوروبا، ويكون من السهل بعدها عمل عقوبات لمحاصرة نفوذ روسيا الصاعد بقوة خلال العقد الأخير.

مصالح إيران وأمريكا في اليمن
تعتبر أهمية اليمن بالنسبة لأمريكا هو وقوعه على واحد من أهم الممرات البحرية في العالم، لذلك فإن وقوعه تحت يد أي قوى مناوئة لأمريكا يعتبر تهديدًا للأمن القومي الأمريكي الذي يقوم على تأمين ممرات التجارة العالمية.

ومع وصول حزب الإصلاح إلى مقاليد الحكم في البلاد، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، تلاقت المصالح الأمريكية الإيرانية في المنطقة لإزالة الحكم الإسلامي منها، ووضح ذلك في تحالف الحوثيين الشيعة الموالين لإيران مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح حليف أمريكا السابق، لإنهاء حكم الإخوان في اليمن.

فقد سبق لإدارة أوباما دعم الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، كما دعمت انقلاب حفتر على الحكومة الإسلامية في طرابلس ليبيا.
كما قامت أيضًا بدعم التدخل من أجل منع وصول إخوان تونس لمقاليد الحكم مرة أخرى، وكان دعم الحوثي يعد استكمالًا لسلسلة محاربة وصول التيار الإسلامي للحكم في الدول العربية.

ولا ضير على أمريكا في تقسيم اليمن إلى قسمين شمالي وجنوبي، على أن يقع الجزء الشمالي تحت الحكم الحوثي، في مقابل أن يحتفظ حلفاء أمريكا بميناء عدن وجنوب اليمن لحماية المصالح الغربية وحركة التجارة في تلك المنطقة.

ولم تكتفِ أمريكا بذلك فقد عملت على تأمين ضفتي باب المندب، فقامت الإمارات بإنشاء قاعدة عسكرية بجوار ميناء عصب الإريتري على الضفة الأخرى من المضيق بحجة محاربة قوات الحوثي، بخلاف محاولتها السيطرة على جزيرة سقطرى الاستراتيجية.
مما سبق يتضح أن التحالف الأمريكي مع إيران في اليمن لا يؤثر على مصالح أمريكا في المنطقة، بل ربما تم استخدام إيران وحلفائها لتقويض آخر حكومة إسلامية في المنطقة.

وصول ترامب للحكم
بعد وصول ترامب للحكم في أمريكا، لم يكن من أولوياته تقليل النفوذ الروسي في أوروبا، وبالتالي فمشروع تصدير غاز وسط آسيا لأوروبا لم يعط أي اهتمام، بل الهدف الأكبر هو مشروع صفقة القرن والذي يدعمه صهره جاري كوشنر، وكان لازمًا لتمرير الصفقة هو حشد الدعم السياسي الإقليمي للصفقة، عن طريق حشد الدول العربية الخليجية بالإضافة للأردن ومصر لتمرير تلك الصفقة المشبوهة وبالتالي الاتفاق النووي مع إيران لا يفيد تلك الصفقة، فعملت إدارة ترامب على تقويض الاتفاق مع إيران وتحسين العلاقات مع السعودية.

الصواريخ الباليستية
ردت إيران على تقويض الاتفاق النووي، عن طريق إمطار السعودية بعدة صواريخ باليستية من شمال اليمن، عن طريق حليفها الحوثي، الأمر الذي شكل اختبارًا لمنظومة باتريوت الأمريكية، فقد فشلت المنظومة في إسقاط عدد كبير من صواريخ الحوثي المسماة «بركان- 2».

أوروبا تتمسك بالاتفاق النووي مع إيران
تمسك القادة الأوروبيون بالاتفاق النووي مع إيران، بسبب الفوائد الكبيرة التي كانت ستعود على القارة بشكل مباشر، إذ ستضمن الدول الأوروبية وجود مورد كبير للغاز بعيدًا عن الروس، الذين سبق لهم وقف الإمدادات مرتين بسبب خلافات حول تسعير الغاز، مما يجعل الاستمرار تحت رحمة الدب الروسي مخاطرة كبيرة، وبدائل الغاز الروسي ليست متاحة على المدى القريب.

كما أن الاتفاق النووي يفتح مجالًت للشركات الأوروبية للدخول للسوق الإيراني في معظم المجالات إذ دخلت شركة توتال الفرنسية في عقد لتطوير حقل الغاز الجنوبي في الخليج العربي، وتوقيع العقوبات سيمنح تلك العقود للصينيين أو للروس، الأمر الذي أغضب الجانب الأوروبي من مواقف ترامب.

وختامًا فإن العلاقات بين إيران والغرب، ما هي إلا لعبة مصالح، ومن يدفع الثمن هو الشعوب العربية الإسلامية في المنطقة، ترى هل ينكشف غطاء المصالح عن العلاقات، أم تستمر إيران ببيع الوهم لشعوب المنطقة؟
*كاتب مصري (عن ساسة بوست)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى