لمن أكتب؟ ولماذا أكتب؟ القطيعة بين الفنان والجمهور

> مختار مقطري

> تعصف ببعض البلاد العربية أحداثٌ جسام، ودواهٍ عظيمة، ومآسٍ فظيعة، ولربما لن ينجو البعض الآخر، فحالة التمزق واحدة، وكذلك الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية متشابهة، فقر واستبداد وقمع وضعف وفتن.. إلخ.
والفن وسيلة تعبير، عن هموم الناس، مآسيهم، أفراحهم، وأحزانهم وآمالهم، بصدق في التناول، بعيد عن النظريات والمدارس الفنية، فالشعوب العربية بحاجة للوضوح، لكن الوضوح عرضة للقمع، فهرب منه المبدع للرمز والغموض واللف والدوران.

وعلى هول ما حدث ويحدث، في العراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس ومصر، وأولا في فلسطين، إلا أن الفن لايزال بعيدا، فلا يزال المسرح غائبا، والسينما ملك للمنتجين قطاع خاص وغارقة في كوميديا النكتة، والقصيدة خجولة، والنثر يسبح في عوالم أخرى، فالرواية والقصة القصيرة بعيدان عن اهتمام القارئ العربي، والأغنية العربية صارت ذات مضامين (هايفة) وألحان (باردة)، فنجح المغني، عديم الموهبة والثقافة، لذلك غابت أغنية الطفل والأغنية الوطنية المحرضة والأغنية الدينية، ليس لأن الجهور عاوز كذا، ولكن لأن شركات الإنتاج (عاوزين كذا).. الربح.. بعد أن تحولت الأغنية إلى سلعة، وهل هي صدفة أني استمع الآن لنشيد (الله اكبر) للمجموعة، من إحدى القنوات الفضائية، وهو من تلحين الموسيقار محمود الشريف، قدمه أثناء العدوان الثلاثي على مصر، عام 1956م، وهو لحن زاخر بالوطنية والعزيمة والتحريض على العدوان، ولا نبالغ أن قلنا، إن الفن حينها اسهم في تحقيق النصر.

وقد دمر العراق وسوريا، ولم نسمع أغنية واحدة تصور الكارثة الفظيعة، مجرد تصوير على الأقل، بعيد عن الاتجاه المذهبي والسياسي.

ومنذ بدء التسعينيات، شيدت بعض الأنظمة العربية غرف نوم مكيفة، ودعت الفنانين لقيلولة، تحولت لنوم طويل كنوم أهل الكهف، ولم يخرجوا حتى اليوم، ومن لم ينم مقموع ومحاصر، ليس بأجهزة البوليس والأمن السياسي فقط، ولكن حتى بالمفهوم الجديد للفن وقيمته الفنية ودوره الوطني، فالفن صار سلعة و(وهيافة) لكي تكسب أكثر، ولم تقدم أغنية وطنية تحريضية رائعة تدعو للمقاومة، بعيدا عن اختلاف قناعاتنا بطبيعة المقاومة ودورها المذهبي والسياسي، مثل
أغنية (بنرفض نحنا نموت) لجوليا بطرس، ولا أنسى أغنية فيروز التي قدمتها مع بداية انهيار قيم الفن ودوره الوطني الحقيقي، وهي (بحبك يا لبنان) وكلاهما تصوير فني إبداعي حقيقي وصادق، عن الجرائم المأساوية للحرب، في جنوب لبنان، دون أي إشارة لمذهب أو طائفة، لذلك رددتهما كل الجماهير العربية، كما رددت من قبل الابريت العظيم لمحمد عبدالوهاب (الوطن الأكبر)، وقد انتهت مرحلة الدعوة للوحدة للقومية العربية، لكن (وطني الأكبر) كعمل فنب لايزال خالدا بقيمته الفنية العالية ورونقه الإبداعي المتلألئ، أما اوبريت اليوم فضعيف في مستواه الشعري، مثل ذلك الذي كتبه مليونير، شعرا لا حياة فيه، ولحنه فنان ربما استحى، لحنا باردا، سقيما، فاترا، أشبه بلحن نشيد درويش يتسول، مع أن موضوعه هو الحلم العربي الكبير، وغناه عدد من المطربين العرب.. بالأسماء.. الأسماء فقط، ليؤكدوا حضورهم إعلاميا.

أما الفنان اليمني فلم يختبر بعد، كما كان في الستينيات، مع أن من اثبتوا فشلهم عددهم غير قليل، رغم استغلالهم للتراث وتشويهه، ولكن الفنان اليمني، في كل فروع الفن المختلفة، لم يسهم في التعبير عن المآسي العدوانية في عدد من البلدان العربية، وفي وطنه أيضا، ليس عن قلة وعي، ولكن بسبب ظروفه الصعبة، الضعف في كل شيء، في المال وفي التقنية، وشركات الإنتاج غير المتطورة، وهدفها الربح، لينجح (علي عنبه) ويتم تغييب الفنان المبدع، إيهاب خليل، ومع عدم اهتمام الدولة، بدور الفنان في التعبير عن قضاياه الوطنية وقضايا وطنه العربي، مع شركات إنتاج لا تفرق بين تسويق العمل الفني وتسويق البيض، وغياب المسارح، ومع الأجور الزهيدة والرقابة على النصوص لدولة خائفة من الفنان، مع تشجيع السطو وتشويه التراث على حساب الأغنية الحديثة، مع صعوبة المعيشة والفقر في الإمكانات، فلم تجن أمل كعدل في مشوارها الطويل ومع عطائها الفني الكبير، ولم يروج لأغانيها الرائعة، ملايين الدولارات التي جنتها هيفاء وهبي في بضع سنوات، وليس لأنور مبارك شركات إنتاج بمستوى التي إتيحت لعمرو دياب.

المبدع اليمني مقموع ومهمش، فما أصعب إصدار رواية او مجموعة قصصية أو ديوان شعر، أو تقديم عرض مسرحي، ولأنه في دولة تخاف من الفن ولا تحترمه، ولذلك لم نقرأ ولم نسمع أغنية رائعة تصور مأساتنا جراء الحرب الملعونة، غير أناشيد كتبت ولحنت بسرعة.
فلمن أكتب؟ وماذا أكتب؟ والمتلقي غائب، وكيف أميز الشكل الإبداعي الذي يحبه الناس، والناس بعيدون، ويرون ممارسة الإبداع مجرد ترف. لمن أكتب وماذا اكتب؟؟ خصوصا وأني لا أكتب للنخبة من النقاد والكتاب، لكني لن أتوقف عن الكتابة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى