صاحب أشهر عمود ( كركر جمل) عبده حسين أحمد.. وداعا

> كانت الصحافة العدنية تورق وآرفا ليبراليا في جنوب الجزيرة العربية ابتداء من العام 1940م بـ(فتاة الجزيرة) للقمان الأب والمؤسس. 
د. هشام السقاف​
د. هشام السقاف​

ولم تكن هذه النبتة شيطانية أو عليقة لا تعني لنا شيئا أو وريقات صفراء تطايرها الرياح.
 كانت الصحافة نتاج تمخضات اقتصادية واجتماعية وبطبيعة الحال سياسية هي في المجمل حالة عهد جديد يولد في عدن بعد أن وضعت الحرب الكونية أوزارها.

من دواخل هذه المتغيرات ظهرت النقابات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والغناء والصحافة وأشياء أخرى.
كلها كانت النتاج الحضري والمدني لتفاعلات سابقة تولدت خلقا سليما في عدن بالتجليات المشار إليها بعيد الحرب.

لقد سال حبر كثير في رصد وسبر ودراسة الصحافة العدنية، وبعض ما كتب أرخص من ثمن الحبر، لكننا بصدد التمعن والتفكير أيضا في المقدرة الصحفية لكتاب كبار عملوا في بلاط صاحبة الجلالة العدنية، وجلهم إفراز لمرحلة المد السياسي والاجتماعي في تلك الفترة.دون أن تكون لهم الصفة العلمية الاختصاصية، لكن التعاطي كان مهنيا وإبداعيا بجدارة. نتذكر لقمان الرائد وكتيبة المعية من رجالات السياسة والأدب والنقابات والتربية والتعليم.

وفي هذا السياق تستوقفنا الحالة المتفردة لـ«الأيام» وعميدها الأستاذ الكبير محمد علي باشراحيل - رحمة الله عليه - وامتاز بينهم الأستاذ عبده حسين أحمد، صاحب أشهر عمود صحفي (كركر جمل) على الإطلاق، الذي مازج الفكرة بسلاسة الطرح وعلى نار هادئة كسجية الأستاذ عبده حسين الهادئة بطبعها دون أن يتخلى الأستاذ عن مهنية وأخلاق الكتابة الصحفية.

لا تبحث هنا عن استطرادات وحشو، فكل لفظة تأخذ مجالها الحيوي لا زائدة هي كما لا يقل مدلولها في السياق أو ينقص.
كان الأستاذ كرقاص الساعة في مواعيد مقاله الشهير، في مواعيد لا تدع القلق يتسرب إلى نفوس المحررين.

ويستطيع الأستاذ تمام باشراحيل، رئيس التحرير، أن يفند هذه الدقة عند الأستاذ الذي تعامل هو شخصيا معه على مدى العقود الثلاثة الأخيرة منذ الإصدار الثاني لـ«الأيام» بعد الوحدة. هذا التفنيد سوف يفيد كثيرا طلاب الصحافة ومن في حكمهم أيضا، فعدد الكلمات عند الأستاذ معدودة ومحددة ليظهر المقال في حيزه المعتاد على يسار الصفحة الأخيرة غالبا كل ثلاثاء أسبوعيا.

وهذا الأمر قد بدأ مبكرا في الخمسينيات من القرن الماضي وحتى مجزرة الصحافة العدنية عند منعها بعد الاستقلال عام 1967 م. يستأنف الأستاذ الكتابة على ذات المنوال مع عودة «الأيام» عام 1990م، حيث لم يتغير (كركر جمل) في تقنيته إلا ما طرأ من تغير في صورة الأستاذ، بحكم الزمن، وهذا أمر مسلم به.

يعكس العنوان (كركر جمل) مضامين المقال وبدلالات الموروث الفلكلوري الشعبي الذي يومئ إلى أن لا حياة لمن تنادي في نقد أصحاب القرار في بلادنا.
وبعد...
 اعتاد هذا الرجل الأنيق بزيه العدني الجميل أن يجلس في ذات المكان في منتدى “الأيام”  بتودة وسكينة وبخفيض النبرات التي اعتدنا عليها.

عندما حملتني قدماي لأول مرة إلى منتدى «الأيام» في صنعاء ذات مقيل مطلع التسعينيات، وكانت صلتي بأصحاب الدار مقالات متقطعة من موسكو. جلست أين ما تسنى لي ذلك. فكنت إلى جوار الأستاذ الذي ميزته دون عناء، وذهبت عيناي تبحث عن أصحاب الدار، بينما الجدال الحامي قد خفت وتلاشى فور جلوسي، فالتفت إلي الأستاذ بأدب جم ليسألني عن شخصي، فأجبت وتجلت أساريره وعاد الجدال كما كان ليطمئنني هو أن هذا اعتيادا للتسخين قبل الساعة السليمانية، ثم أردف أن هشام وتمام على وشك الوصول.

 كانت فكرتنا جميعا في منتدى (الوهط) أن نستضيف الأستاذ عبده في ليلة تكريمية في ليلة رمضانية من العام 2018م كان سعيدا ونحن نحف به من كل جانب، وكان أكثر سعادة بتغطية صحفية متزامنة لـ«الأيام» كرست عن هذا الصحافي العلم والتربوي الفذ والمثقف المستنير الذي قدم لوطنه وشعبه كل ما يملك ولم يحض بشيء من الذين تربعوا على قمة الحكم لسبب بسيط: إن الأستاذ عبده حسين أحمد ليس من صنفهم.
  رحم الله الأستاذ عبده حسين شيخ الصحافيين ورائد التنويريين في عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى