لسان عدن.. معجم لغوي فريد للمحامي أمين شمسان

> د. هشام محسن السقاف

>
تستحق عدن أن يكون لها معجم لغوي مفند ومفسر ومترجم لمفرداتها وألفاظها والعودة بها إلى جذورها واشتقاقاتها المختلفة.

وهذا جهد علمي وأكاديمي ظل غائبا عن عدن قبل أن يتصدى له الباحث النابه المحامي أمين شمسان. بالرغم من إشباع المدينة/ الأيقونة بكتابات تبدأ من السفر المقدس والنقوش القديمة، مرورا بأطوارها الزمانية التاريخية وما يتداخل في سيرورتها من تبدلات اجتماعية واقتصادية وسياسية.. إلى فيض الإحساس الغامر للفرضة عدن من شعر الشعراء وبانجذاب ساحر على مر التاريخ، بحيث لم يبق شاغرا قيد أنملة مكان إلا وتعبدت في ملكوته قريضا بتجليات البحر والجبل فيها، قواف تسبح في فضاءات لا متناهية رغم البعد الجغرافي المحدود.

كانت مدينة الأساطير والحقيقة تبعث إيحاءات شبيهة بكيمياء الروح والجسد حبا تعريفيا بمكانها ومكانتها، ففي عصر ما قبل الإسلام كانت سوقا من أسواق العرب، ولم يكن السوق في أعراف العرب إلا مباراة فكرية في الشعر أكثر من احتفاظه بمقوم التبادل السلعي والتجاري، ناهيك عن البعد الديني الخلقي الذي يلجم غائلة الدم في الأشهر الحرم التي تنتظم فيها أسواق العرب بدءا من دومة الجندل مرورا بعدن وانتهاء بسوق عكاظ الشهير   حيث ينزع العربي عن كاهله المثقل الثأرات القبلية المقيتة، ويسعى لإشباع حاجاته الحياتية مادية كانت أو روحية.

وكان الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، قد أدى كعب بن زهير بن أبي سلمى البردة المصنوعة في عدن حال ان أتاه تائبا ومعلنا إسلامه بين يديه ومدحه الرسول، عليه الصلاة والسلام، بقصيدته ذائعة الصيت: «بانت سعاد».
والأستاذ المحامي الألمعي أمين شمسان كرس بعضا من زهرة شبابه باحثا ومتقصيا منهجه في تأليف معجمه اللغوي الثري والضخم (لسان عدن)، وقد كان موفقا - كما يقول الدكتور مبارك حسن خليفة - في اختيار اللهجة المحلية في عدن، لأن هذه اللهجة تفتح بابا واسعا للولوج إلى عالمها المتعدد النواحي والتجليات.

لكن المؤلف - ومنذ البدء - يضعنا في فهم أن: ليس في (قاموسنا) دعوة لإحياء العامية وإنما هو غوص في أغوارها لاستخراج اللؤلؤ المكنون من كلماتها العدنية الأصيلة، ثم صقلها ونظمها لإبراز البيان في حلة الفصحى لغة القرآن ليقول حينئذ كل سامع «هذه بضاعتنا ردت إلينا».

انتظم (اللسان) في 770 صفحة، وبعد المقدمة المقتضبة التي كتبها طيب الذكر السوماني الغائب الحاضر د.مبارك حسن خليفة، جاءت مقدمة المؤلف ضافية صافية تحدد بتلقائية مكانة عدن في قلبه. فرغم حمله عصا السفر إلى أفجاج الأرض كعادة قومنا، فإن عدن تظل الشوق الأبدي للمؤلف وكأنه يردد مع أبي تمام:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى * ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى * وحنينه أبدا لأول منزل
ثم يتحفنا بقراءات عن تاريخ هذه المدينة العريقة في العصور المختلفة، قبل أن يلج إلى مقصده ومأربه بتتبع لهجة أهل عدن والعودة بها إلى جذورها العربية الفصيحة، بمنهج الأحرف الهجائية حتى لا تشرد منه لفظة، ليضع بين أيدينا ثروة هائلة من المفردة وأصلها واشتقاقاتها وتجذرها وجريانها في السنة الناس بتلك الكيفية التي استقرت عليها.

يبقى أن هذا الجهد العلمي للأستاذ المحامي أمين شمسان يأتي في وقت أشد ما تكون الحاجة فيه إلى مثل هذا العمل الرائع ليغطي فراغا في المكتبة العربية على العموم.
فتحية عرفان وتقدير لصاحب اللسان العدني أمين شمسان الذي نبتت الفكرة في ذهنه ونضجت وأينعت وها هي تخرج للنور بعد تعب وسهر ومعاناة... ولكنه التعب اللذيذ على كل حال.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى