حرب اليمن واتفاق السويد.. هزيمة لبندقية تجار المقابر

> صلاح السقلدي

>
أخيراً وقّعتْ أطراف الصراع اليمني بالعاصمة السويدية ستكهولم على اتفاق شمل عدة نقاط مهمة كموضوع مدينة الحديدة الشائك، برعاية وضغط وإشراف مباشر مِن الأمم المتحدة ومن الأمين العام شخصيا حيث من المتوقع أن يشرّع «الاتفاق» الأبواب أمام وقف شامل للحرب والمُــضي قُدماً نحو تسوية سياسية شاملة بعد أربعة أعوام من حربٍ عبثية تحت اسم عاصفة الحزم وإعادة الشرعية إلى صنعاء..

ولكن هذا لا يعني أن الطريق أضحت سالكة نحو السلام الدائم بهذا البلد الممزق، فثمة قوى يمنية وإقليمية لم يرق لها هذا الاتفاق وستسعى إلى إفشاله كما فعلت بجولات المشاورات السابقة، وبالذات القوى النفعية الطفيلة الموجودة بطرفي النزاع، وخصوصا تلك التي تمسك بتلابيب الطرف اليمني المدعوم خارجيا، والتي تكاثرتْ ديدانها على أشلاء الضحايا وجثث الأطفال، وأثرت وما تزل ثراءً فاحشا من خلال عمليات تهريب السلع، والمضاربة بالعملات ومرتبات الموظفين والتلاعب بالأسعار والمحروقات بل وحتى المتاجرة بعمليات تبادل الأسرى وجثامين القتلى، وبالتالي فلا غرو أن تعمل على تقويض هذا الاتفاق أو كبح وتأخير حركته على أقل تقدير، وبالفعل لقد دشنت هذه الفئة أصواتها لهذا الغرض منذ الساعات الأولى لإعلان الاتفاق.. وطفقتْ تشكك بنجاحه وتبث الريبة عند كل طرف.

ومع ذلك لن يكون إفشال هذا الاتفاق سهل المنال كما حصل بالجولات السابقة، والسبب أن الظروف التي تم فيها التوقيع هذه المرة ليست كسابقاتها، فمنذ مشاورات الكويت الفاشلة قبل أكثر من عامين تبدلت أمور وجرت مياه كثيرة تحت الجسر اليمني والخليجي أيضاً، وبات المجتمع الدولي أكثر قناعة وتصميما على وضع حدا لهذه المأساة أكثر من أي وقت مضى، وخير مثال على القناعة الدولية على ضرورة وقف الحرب باليمن، وما جرى مساء الخميس الماضي في الولايات المتحدة وهي الدولة  الأكثر تحمسا لدعم السعودية بهذه الحرب حين صوّتَ مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون ينهي الدعم العسكري الأمريكي للحرب في اليمن إلا دليلاً صريحا على حالة التذمر الدولي من طول هذه الحرب وتبعاتها، كما أن حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش هذه المشاورات وإشرافه شخصياً على اللمسات الأخيرة للاتفاق دليل آخر وواضح على ذلك، كما أن حضور الأمين العام تمثّــل رسالة أممية صريحة مُلخصها أن أي طرف أو جهة إقليمية أو يمنية ستسعى لهدم هذا الاتفاق ستكون في مواجهة مباشرة مع الأمم المتحدة ذاتها، وهذه الرسالة الأممية في تقديرنا موجهة بدرجة أساسية للسعودية، خصوصا بعد الجدل الحاد الذي نشب بين الطرفين: المجتمع الدولي والتحالف بخصوص مدينة الحديدة وتفاقم الوضع الإنساني والانتهاكات الإنسانية التي ضاق المجتمع الدولي منها ذرعا، وتلكؤ التحالف بوقف المأساة بالحديدة وتعمده اقتحام المدينة برغم الوضع المأساوي المريع فيها وما قد تشكله أي مواجهة عسكرية داخل المدينة وفي مينائها المتبقي كشريان وحيد لإيصال الإغاثة لملايين الجياع بالشمال.

ملاحظات عابرة عن هذه المشاورات وعن الاتفاق الذي أفضت إليه هذه المشاورات، والذي تمحور جُله حوْل موضوع مدينة الحديدة وفتح ممرات لإيصال البضائع، ووقف إطلاق النار بالمدينة «الحديدة» ومحيطها، ومدينة تعز ومحيطها، وتبادل الأسرى وغيرها من النقاط الأخرى:
- تم إلغاء موضوع الاتفاق على «الإطار العام للتسوية السياسية»، وهو الذي كان منتظرا حتى اللحظة الأخيرة، ربما لإشراك أطراف سياسية أخرى مستقبلاً كالطرف الجنوبي الذي تم تجاهله بصورة صادمة بهذه المشاورات والذي انخرطت بعض نُخبه السياسية والعسكرية والثورية بشكل ساذج بهذه الحرب إلى جانب التحالف دون أية ضمانات أو وضوح لحل قضيته الجنوبية.

- لم يتطرق الاتفاق إلى وقف شامل لإطلاق النار بعموم اليمن ولا إلى وقف هجمات الصواريخ على السعودية، وهذا ما قد يحدث بقادم المفاوضات.
- تأجل البت بموضوع مطار صنعاء إلى وقت لاحق ربما يكون قريبا، بعد أن رفضت صنعاء تحويله إلى مجرد مطار داخلي.

- نص الاتفاق على خروج القوات الحوثية إلى مشارف مدينة الحديدة، مما يعني أن الطرف الآخر الذي تقف قواته على تخوم المدينة- وأغلبها قوات بعناصر جنوبية- ستكون مجبرة على الانسحاب إلى ما هو أبعد من ذلك. وهذا يعني بالضرورة أن القوات الجنوبية قد أضحت على مقربة من قرار الاستغناء عنها من قِبلِ التحالف بعد أن بات من المؤكد أن دخول مدينة الحديدة قد أصبح مستحيلا وبفيتو دولي أيضاً.

- الطرف الجنوبي الذي تم تغييبه عن هذه المشاورات ظل يراهن على فشل هذه الجولة، وهذا ما لم يحدث خصوصا بعد أن رمت الأمم المتحدة بكل ثقلها لإنجاحها، مما يعني هذا أن الطرف الجنوبي الذي ظل طيلت هذه الحرب حطب حربها ووقودها المحترق، قد أصبح على الهامش التسويات والتفاهمات ليس برغبة من خصومه الحوثيين بل من حلفائه الخليجيين، وهذه مفارقة غريبة أن تحصل في مثل هكذا صراعات.

- غاب الحديث كُـليا عن ضرورة تسليم الحوثيين أسلحتهم وبالذات أسلحتهم بالحُديدة، وهو الشرط الذي طالما تمسكت به السلطة المعترف بها «الشرعية»، وبدأت تتخلى عنه على وقع صمود الطرف الآخر.
- كما غاب مصطلح «المرجعيات الثلاث» كُليا في نقاط هذا الاتفاق وطيلة فترة هذه المشاورات سواء بخطاب وفد الشرعية الذي لا ينفك بالتذكير بهذه المرجعيات، أو بخطاب المسئولين الأمميين..
 مع العلم أن المجتمع الدولي لم يعد يرى بهذه المرجعيات شرطا لأية تسوية قادمة، بعد أن تجاوزها الواقع وتخطت الأحداث، وهذه المرجعيات هي: المبادرة الخليجية ومخرجات حوار صنعاء الذي عقد قبل عام 2014م، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالأزمة اليمنية.
عن (رأي اليوم)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى