تغيرت المواسم المناخية على غير عادتها، فجاء الربيع قبل الشتاء في عدن، فارتفعت الأيادي إلى السماء مهللة بالدعاء للربيع بعد أول إطلالة على عدن، مجيء الربيع غطى الفراغ بعدن، ومسح القلوب الصدئة، فجاء الربيع أحمد، محافظاً على خطى أبيه بتاريخه المضرج بالتضحيات، فظهرت مزايا عدن وجمالها، وانقشع الغبار الآثم الذي ظل يملأ القلوب بعيوب الماضي.
أتاك يا عدن الربيّع أحمد، وأتاك قلباً يتوسد على حظنك، وموجاً يتدفق على خليجك، وذرات من الذهب يزين شاطئك الذهبي، يحمل معه قلباً نظيفاً ويداً بيضاء تتكسر عليها آهات الزمن البليد.
لقد ولدت عدن من جديد، فتولدت منها الابتسامات البريئة لأنها جاءها الربيع أحمد، يحمل حباً ثميناً وغالياً بعد عقود من السنين الباكيات، التي لم تعرف فيها عدن إلا طعم المرارات والغثيان، لكن عدن قاومت بصمودها دواعي النسيان، فظلت متمسكة بماضيها بأنها اجمل جزيرة وأغنى واحات شبه الجزيرة العربية، ولا يراها خصومها إلا عكس ما يراه العدنيون المتيمون بحب مدينتهم الطاهرة عدن.
عدن يا ربيع لا تحتاج منك الا ان تقشع غبارها المتعفن وتمسح دمعها وتعيد لها ابتسامتها التي افتقدتها من زمان، ودعها تمضي في طريقها فهي تعرف تلقائياً طريق مجدها، فقد سطرت حروفاً في صفحات التاريخ وأشاعت تقدمها على الجيران، وحاولوا تقليدها واللحاق بها في ثقافتها وعلمها وآدابها وفنونها فكانت منارة لمن يقصدها أو يخاطر بالسفر إليها لينال قبساً من تطورها.
لكن أثبتت للقاصي والداني أنها علماً وسياسة وأدباً والرقي، فهي درة الأوطان وأقدمها سوقاً وتجارة يقصدها الفقير فيتمتع بغناها ويأتيها الجاهل فيمتلئ علماً وأدباً ويجيها اللاجئ فيجدها مسكناً والعاطل يجد وظيفة والمتكدر يجدها فرحاً.