4 طرق استغل بها الحوثيون مقتل خاشقجي لغسل أيديهم من دماء اليمن

> «الأيام» عن «ساسة بوست»

>
بعد أربع سنوات من المعارك الشرسة في اليمن، السلاحُ لم يحل المشكلة على عكس ما توقعت السعودية الإمارات بأنها ستكون معركة خاطفة؛ حتى أنّ استراتيجية حرب النفس الطويل التي اتبعها التحالف كانت في صالح أعدائهم على المستوى السياسي والعسكري؛ فالحوثيون بصمودهم ظهروا قوةً عسكرية منتصرة لها ثقلها على الأرض، كما احتفظوا بمعظم أراضيهم – 10 محافظات – وطوّروا أسلحتهم، وكانت النتيجة في النهاية 10 آلاف قتيل، وأكبر أزمة إنسانية في العالم.
أما على المستوى السياسي، فالحوثيون أجبروا خصومهم – التحالف والحكومة اليمنية – على الجلوس على طاولة المفاوضات، وبذلك ظهروا طرفًا سياسيًا أصيلًا في المعادلة أثناء الحرب وبعدها، وتتوالى انتصاراتهم بعد أزمة مقتل الصُحافي السعودي جمال خاشقجي وهي القضية التي استغلوها (الحوثيون) جيدًا لغسل أيديهم من دماء اليمن.

في الوقت الحالي تركز كل وسائل الإعلام العالمية على ما فعلته وتفعله السعودية في اليمن، وفي ظل هذا يتناسى الكثيرون ماذا فعل الحوثيون في الجهة المقابلة.
يحاول التقرير التالي شرح كيف يدير الحوثي محطته الأهم في الحرب مع السعودية،  وما هي الرسائل التي استغلوا حادث قتل خاشقجي من أجل توصيلها.

 1 -  «القادة السعوديون متهورون ولا يهتمون بالدبلوماسية»
في أكتوبر الماضي قُتل الصُحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، وفي الوقت الذي التزمت فيه الولايات المتحدة الصمت دفاعًا عن حليفتها، علّق الحوثيون على القضية باتهام السعودية ومطالبتها بوقف ما أسموه العدوان على اليمن، واعتبروا محمد بن سلمان المُشتبه الأول في الجريمة مسئولًا أيضًا عن مقتل آلاف المدنيين في بلادهم، وفي تغريدة له علق رئيس اللجنة الثورية العليا لجماعة الحوثي: «الذي لا يستطيع ضبط إدارة استخبارات، فهو بالتأكيد لم يستطع ضبط إدارة عدوان ضد جمهورية مستقلة»، واعتبرت الجماعة أن الوحشية التي استخدمها النظام السعودي في قتل خاشقجي؛ يمكن ملاحظتها أيضًا في التصعيد العسكري والغارات الجوية في الحديدة والمدن الأخرى، في تحدٍ لجميع التحذيرات الدولية.

والاتهام الذين وجهه الحوثيون للمملكة السعودية سُرعان ما تبنته أوروبا، التي اعتبرت أن جريمة قتل خاشقجي والحرب في اليمن قضية واحدة تستوجب العقاب، وطالب الاتحاد الأوروبي نفسه بإجراء تحقيق دولي في القضية التي سيتحدد بعدها مصير صفقات السلاح التي يقدمها الأوروبيون إلى قادة التحالف، وسبق للاستخبارات الأمريكية أن قدمت تقارير تؤكد أنّ مقتل الصُحافي السعودي جاء بأمر من الأمير محمد بن سلمان، وعلى هذا الأساس أدان مجلس الشيوخ الأمريكي الأمير السعودي وحمّله المسئولية كاملة.
لذا نرى أن الفصل الثاني في القضية بدأ للتو من اليمن، فالكونجرس الأمريكي ناقش لأول مرة بداخله قرارًا من قرارات الحرب التي تعد من سُلطة الرئيس؛ إذ وافق على سحب القوات الأمريكية والتي تتمثل في وحدات كوماندوز تعمل على تحديد وتدمير الصواريخ التي يطلقها الحوثيون في اليمن باتجاه السعودية، وهو ما يعني تفوقًا نوعيًا جديدًا لجماعة الحوثي على الأرض إذا ما استمر القتال.

وفي وقت يعد فيه مصير جثة خاشقجي مجهولًا، لم يُفوت الحوثيون فرصة تصدر المشهد، إذ وجهت الجماعة دعوة إلى أسرة الصُحافي السعودي جاء فيها: «إذا طلب منا أولاد خاشقجي أو لديهم الرضى بالمطالبة بجثة والدهم فسنعمل على ذلك»، واللافت أنّ وزير الخارجية الأمريكي كان حدد للتحالف العربي مهلة 30 يومًا لإنهاء حرب اليمن، والتي انتهت في آخر نوفمبر  الماضي، لكنّ التحالف تجاهلها وشنّ معركة سريعة في محاولة للسيطرة على ميناء الحُديدة اليمني، وهي التي باءت بالفشل وتوقفت تحت ضغوط، ليُعلن الحوثي أنّ وحشية النظام السعودي لا تختلف عن الجريمة التي وقعت في تركيا أو التي تحدث في اليمن.
تجدر الإشارة إلى أنّ الاتهامات الدولية التي كانت توّجه للحوثيين توقفت مقابل الدعوات التي ارتفعت بشأن معاقبة السعودية وحظر تصدير السلاح حتى من قبل قضية خاشقجي، وحين قصف الحوثيون سماء الرياض بسبعة صواريخ، لم تقم بريطانيا – ثاني أكبر موّرد  للسلاح إلى السعودية، والمسؤولة عن الملف اليمني في مجلس الأمن – بمهاجمة الحوثيين ردًا على هجماتهم الأخيرة، لكنها دعت المملكة للتفاوض؛ لأنه أصبح الحل السياسي الوحيد، وهي أيضًا الجبهة الجديدة التي برع فيها الحوثيون بعد الأزمة.



2 -  «السعودية تتجاهل السلام كما تجاهلت الإجابة على قضية خاشقجي»
يظهر موقف خاشقجي بوضوح من دور بلاده من حرب اليمن في حواره الأخير مع «ساسة بوست»، إذ قال: «مشكلة السعودية أنها وضعت شرطًا للانتصار في اليمن، يستحيل أن يتحقق، وهو هزيمة الحوثي شرط ألا يستفيد حزب الإصلاح – الإسلامي – من ذلك.. وأعتقد أن الحل الوحيد في اليمن سيكون سياسيًا، بتطوير معادلة شراكة تتمثل بها كل القوى اليمنية، بما في ذلك الحوثيين، ولكن لابد من الضغط عليهم لقبول ذلك بدعم من المجتمع الدولي والضغط على إيران أيضًا لتحقيق ذلك».
النصائح التي وجهها خاشقجي لبلاده أودت بحياته في النهاية، لكنّ الحوثيون عقب مقتله سارعوا إلى ترديد رسالته حتى عبر الصحف الأجنبية التي عمدت إلى اتهام الحوثيين مرارًا بارتكاب جرائم في اليمن، ولأول مرة تنشر صحيفة «واشنطن بوست» مقالا لرئيس اللجنة الثورية لجماعة الحوثي، اتهم فيه السعودية بعرقلة السلام حين بدأت الحرب عام 2015 من أجل عرقلة اتفاق تقسيم السلطة، في إشارة إلى أنها هي بدأت الحرب، وترفض أن تنهيها في الوقت نفسه، والاتهام الأخطر أنها تتجاهل الدعوات الدولية لإيقاف الحرب، وتتجاهل أيضًا الإجابة حول الأسئلة الهامة في قضية الصُحافي السعودي.


وبالرغم من أنّ الحكومة اليمنية اعتبرت أن نشر المقال أمرا «معيبًا»  باعتبار أنها جماعة إرهابية، إلا أن الحملة تأتي في إطار سياسة الصحيفة للضغط على الإدارة الأمريكية لمعاقبة الرياض، باعتبار أن الصُحافي المقتول هو أحد العاملين لديها، ومن جهة أخرى فالقيادي الحوثي اعتبر أن دعوات الولايات المتحدة لوقف الحرب على اليمن ليست سوى وسيلة لحفظ ماء الوجه، قائلًا: «يفضل ترامب وإدارته مواصلة هذه الحرب المدمرة بسبب العوائد الاقتصادية التي تنتجها من أرباح صفقات الأسلحة»؛ ما يعني أنّ الحوثيين أصبحوا حليفًا غير مباشر في صفقة الضغط على واشنطن والرياض لإنهاء الحرب وإدانة السعودية.
ونتيجة لتلك الضغوط توصلت الحكومة اليمنية بضغطٍ سعودي إلى اتفاق السويد الأخير مع الحوثيين، والذي توصل فيه الطرفان إلى تفاهمات بشأن ميناء الحديدة وتخفيف حدة التوتر في مدينة تعز، بالإضافة اتفاق حول تبادل الأسري، ومن المتوقع ألا تكتمل المفاوضات بسبب ضغط وفد الرياض في عدة ملفات أبرزها تسليم السلاح وفتح مطار صنعاء، وهو ما تروج له جماعة الحوثي بأنّ السعودية ترفض الهدنة وتعرقل أية مفاوضات سياسية، وتجدر الإشارة إلى أنه بعد يومٍ واحدٍ فقط من التوصل إلى اتفاق، شنّت طائرات التحالف غارات على الحديدة بعد مفاوضات وقف إطلاق النار، ومن جانبهم يلتزم الحوثيون أمام المجتمع الدولي بعدم إطلاق صواريخ على السعودية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ التحالف العربي برغم تفوقه العسكري إلا أنه لا يزال مُحاصرًا بالنتائج على الأرض، فحتى الآن ومنذ عام 2015، يسيطر الحوثيون على 10 محافظات كاملة، هي: (العاصمة صنعاء وعَمْران و ذَمار ورَيْمة وإب والمَحْويت والحديدة والبيضاء وصعده وحَجَّة)، وتتكون محافظة الحديدة الحالية التي فشل التحالف في إخضاعها من 26 مديرية مأهولة بنحو مليوني نسمة وهو ما يزيد المعاناة الإنسانية القائمة والتي تقع مسؤوليتها حاليًا على التحالف، وهي الدماء التي نجح الحوثيون في غسل أيديهم منها عقب قضية خاشقجي.

3 -  «السعودية وحدها مسؤولة عن الأزمة الإنسانية والاقتصادية»
في المقال المنشور في صحيفة «واشنطن بوست» يبرر الحوثيون موقفهم من الحرب بالقول: «نحن ندافع عن أنفسنا، ولكن ليس لدينا طائرات حربية أمريكية مثل تلك التي تقصف اليمنيين بالأسلحة المحرمة والمحظورة المحرمة، ولا يمكننا رفع الحصار المفروض على الواردات والصادرات اليمنية، ولا حتى رفع الحظر الجوي والسماح للرحلات الجوية اليومية، أو إنهاء حظر استيراد السلع الأساسية والأدوية والمعدات الطبية من أي مكان آخر غير الإمارات؛ لأنهم فرضوا ذلك على رجال الأعمال اليمنيين».
وتبدو مبررات الحوثيين لإعلان الحرب واضحة، فهم وإن كانوا انتزعوا سُلطة شرعية واحتلوا العاصمة اليمنية، فإن الانتهاكات التي ارتكبها التحالف العربي اعتبرتها جماعة الحوثي تمنح شرعية أخري لاستئناف الحرب، بالإضافة إلى سيطرتهم على حزب المؤتمر الحاكم بعد اغتيال الرئيس علي عبدالله صالح، أي أنهم أصبحوا طرفًا أساسيًا في معادلة الحُكم في اليمن، وهي الرسالة التي أكدتها الجماعة مرارا واستغلت قضية خاشقجي في إثارة غضب الرأي العام العالمي ضد السعودية.

والحرب التي أوشكت على دخول عامها الرابع تسببت حتى الآن في مقتل أكثر من 10 آلاف مدني، وإصابة أكثر من 40 ألفًا، وقصفت قوات التحالف عن طريق الخطأ  1510 منطقة سكنية ومبان مدرسية ومستشفيات؛ وهو ما أدى لانهيار البنية التحتية على نطاق واسع. وبخلاف الضربات الخاطئة، فالسعودية لم تعتذر عن الكارثة التي تسببت في معاناة أكثر من 80 % من الشعب اليمني من الفقر المائي، لكنّها أعلنت أيضًا إغلاق كل المنافذ اليمنية البحرية والجوية والبرية دون تحديد سقف زمني، وهذا من شأنه زيادة الأوضاع الكارثية.
ويأتي مبرر السعودية بالسعي لوقف تهريب الأسلحة من إيران إلى جماعة الحوثيين، وذلك بعدما أطلق الحوثيون صواريخهم البالستية تجاه الرياض، والمشكلة الكبيرة من غلق المنافذ هو منع وصول المساعدات الدولية لمكافحة تفشي الأمراض وانعدام الأمن الغذائي لأغلبية السكان.


وبرغم أن الأمم المتحدة أدرجت التحالف العربي بقيادة السعودية على القوائم السوداء لمنتهكي حقوق الطفل، إلا أن ذلك لم يكن رادعًا على الأقل في بحث علاج وباء الكوليرا الذي كان يتركز سابقًا في العاصمة صنعاء التي يسكنها نحو ثلاثة مليون نسمة، قبل أن ينتشر في 18 محافظة يمنية من أصل 23، وبلغ عدد المصابين به خلال أول أسبوعين فقط قرابة 20 ألفا، توفي منهم 242. هناك أيضًا أزمة أخرى تسببت بها المياه الملوثة، فكل ما تنتجه الأراضي التي ارتوت بالسموم وصلت إلى الخضروات التي سببت أمراضًا إضافية جعلت الـ«يونيسيف» تتدخل لإصلاح محطات معالجة المياه منعًا لانتشار الأمراض والأوبئة.
وبخلاف الانهيار الاقتصادي الذي أصاب العملة اليمنية، فإن الشوارع أصبحت ما بين بيوتٍ طالتها الغارات، أو مراكز طبية أغلقت بشكلٍ جزئي أو كلي، ومواطني: إما قتلى، وإما مُصابين بالجفاف أو بالأوبئة، والأحياء الذين بقي لهم عمل لم يتسلموا رواتبهم منذ عدة أشهر، ولا حاجة لعمال النظافة في بلدٍ أصابه الخراب.

4 -  «نحن لا نقتل صُحافيا مثل السعوديين»
المثير للسخرية في تلك الرواية، أنّ الحوثيون يصفون السعودية بالنظام الوحشي؛ لأنهم قتلوا صُحافيًا واحًدا؛ إذ تقول الرواية المعلنة: «إن أي مراقب للجرائم التي سببتها الحرب في اليمن، يجد أنها حملة ترافقها معلومات مغلوطة، وحصار على الصحافيين الذين يحاولون تغطية الحرب وكتابة تقارير عن القتل العشوائي لعشرات الآلاف من المدنيين، ومعظم المعلومات التي لا تريد السعودية كشفها هي الضربات الجوية والهجمات البرية التي تسببت في أكبر أزمة إنسانية على الأرض».
والحقيقة التي أخفتها جماعة الحوثي، أنه لا يُمكن لأي صحافيّ أن يُمارس عمله في المناطق التي يُسيطرون عليها، إلا بإذنٍ من مسئول الإعلام الحربي، فمنذ سيطرت الجماعة على العاصمة صنعاء، توجهوا مباشرة إلى مؤسسات الإعلام؛ فأغلقوا الصحف والقنوات الفضائية المعارضة لهم، وقصفوا المحطات التلفزيونية الحكومية بالمدافع، واستخدموا التكنولوجيا لحجب نحو 120 موقعًا.

 وفي عام 2015 فقط قُتل نحو 14 صحافيًا، واختطف 214 آخرون، وتعرَّض للاعتقال 40 شخصًا، ووفقًا للجنة حماية الصحافيين، فقد كان هناك 13 صحافيًا قيد الاحتجاز لدى الحوثيين بحلول نهاية العام 2017؛ وفي المقابل كانت منصات الحوثيين الإعلامية تعملُ بكفاءةٍ على الأرض، والنتيجة أنّ وسائل الإعلام العربية والأجنبية باتت تعتمد في مصادرها على الإعلام الحربي الحوثي الذي يُعلن هزائمه وانتصاراته على السواء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى