سقط «غصن»!

> يعتبر قطاع صناعة السيارات العالمية أحد أهم ركائز اقتصاديات الدول المتقدمة والناشئة (40-45 دولة). ويتصف بطبيعة تنافسية شرسة وقاتلة، خاصة بين الشركات الـ14 الكبرى المشهورة والتي تسيطر على نحو 65 % من الإنتاج العالمي.
محمد نجيب
أحمد
محمد نجيب أحمد

  وينتج العالم نحو 97 مليون مركبة سنويا من كافة الأنواع (الصين وأمريكا وأوروبا، 32 و 17 و 14 مليون مركبة على التوالي). وتستهلك المركبات (بكافة أنواعها) الماشية على طرقات العالم اليوم نحو نصف إنتاج العالم من النفط، أي نحو 45-50 مليون برميل يوميا.

ولا يأتي بقاء أو نجاح أي شركة إلا ببيع مركبات أكثر من المنافسة، ووضع الاستراتيجيات الخاصة في خطوط الإنتاج (التكاليف) وطرح موديلات جديدة دوريا بتكنولوجيا متطورة وسياسات وبرامج وشبكات البيع وما بعد البيع وسهولة الحصول على قطع الغيار، وحتى إلى تأسيس شركات مالية تسهل وتمول شراء مركباتها...إلخ. كل ذلك للمحافظة على حصتها/زيادتها في أسواق العالم؛ بل على استمرارها/بقائها.

هذا القطاع الصناعي الصعب والمعقد في إداراته وعملياته العديدة والمختلفة وديناميكيتها السريعة من اقتناص فرص التوسع والانتشار والابتكار ومتطلباتها من تكنولوجيا حديثة ومراعاة لمعايير وأساليب السلامة وتوافق المحافظة على الظروف البيئية... إلخ، كل هذا يتطلب إدارة تنفيذية كاملة وشاملة لتحقيق أفضل النتائج وعلى أعلى المستويات.
هذه المؤهلات المهنية والتميز والإبداع القيادي الاستثنائي والنادر اجتمعت وتكاملت لدى السيد كارلوس غصن، والتي أثبتها للملأ بكل جدارة مهنية وحرفية، حينما استطاع وقف انهيار اثنتين من أشهر شركات السيارات العالمية، «رينو الفرنسية - 1999م» و «نيسان - 2005م» على التوالي. وقام بعد أداء هذه المهام بنجاح متميز، بدمجهما تحت «اتحاد رينو - نيسان - RN». وليتم بعدها تعيين السيد غصن رئيسا تنفيذيا ورئيس مجلس إدارة RN. وبعد نحو 5 سنوات وتحديدا في العام 2010م بلغت مبيعات اتحاد RN من المركبات المركز السابع عالميا.

في العالم 2016م استحوذ اتحاد رينو - نيسان (RN) على نسبة ملكية مؤثرة في شركة «ميتسوبيشي - Mitsubishi» للسيارات اليابانية وليتم ضمها ودمجها مع (RN) ليعرف بعدها «باتحاد رينو نيسان ميتسوبيشي - RNM»، والسيد غصن رئيس مجلس الإدارة لهذا الأتحاد.
في العام 2017م أصبح إتحاد رينو ونيسان وميتسوبيشي (RNM) أكبر منتج للسيارات في العالم (10.7 مليون مركبة) متجاوزا مجموعة «فولكس واجن» الألمانية (10.4 مليون مركبة) وتويوتا اليابانية (10.2 مليون مركبة).

ولعل أكبر دليل وبرهان على قدرات السيد غصن في مجال صناعة السيارات كان تتويجه كواحد من «العظماء التنفيذيين الستة» في تاريخ قطاع صناعة السيارات العالمية، حيث حل «ثانيا» بعد «هنري فورد» الأمريكي المشهور منذ بدايات القرن العشرين والتي مازالت تعتبر شركته (تحمل اسمه) واحدة من العشر الكبار على مستوى العالم في صناعة السيارات.

أما من الناحية الشخصية، فإن السيد غصن يعتبر من الأشخاص القلائل على مستوى العالم والذين لديهم 3 جنسيات، فهو لبناني وبرازيلي وفرنسي في آن واحد.
هذه الإنجازات وتقلد أعلى المناصب التنفيذية في شركات تفوق قيم مبيعاتها السنوية الناتج المحلي الإجمالي لبعض دول العالم تضمن المردود والتعويض المالي (Financial Compensation) القانوني بصوره المختلفة وأهمها الراتب «الفلكي - astronomical» الذي يصل الى ملايين من الدولارات سنويا، إضافة إلى العلاوات السخية الأخرى الملصقة معه.

لكن في 19 نوفمبر الماضي تم القبض على السيد غصن بتهمة «التهرب الضريبي» وذلك بتعمده «خفض» أجره في الوثائق المالية من العام 2010 - 2014م. إضافة إلى ذلك، اتهمته شركة نيسان اليابانية (التي هو رئيس مجلس إدارتها) بسوء استخدام أموال الشركة لمصلحته ومنفعته الشخصية، وأودع في سجن بطوكيو لاستكمال التحقيقات معه تمهيدا لتقديمه للمحاكمة... (تعالوا شوفوا عندنا!!!).

 وفي بلد متحضر كاليابان يعتبر ما قام به السيد غصن (إن ثبت) جريمة جنائية، ضف إلى ذلك في هذه الدول المتقدمة/المتحضرة أي محاولة من أي شخصية طبيعية أو شخصية اعتبارية «للتهرب الضريبي» و/أو تعمد إساءة استخدام السلطة/المنصب من أجل المصلحة/الكسب الشخصي (الفساد بأنواعه العديدة والمختلفة) تعرضهم للمساءلة القانونية الصارمة، مهما كانت مكانتهم العامة أو الشخصية. وللعلم، فإن القائمين على القانون في هذه الدول لا يتخذون قرارتهم «عبثيا أو اعتباطيا» أو لأسباب «شخصية/كيدية»، بل بناء على براهين وأدلة دامغة وثابتة.

ومن ناحية أخرى، فإن نفس هذه الدول تتمتع بسلطة قضائية مستقلة وشفافة ونزيهة وعادلة في إصدار قراراتها وأحكامها. وهي غير مسيسة ولا تتأثر برغبات أو محسوبية أو توجهات غير ما هو في القانون، ليس إلا.
 أسباب تصرف السيد غصن مازالت مجهولة وكانت صدمة كبيرة في قطاع صناعة السيارات العالمية عامة والياباني والفرنسي خاصة نظرا للمكانة التي يتمتع بها السيد غصن في أوساط هذه الصناعة العالمية... يقال إن المدير التمثيلي لشركة نيسان السابق جريج كيلي (بريطاني الجنسية) له دور (دهدهله) في ذلك. هو أيضا رهن الاعتقال لدى السلطات اليابانية.

ولكن دعونا أن لا نستبعد سيناريو «النظرية الافتراضية» التي تجيب بأن «السبب» الرئيس والوحيد لفعلة السيد غصن قد يكون له علاقة مباشرة بـ «جينات السيد غصن العربية الشرقية»، وقد بعثت فيه مجددا ومن ثم أوقعته في أفخاخ «العظمة» واطمأن على «مناعته/حصانته» ضد القانون، كما هو حال معظم المسؤولين والقائمين في الدول المتقهقرة والمغلوبة على أمرها.
  وبعد يوم واحد من اعتقال السيد غصن قام مجلس إدارة نيسان ميتسوبيشي NM بإعفائه من منصبه كرئيس لمجلس الإدارة. شركة رينو الفرنسية (R) الشريك الثالث في اتحاد (RNM) في طريقها لاتخاذ نفس هذا القرار.
وسقط «غصن» سقوطا مدويا.. «فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ».. فهل من معتبر؟​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى