ناضلت ضد الإنجليز جنوباً والإمامة شمالاً.. دُعرة.. المرأة التي خلدها التاريخ بماء الذهب

> كتب/ رائد محمد الغزالي

>  تُعد المناضلة دعرة القطيبي واحدة من النساء النادرات اللواتي قدمن عملاً بطولياً في القرن الماضي، وذكرهن التاريخ؛ ليتحدث عنهن جيل بعد جيل.
كان أول ظهور لهذه المرأة الجسورة من بوابة ردفان جنوب اليمن، حيث قامت بدور بارز وساهمت في سبيل الدفاع عن تراب الوطن المقدس، ووقوفها إلی جانب أخيها الرجل في الكفاح المسلح في جبهات القتال.

فالفقيدة البطلة بنت ردفان، عقيد/ دُعرة سعيد عباد لعضب القطيبي (واسمها الحقيقي مريم)، والتي صالت وجالت ودافعت عن وطنها مع إخوانها في جنوب اليمن وفي شماله، كانت امرأة بشجاعة نادرة، الأمر الذي جعلها مطلوبة لدى القوات البريطانية ضمن مجموعة من القيادات الثائرة من ردفان.

عرف عنها بالمرأة الغيورة على تربة وطنها، وهي صفة اتسمت بها منذ صغرها عندما أخبرها والدها أن هناك جنوداً جاءوا ليحتلوا بلادنا، فحملت السلاح مع أبيها منذ سن مبكرة، وهي أكبر فرد في العائلة.
وقال عنها الشاعر بن لزنم العولقي في قصيده شعرية مادحاً إياها " والله يا دعرة ما أعجبني في الدنيا كماش- شليتي الجودة وبندق زين في يدش يرمي رماش".

المولد والنشأة
ولدت دعرة في منطقة وادي شعب الديوان مديرية ردفان في عام 1924م، بعد أن قدم والدها سعيد من منطقة دبسان الجبلية ليستقر بالعيش فيه لخصوبة أراضيه الزراعية، وغيّب الموت والدها وهي ما تزال في سن الخامسة عشر، فنشأت بين أفراد عائلة مكونة من 2 من الإخوة و3 بنات إلى جانبها، وهي من أسرة الشهيد راجح لبوزة، عائلة كان لها السبق في تفجير الثورة الأكتوبرية.

دُعرة الإنسانة
بعد وفاة والديها تحملت دعرة مسؤولية الاهتمام بأفراد عائلتها، وهي مهمة إنسانية حدثت في ظروف عصيبة آنذاك، فسخرت كل عمرها في خدمة عائلتها ووطنها، وقلّ ما تجد نساء في هذا الزمان يفعلن ذلك، وحرمت نفسها الزواج حتى وفاها الأجل لانشغالها الكبير في مهمة تنشئة أفراد عائلتها، والدفاع عن حياض الوطن، وفيه كانت تقول: "لا أعراس ولا أفراح إلا بعد الاستقلال". وقضت ما تبقى من عمرها في الدفاع عن وطنها في سهول ووديان وجبال الجنوب والشمال، كما كانت دعرة عدائية مع أعدائها منذ صغرها، ولم ترحمهم في جبهات القتال لإنها أرادت تحرير وطنها، في مشهد ونموذج بطولي نادر ظل خالداً، إلى يومنا هذا، بتلك العزيمة والإصرار وحب الوطن ودافع كبير في التضحية.

مواقف بطولية
دعرة القطيبي لم تكن تطمح لحصد المال أو التجارة والكسب الخاص، كان طموحها وطن حر ومستقل، يعيش فيه الجيل القادم مرفوع الرأس بأمان واطمئنان، وللفقيدة مواقف بطولية حدثت على أرض الواقع كلها ثورية، من الجنوب إلى الشمال، ساهمت دعرة في إسقاط نظام الإمامة في شمال الوطن، وذهبت مع فوج الثوار من أبناء ردفان الذين هبوا لنصرة إخوانهم في شمال اليمن عام 1962م، كانت محطات هذه المرأة في جبال صنعاء في يسلح وفي نقم، قاتلت أيضاً في جبال المحابشة ضد قوات النظام الإمامي، في أرض الجنوب كانت جبال ردفان شاهدة على بطولات تلك المرأة من دبسان وحيد ردفان، ثم الأعمال الفدائية في الحبيلين وفي طريق بلة، ومع رفاق دربها في جبهة الحواشب الغربية، قبل وبعد عام 1963م، حتى أعلن الاستقلال الجنوبي عام 1967م في الثلاثين من نوفمبر، وتعرضت دعرة لإصابة في ساقها في إحدى المواجهات، وتم تهريبها إلى تعز للعلاج هناك في بداية الستينيات، وكانت القوات البريطانية تبحث عنها، وقد رصدت مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عنها، وقدرت تلك المكافأة بمائة ألف شلن، وكان قبل ذلك تم أسرها وسجنت في عدن، ولكنها تمكنت في الهرب من السجن بعد أن قتلت الحراسة وعادت إلى ردفان، وكثيرة هي المواقف البطولية التي لا يتسع المجال لذكرها.

الموعد مع التاريخ
كان التاريخ ينتظر دعرة في تعز بعد أن استقبلها الرئيس السلال، أول رئيس شمالي، كان الزعيم العربي رحمه الله "جمال عبدالناصر" التقى بدعرة، وقد سأل عنها قبل ذلك، وزارها العديد من السياسيين والزعماء في جمهورية اليمن الديموقراطية، ومنها اللقاء التاريخي بالزعيم عبدالناصر هناك في القاهرة، وهذا تاريخ بحد ذاته.

ما حصلت عليه
منحها الزعيم العربي "جمال عبدالناصر" رتبة ملازم أول، تقديرًا منه لمواقفها وشجاعتها ودورها النضالي في صنع تاريخ، جسدت فيه دور المرأة في الدفاع عن أرضها ودينها، ثم منحت وسام الاستقلال من الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، وقبل ذلك كرمت من الرئيس سالمين، وكرمت من قبل منتدى الشقائق العربي في عام 2000م، وتقديراً لمواقفها منحها الرئيس اليمني السابق علي صالح رتبة عقيد، وكان ذلك في عام 1999م، وكثير من التكريمات والأوسمة التي نالتها الفقيدة دعرة بنت سعيد.

وفاة دعرة
توفت تلك المناضلة البطلة في أغسطس عام 2002م، إثر مرض عضال في منزلها بمدينة الشعب بالعاصمة عدن، ودفنت في مقبرة الحمراء بالجدعاء بردفان.
وكتب العديد من الكتاب المحليين والعرب والأجانب عن مواقف وشجاعة هذا المرأة، رحمها الله، وما ذكر عنها في هذه المادة سوى لمحة بسيطة وغيض من فيض نضالها وبطولاتها الكبيرة ضد المستعمر البريطاني في الجنوب، وللإمامة في الشمال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى