أسطورتان من لحج

> محمد عباس ناجي الضالعي*

>
تاريخ شعبنا يحمل بين دفتيه أسماء كثيرة من الرجال والنساء العظماء الذين اجترحوا مآثر بطولية رائعة يمكن تخليدها كعبر مشرفة للأجيال القادمة.. ولكن مع الأسف الشديد إن هذا التاريخ لم تهتم به القيادات الجنوبية ولم تسعَ إلى تدوينه، فتم تزييفه أو تشويهه.. ومع ذلك نجد غيرنا يقومون بتدوينه ونشره.

وفي هذه العجالة سنذكر مأثرتي رجلين أسطورتين من لحج تحدثت عنهما الوثائق البريطانية، وتكمن قصتهما أنه أثناء الاحتلال البريطاني لعدن يوم 19 يناير 1839م كان يقود المقاومة العربية الجنوبية في أعلى قمة جبل صيرة (علي بن سلام العبدلي)، وهو ابن شقيق السلطان محسن فضل العبدلي، سلطان لحج حينها، وفي أسفل القلعة يقود المقاومة العربية الجنوبية الشيخ المجاهد راجح العزيبي، وكانت بنادق المقاومين (أبو فتيلة) بينما القوات البريطانية تتسلح بأحدث الأسلحة.

وحينها كان العلم الوطني للسلطنة العبدلية ذا الشكل المربع واللون الأحمر وفي وسطه سيفان يخترقهما قلم يرفرف على قمة قلعة صيرة.. فبدأت المدفعية البريطانية بقصف القلعة، وتمكنت من اقتلاع صارية الراية العبدلية.. فوثب ابن أخو السلطان لإعادة رفع العلم الذي كان قد تمزق.. فواصلت المدفعية البريطانية قصف القلعة حتى دمرتها بشكل كامل. فتوقف إطلاق النار من قبل المقاومين.. حينها صعد الجنود البريطانيون إلى قمة القلعة واندهشوا من أن الراية العبدلية مازالت يد إنسان مغمور بين الانقاض ترفعها وهو يصرخ بأعلى صوته (الثبات.. الثبات يا رجال). ولم يكن يعلم أن رفاقه مطمورون تحت الانقاض قد صعدت أرواحهم إلى جوار ربها.. فقام الجنود البريطانيون بانتشاله من بين الانقاض.. فوجدوا رجلا يده ترفع العلم والأخرى قد بترت من الكتف ولم يبق إلا الجلد ممسكا لها ولديه إصابة أخرى خطيرة في فخذه، فأسعفوا ذلك الرجل ومعه جريح آخر ليتم علاجهما ولم يعرفوا ماهيتهما بعد.. فكان ذلك الرجل الذي بترت يده كما قال الطبيب البريطاني "يرقد وسحنته هادئة لكنها مع ذلك معبرة ومنعزلة عن كل ما يدور حوله، باستثناء نظرة عطف ألقاها على رفيق جريح كان ينازع سكرات الموت بالقرب منه"، يعني أنه لم يكن يهتم بجراحه وإنما مهتما بمرؤوسه.. يا له من موقف عظيم.

ويواصل الطبيب حديثه "وبعد أن انتزعت يد هذا الرجل منه ناوله أحد عديمي الإحساس من الرجال اليد، فأخذها ورماها بكل ازدراء بعيدا عنه". وعندما أخبر الطبيب أنه قائد المقاومة نهض الطبيب ورفع قبعته واحنى هامته إجلالا لشجاعته واستبساله.

أما قايد المقاومة في أسفل قلعة صيرة الشيخ المجاهد راجح العزيبي فقد أصيب بإصابة خطيرة وهو يحاول مواصلة حشو بندقيته وتم أسره.. وقد عبر عن رغبته الأخيرة بأن تسلم بندقيته لابنه ولفظ أنفاسه في ذات اللحظة.. وحينها أدرك (هينس) مغزى رغبته أنها وصية لابنه بمواصلة طريقه.. طريق العزة والشموخ.

رحم الله هذين الفارسين الأسطورتين اللحجيين وأسكنهما فسيح جناته ومعهما كل شهداء الجنوب الأبرار.
*كاتب ومؤرخ​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى