> علي حسين
قرار «مجلس الأمن» الأخير، الذي أكّد دعمه اتفاقيات «ستوكهولم»، شدّد على أن المسألة اليمنية لا يمكن حلّها إلا بالطرُق السلمية. إذن لا يمكن للتحالف السعودي أن يفرض «هادي» بالقوّة كـ «شرعية» أمر واقع. والتحالف بقيادة السعودية، لم يستطع، أصلاً، فعل ذلك على مدى 4 سنوات، ولن يتمكّن اليوم في ظلّ المسار الدولي المُتعاظِم تجاه المشكلة الإنسانية داخل هذا البلد.
على طول الأسبوعين الفائتين اللذين أعقبا «مشاورات السويد»، شنّ سياسيون وكتّاب محسوبون على طرف «هادي» حملات تحريض مُكثّفة ضد المسؤول الأممي المُكلّف بتنفيذ المهمة الصعبة في الإشراف على تطبيع الوضع الجديد في الحديدة اليمنية، تارة باعتباره نذير شُؤم أو مُحتل، وأحياناً باعتباره كما قالوا؛ يتحدّر من أصولٍ يهودية!
وكان رئيس بعثة «المراقبة الأممية» على وقف إطلاق النار، الجنرال الهولندي المتقاعد «باتريك كومارت» قد بدأ تحرّكاته في مدينة الحديدة الساحلية غرب اليمن، بُعيد وصوله يوم أمس الأول، قادماً من صنعاء عبر الطريق البري بين جبال صنعاء.
باتريك طاف صباح الأحد في الميناء الاستراتيجي للمدينة، وشاهد حجم الدمار الذي تعرّضت له هذه المنشأة الحيوية المركزية. في الأثناء كان سلاح الجو السعودي يطوف في سماء «الحديدة»، مُحلّقاً بكثافة فوق المدينة فاتحاً حاجز الصوت، وعلى مسافة غير بعيدة، من مكان إقامة «كومارت»، تعرّضت قرية «الزعفران»، شرق كيلو 16 لقصف مدفعي كثيف، من قِبَل الحوثيين والقوات المسنودة من «التحالف» والخروقات تتواصل كل يوم، ففي مديرية «التحيتا» جنوب المدينة، سقط مواطنون قتلى وجرحى برشاشات تلك القوّتين نفسها، وهكذا حصل في منطقة «الواحة»، وفي مديرية «حيس»، وغيرها.
ويرى مراقبون أن الملف اليمني، بعد اتفاق «السويد»، أخذ مساراً جديداً، لصالح ميزان القوى في الداخل (الحوثيين)، لكن آخرين يرون الأمر مختلفاً. حيث أن القرار الأممي الأخير، أكّد على المرجعيات الثلاث التي يتمسّك بها طرف هادي وحكومته، وهي: عودة الشرعية، ومخرجات مؤتمر الحوار، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
قرار «مجلس الأمن» الأخير، الذي أكّد دعمه اتفاقيات «ستوكهولم»، شدّد على أن المسألة اليمنية لا يمكن حلّها إلا بالطرُق السلمية. إذن لا يمكن للتحالف أن يفرض «هادي» بالقوّة كـ «شرعية» أمر واقع. والتحالف بقيادة السعودية، لم يستطع، أصلاً، فعل ذلك على مدى 4 سنوات، ولن يتمكّن اليوم في ظلّ المسار الدولي المُتعاظِم تجاه المشكلة الإنسانية داخل هذا البلد.
دولياً، هناك ضغوط غير مسبوقة على النظام السعودي بشأن حربه في اليمن، فدول مثل ألمانيا وكندا وفرنسا، علّقت بيع الأسلحة لـ «الرياض» بسبب حربها في «اليمن»، كما أن الضرر الفادِح الذي تعرّضت له سمعة العائلة السعودية المالِكة، بعد مقتل «خاشقجي»، على المستوى الدولي، لا يمكن إصلاحه في المدى القريب، فضلاً أن يكون بمزيدٍ من الحرب في اليمن.
وتحدّثت مصادر أن مندوب «روسيا» الدائم لدى مجلس الأمن تدخّل في تعديل بعض المُفردات التي وردت في مشروع القرار البريطاني، مثل مفردة «شرعية»، و»انسحاب القوات»، ولئن صحّ ذلك، فإن روسيا والمجتمع الدولي، ترى عقب اتفاقية «السويد» الموقّعة بين الطرفين اليمنيين المُتنازعين، أن وضعاً جديداً قد بدأ فعلاً في اليمن، وبالتالي لا بدّ من صيغ وألفاظ، جديدة تتناسب مع الواقع الجديد، ومختلفة.
من الآن وصاعداً، لم يعد هناك طرف شرعي معني بإدارة الموانئ والبنوك ودفع المرتّبات على ما يبدو. فقد كشف المبعوث الأممي إلى اليمن «مارتن جريفيثس»، في تصريحٍ رسمي على موقعه الالكتروني الخاص، أن اجتماعاً مُرتقباً قد يُعقد في الأيام القريبة القادمة، في العاصمة الأردنية «عمان» أو في مكان آخر «بين تقنيين من البنك المركزي اليمني وبمساعدة «صندوق النقد الدولي»، لضمان وجود عملية شفّافة لجَمْع الإيرادات، بما في ذلك من ميناء الحديدة، كأساس لدفع الرواتب في أنحاء اليمن لجميع الموظفين».
حكومة هادي التي نقلت البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، قبل سنتين ونصف السنة، ودهورت قيمة العملة اليمنية، ولم تفِ بتعهّداتها في دفع مرتّبات الموظّفين العموميين، تبدو اليوم في أشدّ حالتها تدهوراً. فقد أفادت مصادر مقرّبة من حكومة هادي، أن قراراً جديداً سيُصدره الرئيس يقضي بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي بديلاً لـ «محمّد زمام»، الذي صرّح قبل أيام أن الحكومة تعتزم دفع مرتّبات جميع الموظفين في كل المحافظات في القريب العاجل.. لكن ما فحوى هذا التوجّه الآن؟! وما دلالة هذه التصريح الرسمي لمحافظ البنك؟!
ناشطون وصحافيون في حكومة «هادي»، حذّروا من أن الشرعية ستفقد في الأيام القادمة أهم ورقة سيادية كانت بيدها: الورقة الاقتصادية!
واستغرب خالد اليماني وزير خارجية هادي، ورئيس وفده المفوّض، كيف أن المبعوث الأممي لم يشر في إحاطته إلى مجلس الأمن، إلى ما قال إنها تعنّت، من قِبَل الطرف الآخر (وفد الحوثي)، ورفضهم التوقيع على «الورقة الاقتصادية».
وكان المبعوث الأممي قد قال في إفادته الأخيرة لمجلس الأمن عشيّة انعقاده الأخير، إلى أن الأمم المتحدة ستشرف على ميناء ومدينة الحديدة، مُلمّحاً إلى أن هذا الإشراف «من الممكن توسيعه!». وهذه الجملة الأخيرة لم ترق حكومة هادي.
وحذّر موقع «يافع نيوز»، على لسان مسؤولين رسميين، لم يذكر أسماءهم، من أن ورطة «قبول الشرعية بإشراف الأمم المتحدة على البنك المركزي، يُعتَبر سقوطاً كاملاً لسلطة، دائماً ما تردّد أنها شرعية».
عن (الميادين)