لا ضمانات على أن الرئيس سيتجاوز هذا العام دون أن يفقد صلاحياته

> ياسين التميمي

>
يلج اليمنُ العام 2019 مثقلاً بجراحه وآلامه وإخفاقاته، تكتنفه حالةٌ من عدم اليقين حيال مستقبل الحرب والسلام في هذا البلد، على الرغم من التطورات المهمة التي أسفرت عنها أحدث جولة من المشاورات السياسية التي جمعت طرفي الصراع في العاصمة السويدية ستوكهولم أوائل  ديسمبر الماضي برعاية من الأمم المتحدة، وأسفرت عن التوصل إلى «اتفاق ستوكهولم» الذي تعزز بقرار صادر عن مجلس الأمن برقم 2451.

وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الاتفاق يواجه تحدياتٍ عديدةً، لأن طرفي الصراع ممثلين بالحكومة الشرعية وجماعة الحوثي الانقلابية، التي تسيطر على صنعاء وعدد من المحافظات في شمال وشمال غرب البلاد، يغرقان في التفاصيل التي تهدد بفشل اتفاق ستوكهولم، سواء تعلق الأمر بالتهدئة وإعادة الانتشار في محافظة الحديدة وموانئها، أو بالتهدئة في تعز، أو حتى بالشق المتعلق بتبادل الأسرى والمعتقلين والمختطفين والمفقودين والقتلى، والذي كان قد تبدى كأقل أجزاء اتفاق ستوكهولم تعقيداً.

تتبدى خارطة اليمن في مستهل العام الجديد مفتوحةً على مواجهات مسلحة لم تتوقف في جبهات عدة، تحركها هواجس السعودية ورغبتها في توسيع نطاق الخط الفاصل بين أراضيها والأراضي اليمنية، للتقليل من تأثير الهجمات التي يشنها الحوثيون على الجانب السعودي من الحدود، والتي بلغت العمق الإستراتيجي للمملكة باستخدام الصواريخ الإستراتيجية والتكتيكية والطائرات المسيرة، والتي ضربت مطاري دبي وأبوظبي وهي روايات حوثية أكدها مسؤولون أمريكيون في مناسبات عديدة.

تعتمد السعودية في معركة تأمين الحدود على سلاحها الضارب الطيران، وميدانياً على مقاتلين تجلبهم من محافظات يمنية مختلفة وبالأخص من محافظات تعز وإب وبعض المحافظات الجنوبية، حيث يشكل هؤلاء المقاتلون خليطاً من سلفيين وشباب تدفعهم الحاجة المعيشية للانخراط في مهمة عسكرية تجري تحت العلم اليمني لكنها تتوخى تحقيق أهداف سعودية بحتة، في مقابل تجميد العمليات العسكرية في أكثر الجبهات حسماً مع الحوثيين خصوصاً تلك التي تمثل أولية إستراتيجية للحكومة الشرعية وللمتحمسين لإنهاء التمرد والانقلاب واستعادة الدولة.

ويأتي في مقدمة تلك الأولويات جبهة نهم التي لا تبعد سوى (30) كيلو متراً إلى الشرق من العاصمة صنعاء، وصرواح التي تشكل جبهة أخرى أبعد قليلاً إلى الجنوب الشرقي للعاصمة، بالإضافة إلى جبهة الجوف التي تتاخم ريف صنعاء من الناحية الشرقية، وتتاخم صعدة معقل الحوثيين من الناحية الجنوبية، بالإضافة إلى جبهة تعز التي تشكل مركز الثقل السكاني ونقطة الحسم الأهم في سياق المواجهة بين مشروعي الدولة والانقلاب في اليمن.

يُسوِّقُ «البعض»، وضمن مهمة منسقة، سلسلةً لا تنتهي من الأكاذيب التي تهدف إلى تقويض السمعة الأخلاقية والمهنية والوطنية لوحدات الجيش، عبر وصم القوات المرابطة في الجبهات الرئيسية البعيدة عن الحدود السعودية، بالتخاذل وعدم الإفادة من الإمكانيات المتاحة من قبل التحالف، بل واتهام القيادات العسكرية بتقديم بلاغات كاذبة للتحالف تنتهي بحسب مزاعم هؤلاء المعلقين بضرب الوحدات العسكرية التابعة للجيش الوطني أثناء محاولات تقدمها باتجاه مواقع الحوثيين، على نحو ما يجري في نهم وصرواح والجوف أو حتى في تعز أملاً في صرف الأنظار عن سياسة كبح الجبهات التي يمارسها التحالف لدوافع أيديولوجية تحركها الخصومة مع المكون السياسي الأبرز في الشرعية وهو التجمع اليمني للإصلاح الذي يصنف كذراع سياسي لجماعة الإخوان المسلمين.

وعلى عكس ما كان يتطلع إليه اليمنيون، بقيت الحكومة الشرعية على حالها من الضعف واستلاب القرار. فقد عمل التحالف على إضعاف الحكومة التي يقودها أحمد عبيد بن دغر الذي دفع به الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى ساحة المواجهة الحرجة مع الإمارات في مستهل العام 2018 على خلفية المحاولات المباشرة  لفرض السيطرة العسكرية على محافظة أرخبيل سقطرى.

لقد دفع ضغط التحالف على الرئيس هادي لتعيين رئيس وزراء جديد هو الدكتور معين عبد الملك سعيد، بدلاً من الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وتم التخلص من ثلاثة وزراء محسوبين على الإصلاح، فيما سارعت السعودية لتقديم الدعم المالي لهذه الحكومة من أجل وقف تدهور الريال الذي بلغ مستويات قياسية غير مسبوقة، قبل أن يحظى باستقرار هش، مع بقاء التحديات الاقتصادية على حالها بسبب تراجع نفوذ الحكومة وعدم قدرتها على الإفادة من الموارد الاقتصادية كالنفط والغاز التي تشكل أهم مصادر البلاد للحصول على العملة الصعبة.

لقد أقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي رئيس الحكومة السابق بطريقة مهينة، وأحاله إلى التحقيق، على نحو فهم منه أن الرئيس ربما توصل إلى عقد صفقة مع التحالف، نرى أبرز مؤشراته تتجلى في تقديم التسهيلات للرئيس لاستعادة السلطة التشريعية التي لا تزال حتى اللحظة تقع تحت هيمنة الحوثيين، في ظل معلومات تفيد بوجود نحو 140 نائباً في الرياض استعداداً لعقد أول اجتماع لمجلس النواب.

لكن لا توجد في تقديري أية ضمانات على أن الرئيس سوف يتجاوز هذا العام دون أن يفقد صلاحياته كرئيس، في ضوء التطورات التي اكتنفت مشاورات ستوكهولم والتي، عكست تحولاً في الموقف الدولي لصالح إيقاف الحرب، أجبرت الرياض على ممارسة ضغوطات على الحكومة الشرعية القابعة في العاصمة السعودية بلا حول ولا قوة، للقبول بالذهاب إلى ستوكهولم والقبول باتفاق يقضي بتفكيك الأزمة والحرب في اليمن إلى مناطق صراع منفصلة كما نرى في الحديدة، ومساواة المتمردين بالسلطة الشرعية من حيث المركز القانوني.

لقد أفضى هذا الاتفاق واقعاً معقداً في الحديدة إذ لم تحسم الأمم المتحدة أمرها بشأن تبعية السلطة المحلية المخولة بإدارة الحديدة وموانئها إدارياً وأمنياً، في الوقت الذي تصر فيه السلطة الشرعية على أنها من صلاحياتها الدستورية والقانونية.

هذه التعقيدات في حال تحللت الرياض والسلطة الشرعية من الضغوط الدولية، خصوصاً بعد استقالة وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، الذي يقف خلف عقد مشاورات ستوكهولم، قد تؤدي إلى فشل النموذج الأممي في إرساء السلام عبر منطقة الصراع المنفصلة في الحديدة، وتقضي على رهانها في التوصل إلى السلام عبر مسار المفاوضات الذي يخطط المبعوث الأممي لاستئنافها نهاي الشهر الجاري في الكويت على الأرجح.

ثمة دلائل قوية على أن التحالف سوف يتصرف في المدى المنظور بقدر من عدم الاكتراث حيال مستقبل الصراع الدائر في اليمن والذي يغوص فيه حتى العنق.

فقد تصرف طيلة السنوات الماضية بخبث شديد في الجغرافيا اليمنية، حيث عمل على تعميق الانقسام الجغرافي والاجتماعي والنفسي، أملاً في تأسيس مناطق نفوذ، على ساحة منقسمة ومتصارعة ومستسلمة للتدخل الخارجي وللإغراءات متعددة الأوجه التي يلوح بها هذا التدخل. وليس من المستبعد أن يختتم هذا التحالف مهمته في اليمن بالإبقاء على مسببات الصراع قائمة دون حسم مع ضمان بقاء منسوب قدرته في الوصول إلى عمق الجغرافيا والأزمة والحرب في اليمن بنفس مستواه الحالي. 

لقد لخص وزير الدولة الإماراتي للشئون الخارجية، أنور قرقاش، الذي يوصف بأنه لسان حال الرجل القوي في الإمارات محمد بن زايد، المشهد في اليمن عام 2019، على هذا النحو، بتأكيده أن «التحالف العربي في موقع أفضل» ولم يقل السلطة الشرعية، وتحدث أيضاً عن «انفراجات في الأزمة، وتضعضعاً سياسياً لموقف الحوثي»، ولم يقل تضعضعاً عسكرياً خصوصاً وأنه أقر في تغريداته على تويتر بأن «الطريق ما زال وعراً، والمسائل اليمنية لا بد من أن يمهّد لها حوار يمني داخلي جدي».
عن قناة (تي آر تي)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى