«الإرادة الدولية» لوقف النزاع هي الاسم الحركي للوصاية

> «الأيام» عن «ميدل إيست»

>
 احتلت القوات البريطانية مدينة عدن، بعد اختلاق ذريعة سخيفة، على أمل أن تحتل بقية اليمن، لكنها واجهت مقاومة عنيفة من قبل السلاطين اليمنيين ورجال القبائل. تفاهم البريطانيون مع العثمانيين في العام 1913، واقتسموا اليمن، شمالي (عثماني) بعد أن وقع الإمام يحيى بن حميد الدين، إمام الزيدية، اتفاقية «دعان» في العام 1911 التي اعترف بموجبها بالحق الشرعي للسلطنة العثمانية (دولة الخلافة) مقابل الاعتراف به إماما على الزيدية. وجنوبي (بريطاني)، كأمر واقع.

في العام 1918 وبعد خروج العثمانيين من الجزيرة العربية على خلفية «الثورة العربية» في العام 1916، أعلن الإمام يحيى بن حميد الدين المتوكل (إمام الزيدية) عن قيام «الدولة المتوكلية» في الشمال، وشرع بحملة عسكرية لتوحيد البلاد، لكنه فشل، بسبب التفاوت الكبير بين قواته والقوات البريطانية في الجنوب. وهكذا استقر الأمر في اليمن، حتى ستينيات القرن الماضي، حيث أطاحت ثورة سبتمبر في العام 1962 بالحكم الإمامي في الشمال وأقامت الجمهورية، وتبعتها ثورة في الجنوب، بدعم من حكومة الشمال بقيادة عبدالله السلال، ومن خلفه العراق ومصر وبعض الدول العربية. وقد نجحت ثورة الجنوب في العام 1967 وخرج البريطانيون، مثلما تكرس النظام الجمهوري في الشمال، لكن على حساب السلال، الذي غادر الحكم بصفقة سعودية مصرية، بعد التداعيات التي أحدثتها نكسة حزيران وانسحاب الجيش المصري من اليمن، الذي جاء لتثبيت الحكم الجمهوري، حيث عارضته المملكة العربية السعودية ودعمت الإمام بدر، آخر الأئمة وأخيرهم. ولم تعد هناك إمكانية لتوحيد اليمن، وقتذاك، بسبب الإرباك الذي حصل في الشمال، بعد الانقلاب المتفق عليه (سرا) بين عبد الناصر والملك فيصل بين عبدالعزيز في قمة الخرطوم (قمة اللاءات الثلاث)، لإنهاء الحرب في اليمن، حيث جاء عبدالرحمن الإرياني بانقلاب عسكري مدبر، كما أشرنا.

بدا واضحا انقسام قيادة الجنوب (الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن) بعد التحرير، كونها أصلا تشكلت من ائتلاف بين يساريين قوميين ويساريين ماركسيين، وحصلت انقلابات عدة في الجنوب لا مجال لاستعراضها، وانعكس هذا على مشروع الوحدة التي كانت بالأساس هدفا مشتركا للثورة في الجنوب، لاسيما أن قائدها، قحطان الشعبي، عيّن من قبل السلال وزيرا لشؤون الوحدة التي كان ينبغي أن تتم بعد تحرير الجنوب، لكنها لم تتحقق وظل اليمن منقسما ويشهد نزاعات بين شماله وجنوبه بين مدة وأخرى، بسبب الخلافات العقائدية والطموحات السياسية. وعلى الرغم من تحقق الوحدة في العام 1990 لكنها تعرضت إلى هزات عنيفة، لم تجعلها تستقر على أرض صلبة إلى اليوم.

لعل قصة اليمن المعاصر، طويلة ومتشعبة جدا، لمن يريد أن يتناولها بالتفصيل، لكن الذي يهمنا هو ما يحصل فيه اليوم من صراع مؤلم، تداخلت فيه الأبعاد العقائدية المتناشزة، بالمصالح السياسية والشخصية، وانتهت إلى دخول اليمن، بكامل خارطته، في متاهة، بعد أن فتحت الخلافات بين الفرقاء، أبواب البلاد لتدخلات إقليمية ودولية، انتهت بها إلى ما تعيشه اليوم من خراب شامل.

لقد اعتقد كثيرون أن معركة الحديدة ستكون محطة فاصلة في الحرب، وأن أي طرف يربحها، سيفرض أغلب شروطه، إن لم تكن كلها، لأسباب موضوعية، ومن ثم يعود اليمن دولة فاعلة بقدر حجمها الطبيعي. لكن الذي حصل هو أن «الإرادة الدولية» التي تركت الفرقاء في حرب مرعبة لنحو أربع سنوات، فرضت مؤخرا، وقفا هشا لإطلاق النار، وإرغام المتحاربين على التفاوض، على أن يكون ميناء الحديدة تحت الإشراف الدولي!

لاشك أن هناك رغبة خارجية في إعادة اليمن إلى حالة ما قبل الاستقلال، ووضع اليد على موانئه ومرافقه المطلة على البحر الأحمر، للتحكم بهذا الممر الملاحي الهام، وأغراض أخرى، ولو إلى مرحلة معينة. وإن هذا لا يتم إلا بعد أن تكون البلاد مقسمة من الناحية الواقعية وإرادتها السياسية ضعيفة، تبعا لذلك، وهو ما يعكسه واقع اليمن اليوم.

قد يرى البعض أن هذا الطرح يندرج ضمن نظرية المؤامرة. لكن قراءة دقيقة لما مر به اليمن، والموقف الدولي المتفرج على الحرب، ومن ثم صحوته المفاجئة، وشروط السلام مقابل وصاية (دولية) على ميناء الحديدة، الشريان الأهم لحياة اليمنيين، تضعنا أمام هذه الحقائق، ما يعني أن اليمن، انضم عمليا إلى قائمة الدول العربية التي باتت تحت الوصاية الدولية، وفي سياق مخطط محكم، فشلنا في قراءة مدخلاته ومازلنا نفشل في قراءة مخرجاته، على الرغم من أن كل هذا، جرى على أجسادنا وفوق أشلائنا أوطاننا الممزقة.. والمستمرة في التمزق، للأسف!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى