"الأدب الساخر".. حروب فيسبوكية

> جواد الشريف

> كان أول ما فعلته سلمى حين فتحت عيونها صباحا أن أمسكت هاتفها الذكي، وتفقدت آخر تحديثات موقع التواصل الاجتماعي والواتس أب.. ثم قامت لتغسل وجهها وتعد الفطور لزوجها على عجل،  وبمجرد أن غادر البيت أسرعت فأعدت قهوتها، وخرجت بها للشرفة، وعلى صفحتها الشخصية كتبت: صباحكم وردي، وقهوة الصباح، فأجمل صباح.
وأخذت تتجول فيه منتظرة التعليقات والإعجابات.

وعلى مرمى حجر منها، كانت جارتها إيمان ما زالت في لحظات استيقاظها الأولى، زوجها يصرخ طالبا منها أن تتعجل بالقميص الذي تكويه، وقد وضعت جهازها مجاورا المكوى على طاولة الكوي، تترقب.. تقرأ تحديث سلمى، فتتحرك نار الغيرة في قلبها، وشعرت بالإهانة، فبينما جارتها تستمتع بفنجان القهوة، قائمة من الأعمال في انتظارها، فكتبت على صفحتها: صباحكم جميل كصباحي، صباح القهوة والشوكلاته الفاخرة، شُكرا يا أغلى الناس.

نشرته بالتزامن مع الكلمة الغاضبة من زوجها: ألم تنتهي بعد من الكي يا (...)؟
وكانت فعلا قد انتهت، فجرت إليه مسرعة، طارت بعدها للمطبخ تعد له إفطاره، وكانت تعد الأطباق وتسترق النظر من حين لآخر لجوالها لترى آخر المعلقين والمعجبين.

سلمى أنهت قهوتها على عجل، فأولادها الأكارم أصروا أن يكون طبق اليوم ورق العنب والكوسا، وطبخ هذا الطبق يحتاج لمجهود في تقوير الكوسا، ولف الورق وإعداد الحشوة وطهيه، سرّها عدد المعجبين بمنشورها، وأخذت تنظر بغيظ وحقد لمنشور جارتها وهي تقول: لم أعرف جارنا قبل اليوم كريما.
وعندما بدأت تعمل وتدندن بأناشيد تسلي بها نفسها، وتقفز لهاتفها من لحظة لأخرى تسرق حكمة فتنشرها، أو آية أو عظة، فكان رنين جرس الهاتف من جارتها الثالثة سهام ـ فوضعت السماعة على أذنها لتكمل عملها بيديها ـ وكان محور الحديث هو إيمان الكاذبة، وسر الشوكلاته الفاخرة، والانقلاب المفاجئ.

.... أتدرين لقد وضعت لي بالأمس إعجابا على صورة الكعكة التي صنعت ثم أزالته، إيه إنها الغيرة.. خمس وعشرون دقيقة من الغيبة، والأحاديث الفارغة حول فلانة التي تضع صورا حزينة هذه الفترة بكثرة، وسر الحزن هذا، وفلانة التي أخفت ملفها الشخصي من أيام، و تلك كثيرة التحديثات والحديث عن النفس وعن الخروج ووو، انتهت المكالمة بالعبارة المعتادة: (مالنا وللناس). (يا رب ما تكتبها غيبة)  المهم دعيني أتم طهي طعامي وترتيب منزلي وسأراك قريبا.

أغلقت السماعة وكان الوقت لتحلل في دماغها الأخبار التي سمعت من الجارة.. وكانت إيمان حينها قد بدأت سلسلة الاتصالات المصاحبة لأعمال البيت، تسمع من هذه فتحدثها عن تلك، ولا تلبث أن تنقل الحديث لهذه وتأخذ أخبار تلك. في دائرة الكل يغتاب ومغتاب.
تضع على صفحتها صورة لورود جميلة وتزينها بعبارة عن الوفاء والأصدقاء. وتضع إشارة لصديقاتها التي لم تكد تنتهي من الغيبة معهن وعنهن.. وتنهمر التعليقات، وعيون سلمى وسهام ترقبان، بغيظ ، بحقد، عن أي وفاء تتحدث، وأي أصدقاء.

وكرد غير متوقع يكون منشورًا من سلمى، عن شوقها الجارف لسهام، وهي التي لم تكد تغلق الهاتف معها، ودعوتها إياها لوقت قضاء وقت طيب معًا.
وهنا تبدأ حروب المنشورات، ومنها التعليقات، فتلك تكتب عن إخلاصها وخيانة الأصدقاء لها، وهذه عن النعيم الذي تعيشه والدلال الذي تراه، وتلك عن ابنها المدلل حبيب الجميع ونباهته. تتحرك الأحقاد، فتجري الحروف على لوحة المفاتيح من اقتباسات ومقولات ـ تخالف العقل والمنطق أحيانا ـ تعبر عنها.. وتستمر الحرب الفيسوكية يوميا على هذا الحال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى