احتفاء بالذكرى التاسعة لرحيل الفنان فيصل علوي

> كتب الفنان/ عصام خليدي

>  
يجيد البعض في هذا الزمان المـقفر والـــرديء ويتـــفنن في طــرائـــق وأسالـــيــب (استثمار) عذاباتنا وآلامنا وجراحاتنا المتخمة والمشبعة بالقهر والتعسف والاضطهاد فيتحول وينسلخ من (أدميته) إلى عالم وشريعة الغاب ليحيا على اقتناص واصطياد (نقاط الضعف) التي وجدت منذ الخليقة بشكل (فيزيائي وسيكولوجي) في طبيعة ومكونات النفس البشرية ووضعها الخالق سبحانه وتعالى بصورة استثنائية حميمة موصولة ووثيقة بالمشاعر والأحاسيس والأفئدة والقلوب، وتتجلى قدرة الجلالة الربانية في أعظم كائنات كوكب الأرض (الإنسان)، أنه بفعله وصنيعه يبني ويشيد ويعمر الحياة فيجعلها فردوساً وجنات ونعيماً أو سعيراً وناراً وظلمات.

جاءت هذه المقدمة تماشياً مع قدوم الذكرى (التاسعة) لرحيل (هبة السماء في فنون العزف والغناء) العملاق الفنان والإنسان فيصل علوي وانعكاساً للواقع السياسي/ الاقتصادي/ الاجتماعي/ الثقافي/ الحياتي.. الذي نعيشه في وقتنا الراهن فما يحدث في هذا الوطــن على اتساع رقعته الجغرافية بالــقطع من فعل وصـــنيع (الإنسان)، وبطبيعة الحال لا يخلو المرء من التأثر بما حوله من أحداث جسام سياسية وحروب مدمرة شهدناها جميعاً في خضم ومعترك الفترة الزمنية المنصرمة، فرضت نفسها على أسلوب ونهج الخطاب الثقافي والرسالة الفنية والأدبية والإبداعية بشكل مباشر فاعل قوي ومـــؤثر، تنتصب أمام أعيننا العديد من القضايا والمهام والمسئوليات الأخلاقية والسلوكية والإنسانية وما يوازيها من المتناقضات والمفارقات الرهيبة العجيبة نسمع ونشاهد أخطاءً فادحةً ارتكبت بحقنا وبحق أهالينا وأقاربنا وزملائنا في المهنة والاهتمامات والسلوكيات والقناعات والمزاج والذوق العام ُتشغلنا وتبعدنا بل تلهينا أمور الحياة عن متابعتها ومـناصرتها وفجأة نتذكرها ونجدها نصب أعـيننا (تـؤرقـنـا) فلا نقوى ولا نملك إلا مواجهتها رغم متطلبات وأعباء والتزامات الواقع المعيشية المرهقة المكلفة الباهظة.

ما دفعني للحديث عن ذلك قضية هامة من وجهة نظري تتعلق بواحدٍ من الفنانين الكبار، الفنان المتفرد المتميز الذي ارتبطت أغانيه بتراث لحج الخضيرة والإبداع، إنه المجدد والمطور المتألق فيصل علوي، حقيقة أستغرب في ظل هذا (الصمت المدوي) بأي منطق وتحت أية حجة أو مصوغ قانوني تم بيع وشراء واحتكار كافة الحقوق المادية والأدبية والمعنوية المتمثلة بالتجربة الإبداعية الخاصة والعامة التي ارتبطت فنياً مع فقيد الغناء اليمني الفنان فيصل علوي، تلك التجربة الفنية والإنسانية التي أسعدتنا وأشاعت البهجة والمحبة والسـعادة والفـرح في نـفوسنا وأرواحـنا وقلوبـنا (لتتم البيعة والصفقة) لصالح إحدى شــركات إنتـــاج الأغـــنية اليمـــنية بصــورة فـــجة ظــالمة قـــاسية مـــقابل حـــفنة ريـــالات لا تستــحق الإشــارة ولا تســاوي قيــمة شريــط كــاسيت واحـــد فـــقط (بعـقـد منهوب مسلوب القرار والإرادة ينص على الاحتكار الفني المؤبد مدى الحياة)، ومدوناً ومكتوباً اسم الشركة الفنية المنتجة المحتكرة على أشرطة الكاسيت المباعة المنتشرة في سوق الأغنية في اليمن، ولم يكتفِ الطرف المستفيد صاحب شركة الإنتاج بما وصل إليه من (ثروة وفوائد ومكاسب مالية كبيرة غير مسبوقة) تحـصل علــيها مـن (بن علوي) رحمه الله تحت ضغوطات مالية ملحة وشدة وطأة الحالة المرضية الصحية والظروف الصعبة والمعاناة النفسية والمادية والمعنوية القاهرة التي تعرض لها بسبب الإهمال والتغييب والتهميش والجحود والنكران من الجهات المختصة والرسمية في السنوات الأخيرة من حياته.

وكما أسلفنا لم يكتفِ صاحبنا (الصياد الماهر الشاطر) بذلك الأمر الأناني والتجاري غير العادل على الإطلاق بل أخـذ الفنان فيصل علوي في (لحظة غفلة وغفوة) بتاريــخه الفـني الثـري الزاخـر بالعـطاء الـنوعي المـتميز والمـتفرد (مقاطعة - مقاولة - وبالجملة) بصورة كاملة من كل النواحي، وهنا تكمن (الكارثة الكبرى) في سلب ونهب وإهدار الاستحقاقات المالية والأدبية والفكرية والمعنوية  للشعراء والملحنين الذي تعاطى معهم فنياً بمختلف المدارس الرائدة العملاقة والشامخة الفذة (في تاريخ الغناء اللحجي القديم والحديث المعاصر) التي ارتبطت بالفنان فيصل علوي إبداعياً على امتداد تجربته الغنائية والموسيقية الباذخة المضيئة والمتوهجة كالأساتذة العظماء: باعث النهضة الثقافية والفنية اللحجية وقاموسها البلاغي الغني المترف بالمفردات والألفاظ الشعبية الأصيلة وموثق وقائعها وأحداثها وخارطتها الجغرافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية.. الأمير أحمد فضل القمندان/ العلامة والشاعر الثائر والمتصوف عبدالله هادي سبيت/ الفيلسوف الأديب المناضل وصاحب الاستعارات المجازية اللغوية والصـور الشـعرية الأخـاذة صالح فقيه/ المجددين والمطورين في بناءات وتراكيب الجمل والقوالب الغنائية والموسيقية اللحجية فضل محمد اللحجي/ صلاح ناصر كرد/ وسعودي أحمد صالح والقائمة تطول بالأسماء البارزة والقامات الهامة.. صالح نصيب/ أحمد عباد الحسيني/ عبدالله سالم باجهل/ مسرور مبروك/ أحمد سالم امهيد/ عبده عبد الكريم/ أحمد صالح عيسى/ محمد العراشة/ الأمير محسن بن مهدي/ مهدي حمدون/ صالح حمدون/ أحمد سيف تابث/ سالم علي حــجيري/ صالح اللبن/ عوض كريشه/ عبدالحليم عامر/ عبده علي ياقوت/ محمود السلامي/ أحمد علي النصري، وآخرين من الأموات والأحياء الذين لازالوا يعانون بل اكتوت صدورهم وقلوبهم بنيران الاستغلال والجشع والاحتيال المسنودة المدعومة بقوة وجبروت العلاقات السلطوية الفاسدة في اليمن التي أباحت وشرعنت إهدار حقوق الملكية الفكرية والمادية والأدبية للمثقفين والفنانين والمبدعين (بسيناريو خـطّـط ونفذ بإحكام القبضة على مصادر رزقهم ولقمة عيشهم وضياع وتشتيت مستقبلهم) ذلك لغرض إذلالهم وتركيعهم وتكميم أفواههم عن (قول كلمة حق في أوجه الفساد القائم) وموتهم مع سبق الإصرار والترصد عشرات بل ومئات (الميتات)، وبطبيعة الحال هناك (استثناءات لأبواق السلطة) ممن يجيدون تغيير ضمائرهم وجلودهم ووجوههم (تجار الكلمة والنغمة حسب الطلبات والأوامر)، تصوروا حتى كتابة هذه السطور ذلك يحدث ويتم نهاراً جهاراً بلا حسيب أو رقيب أو صحوة ضمير..؟!! ماذا يمكن أن أضيف في زمن غابت به وانعدمت (رأس الحكمة) والعقل والضمير والأخلاق والقيم والمبادئ وصار من أبرز خصائصه وسماته وملامحه العنف والقوة والسقوط في مجاهل ظلمات التعصب والتطرف وإنكار الآخر وعدم الثقة والمصداقية والشفافية مقومات ومعطيات ومكونات (الأزمة الأخلاقية الحقيقية) التي نعاني من تبعاتها وويلاتها المدمرة القاتلة في عموم الوطن، زمن أرى فيه (الفساد) أصبح (طوفان) وعلينا (ضرورة إعادة بناء وترميم الإنسان من الداخل) نفسياً وأخلاقياً ودينياً وتربوياً وذلك في (اتباع  نظرية أنسنة الإنسان).

توفي الفنان المتألق الكبير/ فيصل علوي في صباح يوم الأحد 7/ فبراير/ 2010م في مستشفى الجمهورية التعليمي م/ عدن عن عمر يناهز 61 عاماً، إثر مرض عضال ألم به في الفترة الأخيرة من حياته..
رحم الله فقيدنا وفناننا الكبير بفنه الخالد بعطائه وخدمته للوطن المتواضع في سلوكه وأخلاقياته الأصيلة..
إنني بالأصالة عن الطيبين والغيورين من أبناء (لحج) الفن والجمال – العلم والثقافة – الخضيرة والإبداع..
(أحــذر) من العبث والفوضى والتصرفات العشوائية بتراث وفلكلور وفنون وموروث لحج الغنائي الإبداعي والإنساني الثقافي الأدبي السياسي والـفني الهائل والضخم (تـحت أيـة مسميات وعقود وصكوك) مهما بلغت قيمتها المادية فهي غير قانونية وباطلة بالشكل والمضمون، فلا يستطيع أحد في الكون (الإتجار والتكسب) بثروات وتاريخ وأصالة وحضارة (دلتا وادي تبن الهوية والكيان والوجدان والذاكرة الحية النابضة) بسكانها الحقيقيين الأوفياء الذين أقاموا وعاشوا فيها وتنامت جذورهم عالية باسقة شاهقة في جنباتها منذ الأزل وبداية الخليقة وشيدوا عليها أعظم الإنجازات والأمجاد سطروها ودونوها ووشموها في أروع وأنصع وأبهى صفحات الدهر والزمان نبراساً مضيئاً للأجيال المتعاقبة تضمنت في محتواها خلاصة التجارب والعبر والدروس الإبداعية والإنسانية.

نهاية المطاف
أنــاشـد دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور معين عبد الملك على ضرورة وأهمية العودة إلى قانون حماية حقوق الملكية المادية والفكرية والأدبية والمعنوية (وحق الأداء العلني) وإيجاد آلية تفعيل وتنفيذ نصوصها وبنودها القانونية وذلك من خـلال بناء واستـحداث وتأسيس (جهاز الشرطة القضائية) المعنية والمخـتصة بشــؤون وقضــايا الفن والــثقافة والإبـداع، ولا يسعني في هذه التناولة التي من خلالها حاولت محاكاة وملامسة تفاصيل حياتنا وما وصلنا إليه من شتات ووهن وتخبط إلا التذكير بما قاله الفيلسوف والأديب والشاعر المناضل صالح فقيه في إحدى قصائده الغنائية (الرمزية الثائرة) على الأوضاع المتسلطة والمستبدة القمعية حينها وتجسدت في أغنية (الدهر كله عمارة متى يكون السكون) التي ارتفع بها صوته هادراً إلى عنان السماء (كرمز وطني) ارتبطت أشعاره ارتباطاً وثيقاً بالدعوة إلى الإصلاح والتغيير والتحرر من قيود التخلف والأمية والخوف والفقر والعبودية والاضطهاد، فأبدع في صياغة لحنها متعدد الملكات والقدرات الأمير عبده عبد الكريم ووضع المقدمة الموسيقية (المستقلة) المطرزة بالنغمات العذبة الصافية الآسرة الفنان الكبير محمد سعد صنعاني، وشذا بها وغناها فناننا المتألق (عندليب وادي تبن) عبد الكريم توفيق في بداياته الفنية الأولى.. أطال الله في عمره ومتعه بالصحة وتاج العافية..
 ولا يسعني إلا أن أقــدم في مــسك الــختام أبيــات القصيدة الــغنائية الشهـــيرة (الدهر كله عمارة متى يكون السكون) التي تتطابق في مضامينها ومعانيها ودلالاتها الشعرية إلى درجة التشابه والتماس مع واقعنا وحاضـرنا الراهن.

الدهر كله عمارة متى يكون السكون..
يا ضارب الرمل قالوا الرمل تحته عيون/ بالكنز مـدفـون والتنجيم حقـــك جنون/ إن كان ذا صدق جاك المال فوق البنون/ افرح وغني وذيــع العــلم بالميكرفــون/ يا مالك الملك لك في بعض خلقك شـئون/ تعطي وتمنع وأمــرك بين كــاف ونـون/ والمجتمع بعضهم خايف وبعضهم أمون/ وحــد جـدادي ولا يســأل ولا يحزنــون/ وأنت على كيف ساكت يا جلـيل الـقرون/ والمدعي جاء يطالب بك وساهن سهــون/ احسم أمورك على أرضك وحافظ وصون/ من قبل تدفع على النعجة وبنت اللــبون/ انظر ترى كم مشرد غير ذي في السجون/ وبعضهم نـال ما نالت مـديــنة لــيون/ وبايـجي الدور دورك يوم هز الذقــون/ يا بيعة الرخص من بعد الغـلاء والزبـون/ يتفاوضوا في شؤونك وأنت خالي الشجون/ والشور شورك بغيرك كل شي ما يـــكون/ وأنته لك الحق تمنع كل من بايخـــون/ توقفه يوم خابت فــيه كـل الضـــنون/ والذنـب ذنب الذي خلاك دايــم تهـون/ خلاك خاضع لأهل البيع وأهل الرهـــون/ لاعبــد هذا ولا عــندك لــهذا ديـون/ لكنه الجهل ذي خلاك في الــــناس دون/ وأصبحت خائف ولا تعرف بأرضك سكون/ وأن جيت تشكي يقولوا الجدر فــاعل أذون/ قم كسر الجدر وأعمر حيث ساسه حصون/ وصحح الوضع ذي للشرط ذي فيه يــهون.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى