تمنع عاصمة قتبان

> إعداد علوي بن سميط

> قتبان من ممالك العربية السعيدة تجاور حضرموت المملكة بل دخلت قتبان ضمن جغرافية حضرموت في القرون الأولى وقبلها في حروب ومعارك لأسباب اقتصادية وباعتبارهما من الممالك التي تسيطر على طريق التجارة قتبان - بيحان ماذا عن عاصمتهما؟ أنقل ذلك نصاً وحرفاً من المقال العلمي لوليام غلانزمان:
«يحتل موقع هجر كحلان موقعاً مسيطراً عند مخرج وادي بيحان إلى صحراء صهيد وهو إجمالياً ذو شكل مستطيل يرتفع حوالي 25 متراً فوق مستوى الوادي ويغطي مساحة 19،48 هكتاراً ويبلغ جدار سوره 1850 متراً مع أربعة أبواب في الشمال الغربي والشمال الشرقي والجنوب الشرقي والجنوب الغربي، أما موقع المدينة فيمليه عاملان: أراض زراعية واسعة تصونها شبكة ممتازة من قنوات الريّ ومدخل مباشر إلى دروب القوافل القديمة المؤدية إلى أسواق البحر المتوسط.

عرف العالم الغربي تمنع في القرن الأول بفضل الإغريقي سترابون والعالم الطبيعي الروماني بليني القديم وكان كلاهما قد ذكراها عاصمة لقتبان وتعطي النقوش المستخرجة من موقع الباب الجنوبي الغربي اسمها.
 يتحدث بليني القديم عن تمنع وتجارة قوافلها وفي قصته عن تجاة اللبان يقرر أنه كان يقطف وينقل بواسطة الجمال نحو شبوة أولاً ثم عبر بلاد الجبّانيتيه Gebbanitae (أي القتبانيين) حتى تمنع حيث كان الملك وكبار موظفيه يقتطعون جزءاً، ويشير إلى وجود خمسة وستين معبداً في المدينة وقبل حفريات المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان عامي 1950-1951 عثر أوائل المكتشفين عن المسلة المنقوشة لشهر هلال أحد كبار الملوك القتبانيين وسجلوا عدداً من نقوش الباب الجنوبي الغربي التي قدمت أولى المعارف الواسعة عن القوانين العربية الجنوبية وكانت جميعهاً محفورة على الوجه الأيسر الخارجي المشاهد لدى الدخول إلى المدينة. يتألف هذا الباب من برجين مصنوعين من لوحات صوّانية كبيرة موضوعة مجانبة وهي مصقولة ومسوّاة ومحصورة بحجارة صغيرة وهناك درب مبلّط يقود إلى ساحة ومن الجانبين عندما ندخل نعثر على آثار مقاعد كان يجلس عليها وجهاء المدينة والحرّاس.

لقد عثر على مسلة شهر هلال داخل الموقع ذاته ضمن قطاع لم تجر فيه حفريات بعد ربما كان يستخدم كسوق إذ إنّه يحمل (قانون قتبان التجاري) المحفوظ جزئياً والذي يقرر أن التجارة تقتصر على قطاع من المدينة يُسمّى شمر ربما كان الساحة التي كانت تنتصب فيها المسلّة ويسجل القانون أنه يتوجب على القتبانيين والمعينيين وسائر من كانت لهم ملكية في المدينة أن يدفعوا رسم السوق إذا ما أجّروا مالهم إلى أحد التجار. لم نعثر حتى اليوم على كل حال على أي آثار أكيدة للمعابد الخمسة والستين الذين أشار إليهم بليني القديم. لقد عثر أحد المزارعين المحليين على لوحة برونزية مهداة إلى آلهة ما عندما كانت المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان تبدأ (حفريات هينمان) سوى أنه لم تكتشف أية بنية دينية. وتصل أبعاد الصرح الكبير الذي أطلقت عليه المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان اسم ( TT1) (أي معبد تمنع رقم 1) والموجه شرق - غرب إلى 49 ×41،5 متراً ويقع بين مجموعتين واسعتين ومستطيلتين من الأنقاض في الشمال وفي الجنوب وينسجم مع مجموع مكاني كما أنه رُمّم عدة مرات ويكشف استقصاء عميق على الجانب الشرقي عن جزء من البنية الأصلية المشيّدة من أحجار صوّانية موضوعة جانبياً كالباب الجنوبي الغربي وهي تقوم على مصطبة سميكة ذات النمط نفسه من البناء وهناك ثمانية جدران عميقة تشير إلى جوانب الشمال والشرق والجنوب يملك النصف الشرقي من المبنى جناحاً وتلتصق به مقصورات صغيرة ذات جدران رقيقة مبنية من الحجارة واللبن وفيما بعد امتدت البنية نحو الغرب بواسطة كتل من الحجارة المستطيلة. يملك هذا النصف الغربي باحة محاطة بآثار قواعد مربعة الشكل كانت تحمل التماثيل قديماً وقاعة طويلة في الأسفل مجزّأة بجدران وسلّم مبنيّ في جدار بارز على امتداد الجدار الجنوبي وباحة خارجية واسعة في الشمال كمدخل رئيسي. تتكون أرضا الجزأين الشرقي والغربي من حجارة مسطحة ويقود سلم عريض من الباحة الغربية في الأسفل إلى الباحة الشرقية في الأعلى ويتواجد على طول الجانب الشمالي من المبنى قطاع مبلّط وحوض ماء مستطيل من الحجر يصل الماء إليه بواسطة قناة آتية من الباحة.

استخرج حوالي ألف قطعة خلال الحفريات التي أجريت في الصرح الكبير معظمها كسرات فخّار عثر عليها بالقرب من مقصورات ضيقة كما جُمعت قطع حوض مكسور من البرونز كانت قد تفتت 58 قطعة وكذلك استخرج باقي قواعد التماثيل الثلاثة عشر والتي تحمل نقوش إهداءات ملكية مع تنويعات في الصيغة كانت واحدة منها فقط سليمة في مكانها نقرأ فيها أن شهر يجل يهرجب ملك قتبان قد كرّس القاعدة والتمثال وكانت خمسة قواعد أخرى تحمل تماثيل صغيرة وهي تذكر إهداءات ملغزة إلى “بنات إيل” (الإله) وتذكر كتل أخرى منقوشة شهر هلال  يهقبض ملك قتبان وتمثال نذري من البرونز سوى أنه لم يعثر على أي واحد من هذه التماثيل وهناك مجموعتان من الحروف المنقوشة على البلاط الحجري المسطح في أقصى الشمال الشرقي من الباحة تقدّمان أول أبجدية عربية جنوبية مدونة حسب نظام تسلسلها الخاص بها.

وقد كشفت المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان خلال حفرياتها مجموعة مؤلفة من أربعة مباني قرب الباب الجنوبي الغربي في الداخل الغربي في الداخل وتحاذي ساحة تتلوّى منها الطرق عبر المدينة. تم التعرف على ثلاثة من هذه المساكن بواسطة الحروف العربية الجنوبية المنقوشة على الجدران الخارجية بيت يفع في الجانب الغربي من الساحة بيت يفيش في الجانب الشمالي بيت حدث في الجانب الشرقي صُنعت الجدران الخارجية من حجارة مقصّبة دون إتقان وموضوعة في صفوف غير منتظمة. وفي عام 1967 قام الإنجليز بالتنقيب في عدة بيوت أخرى تقع بالقرب من المسلّة كشفت عن بنى مشابهة للبيوت الواقعة بالقرب من الباب الجنوبي الغربي. فالبناء المنفصل في أقصى الشمال عن بيت حدث بطريق شرقي غربي مبني على مصطبة وهو مشيد من كتل حجرية أكبر تمّ صقلها ونحتها بصورة دقيقة وعلى جانبه الجنوبي ثمة أرض مبلّطة بحجارة مسطحة كانت تتحمل قديماً الأعمدة الخشبية لبوابة ضخمة وربما كان هذا البناء الفريد من نوعه مبنى حكومياً. أما الغرف الأرضية لهذه الدارات الحضرية فهي في حالة جيدة وتكشف عن ترميمات عديدة تؤكد النقوش بعضها. ينقسم دهليزها المركزي بواسطة عدة فواصل وكانت هناك سلالم داخلية تؤدي إلى الطوابق العليا التي انهارات أثناء تدمير المدينة كان بيت يفع قد بناه شهر هلال يهقبض من أجل سريته وأسرتها في حين أن بيت يفيش كان يؤوي ورشات في الطابق الأرضي ومستودع للبان وطابق أول وقد أجريت تجديدات عديدة خلال عهد يدع أب غيلان. كانت تتواجد في بعض الغرف مجموعات من الجرّات الفخارية السليمة أو التي يمكن إعادة تكوينها بالترميم وأجران ومدقات هاون حجرية وقصعات مطبخ من حجر الطلق وكلها يعكس النشاط اليومي في التخزين وإعداد الطعام. وتشهد المصاهر والبقايا المعدنية وقطع النحاس في العديد من (الدارات) في المدينة بما في ذلك دارات يفش وحدث على وجود ورشات معدنية كما عثر أيضاً على الكثير من البضائع الفاخرة المستوردة:
كخزف المواد المصنوع في روما وبعض البلدان الغربية اعتباراً من عهد أغسطس والمسمى باللاتينية sigillata terra والخزف المدهون من بارتس parthes والجرات ذات العروتين المتوسطية والتي كانت تستخدم لاحتواء الزيت أو النبيذ (الأمفورا).

وعلى طول الجدار الخارجي الجنوبي لبيت يفش استخرج تمثال (الحبيبين الراكبين فوق الأسود) الذي يذكر أسلوبه بالمدرسة الفنية العاملة في الإسكندرية في القرنين الثاني والأوّل قبل الميلاد. وهاتان القطعتان المصنوعتان بواسطة بواسطة قالب شمعي تحملان نفس النقش بخط المسند مباركاً بيت ثويب وعقرب، أي المالك وابنه، وفي إحدى غرف بيت حدث اكتشف التمثال الصغير الشهير من البرونز المحكم الصنع لـ«السيدة برأت”.

ويذكر أسلوبه النحتي بالتقليد الإغريقي المتأخر في منتصف القرن الأول قبل الميلاد.
كان سكان تمنع يدفنون موتاهم في مقبرة تقع الجبل المجاور المسمّى حيد بن عقيل.

لقد عرفت المدينة نهاية مأساوية ولا شك بسبب الخصومات السياسية مع مملكة حضرموت بين عامي 10 و 50 ميلادية، ومن الممكن أن تكون العاصمة قد انتقلت آنئذ نحو هجر بن حميد على مسافة 12 كلم باتجاه الجنوب، ففي كل مكان تبيّن مدينة تمنع آثار انفجار: طبقات سميكة من الرماد حجارة محروقة وكتل من الطوب الذائب والملتحم معاً. لقد نهب سكان المدينة المباني وحطّموا قطعاً ثمينة إن لدينا في تمنع مدينة «بومبي” عربية جنوبية حقيقية في كلّ عظمتها.

ص 110/111/112 كتاب اليمن في بلاد مملكة سبأ

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى