الفشل يحاصر جريفيثس.. من سلام شامل إلى فتح طريق في الحديدة

> «الأيام» العربي الجديد

>
بات معتاداً أن تهبط طائرة المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيثس بصورة شبه أسبوعية في صنعاء لعقد لقاءات مع قيادات جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، لكنها على ما يبدو تدور في ما يشبه حلقة مفرغة، في إطار محاولاته قطع خطوة واحدة إلى الأمام باتفاق مدينة الحديدة المتعثر تنفيذه حتى اليوم، على نحو تتراجع معه يوماً بعد يوم الآمال المعقودة على الأمم المتحدة برعاية حل يمني شامل ينهي الحرب الدائرة في البلاد منذ سنوات.

وتستغرق زيارات جريفيثس إلى صنعاء، وآخرها الثلاثاء الماضي، ما يزيد عن 48 ساعة أسبوعياً في الغالب. وانتهت اجتماعات هذه المرة كأغلب الاجتماعات التي عقدت في الشهرين الأخيرين، دون أن يخرج مبعوث الأمم المتحدة بنتائج مثمرة تُطبق على أرض الواقع في ما يتعلق باتفاق السويد المبرم في ديسمبر 2018، بين الحكومة اليمنية والحوثيين، سواء كان ذلك مرتبطاً بالحديدة أو اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين. وكلاهما أبرز ما خرجت به محادثات ستوكهولم.

وكان جريفيثس غادر صنعاء، الخميس الماضي، إلى العاصمة الأردنية عمّان، حيث مقر مكتبه وفريق عمله، بعدما كان من المتوقع أن يتوجه إلى الرياض، حيث يقيم الرئيس عبدربه منصور هادي وأبرز مسؤولي الشرعية، لعرض نتائج زيارته الأخيرة إلى صنعاء، والتي تزامنت مع الانسداد الذي برز أمام خطة رئيس فريق المراقبين الدوليين في الحديدة الجنرال مايكل لوليسغارد، حيث توقف تنفيذ المرحلة الأولى من إعادة الانتشار المتبادل للقوات في الحديدة، والتي كان جريفيثس قد أبلغ مجلس الأمن الدولي، منذ أسبوع، أن الطرفين وافقا على تنفيذها.

وأظهرت تطورات الأسابيع الأخيرة على الأقل، أن جريفيثس الذي يتحرك مشمولاً بدعم دولي غير مسبوق، خصوصاً من بلاده بريطانيا التي تتولى مهمة «حاملة القلم» في الشأن اليمني في مجلس الأمن، يمضي في طريق شبه مسدود. فبدلاً من المفاوضات التي كان من المقرر أن تنطلق في يناير الماضي للاتفاق حول ما لم يتم الاتفاق عليه في السويد، باتت جهوده تتمحور حول السعي لإنقاذ اتفاق الحديدة الذي لم ينجح سوى بوقف إطلاق النار، في حين أن عوامل الانفجار لا تزال كامنة.

وكشفت مصادر قريبة من الحكومة اليمنية أن جريفيثس أبلغ الجانب الحكومي أخيراً بنية تنظيم جولة مشاورات جديدة نهاية مارس الحالي، وهو الموعد الذي يترافق مع إكمال أربعة أعوام على التدخل العسكري للتحالف العربي، لكن الجانب الحكومي يواجه أي حديث من جريفيثس عن مفاوضات جديدة، بشرط حاسم، يتمثل في ضرورة تنفيذ اتفاق السويد قبل الذهاب إلى أي مشاورات جديدة لـ «تجريب المجرب».

ومنذ تدشين عمله كمبعوث إلى اليمن في مارس الماضي، خصوصاً مع بدء تصعيد الحديدة، في يونيو 2018، مثّل مجلس الأمن الدولي مرآة للدعم الدولي الذي يتمتع به جريفيثس، من خلال العدد الكبير من الجلسات التي يعقدها المجلس لمواكبة التطورات اليمنية والقرارات التي صدرت، أبرزها القراران 2451 و2452، اللذان صدرا عقب محادثات ستوكهولم لدعم مقرراتها. كما تواصل لندن دعمه أيضاً، إذ بدأ وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، جولة تشمل سلطنة عمان والسعودية والإمارات لبحث عملية السلام في اليمن. وأعلن هانت، في تغريدة على «تويتر» أمس الأول الجمعة، أنه «اجتمع في مسقط مع المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبدالسلام». وكتب: «أرحّب بالتقدم في مباحثات ميناء الحديدة، لكن يتعين انسحاب قوات الحوثي قريباً، للحفاظ على الثقة في اتفاق ستوكهولم، والسماح بفتح قنوات إنسانية حيوية».

لكن كل ذلك لم يمنح المبعوث الأممي قدرة على تحقيق اختراق أساسي مطلوب في الحديدة، وهو تحديد الطرف المسؤول عن أمن المدينة والموانئ والسلطة المحلية فيها، ما يشكّل جوهر الخلاف بشأن اتفاق السويد. ولم ينجح جريفيثس خلال العدد الكبير من الزيارات إلى صنعاء والرياض بتجاوز هذه العقبة، بل إن الجهود تراجعت أحياناً، من الآمال العريضة بتنفيذ الاتفاق إلى مفاوضات وبيانات دولية تهدف إلى فتح ممر إنساني يسمح بوصول فرق الأمم المتحدة إلى مخازن الحبوب التابعة لبرنامج الأغذية العالمي في شركة مطاحن البحر الأحمر جنوب الحديدة، وهو ما تم أخيراً وبعد مفاوضات وعراقيل استمرت لأسابيع.

وبالإضافة إلى التعثر الذي يواجه العملية السياسية بقيادة جريفيثس في ما يتعلق بتحويل اتفاق السويد من حبر على ورق إلى خطوات على أرض الواقع، يواجه المبعوث الأممي أزمة إضافية مع مسؤولي الشرعية، الذين بات العديد منهم ينظرون إليه كوسيط «غير محايد»، وآخر ذلك، تصريح عضو الوفد الحكومي عسكر زعيل، الذي كتب، على حسابه بـ «تويتر» أنه في «ليلة إحاطة المبعوث ورئيس فريق الرقابة مايكل لوليسغارد الأخيرة لمجلس الأمن، هرع جريفيثس قبلها إلى صنعاء للقاء الحوثيين وحثهم على الموافقة على تنفيذ الاتفاق حرصاً منه على أن يقدم إحاطته مقرونة باتفاق الطرفين، حتى لا يشير إلى أنهم عرقلوا التنفيذ ولكنهم فعلاً لم ينفذوا»، في إشارة إلى الموقف الذي أعلنه الحوثيون منذ أسبوع، بأنهم ينتظرون إشارة لوليسغارد لبدء «إعادة الانتشار».

ويأتي الموقف الحكومي الناقد لجريفيثس، والذي بات يتردد على لسان أكثر من مسؤول، في ظل حالة الرضا التي يبديها الحوثيون عن مواقف المبعوث الدولي، خلافاً لسلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والذي رفضت الجماعة التعامل معه في الشهور الأخيرة من مهمته واعتبرته وسيطاً منحازاً لطرف التحالف.

وبصرف النظر عن المواقف، فإنه يبدو في المحصلة أن جريفيثس، الذي نجح بمساعدة الضغط الدولي الكبير في تنظيم مشاورات السويد وما خرجت به من اتفاقات، بات الفشل حليفه في ما يتعلق بجهود تنفيذ ما اتفق عليه الطرفان، باستثناء وقف إطلاق النار الذي لا يزال صامداً، رغم الخروقات المحدودة بصورة يومية، مثلما أن الدائرة المحورية لتحركاته تصغر، من إيجاد حل سلمي شامل للبلاد إلى تحقيق اختراقات جزئية في الحديدة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى