كرش.. إهمال متعاقب أحرم أهلها العيش الكريم

> تقرير/ منصور الصبيحي

>
يوجد بها حمام الحويمي ذو المياه الكبريتية المفيدة

مديرية كرش بوابة الجنوب الغربية، تقع إلى الشمال من محافظة لحج، ارتبطت منذ القدم بالحرمان من أبسط مقومات الحياة نتيجة لوقوعها في خط التماس بين دولتي الجنوب الشمال قبل الوحدة وما بعدها.
مديرية تفترش سجاد الضياع، ويعيش أهلها الإهمال، على أرض مترامية الأطراف، تمتد من محاذاة الجهة الغربية لقاعدة العند (الإستراتيجية) مرورًا بوادي عابرين من الجهة الشمالية، وصولًا إلى حدود مديرية طور الباحة جنوباً، وتمد غربًا حتى تماس جبال وقرى القبيطة، يجمعها حدود بمديرية ماوية من جهة الشمال الغربي وحدود شمالية مع مديرية المسيمير يتقاسمان وادي ورزات من ملتقى جسر عقان حتى منطقة أسفل قرية المليح لوادي نعمان، يخترقها من الجهة الغربية بطول نحو خمسة عشر كيلومتراً إلى نقطة انحرافة باتجاه مديرية المسيمير شرقاً.
سوق كرش
سوق كرش

كرش غدت يوماً مسرحاً لصراعات عديدة تتجاذب بين السلطنات والمشيخات من جهة، والاستعمار وما يغذيهِ من جهة أخرى، من تفكك على الصعيد ككل عليها ومن حولها، فذلك التجاذب عنوانه مطمع نفوذ ونافذة لسيطرة على طرق التجارة من وإلى تعز ثم الشمال بغرض فرض رسوم الجباية والابتزاز، وظلت على هذا الحال لزمنٍ ليس بالقصير، لم يتسنَ لأي طرف من الأطراف المتصارعة بسط السيطرة الكاملة عليها، وفي خضم ذلك الصراع وما تخلله وشهده من مساوئ على سكان المنطقة حتى قيام ثورة الرابع عشر 63م تكللت بطرد الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 67م، ولكنها لم تغادر مربع الصراع والحروب؛ فكثيراً ما كانت عرضة للحروب التي كانت تندلع بين الشمال والجنوب، وبسبب موقعها الحدودي لم تشهد استقرارًا نسبيًا إلا في الحقبة المتأخرة من ثمانينات القرن الماضي حتى السنوات التي سبقت حرب أربعة وتسعين، ففي هذه الفترة وُصفت بـ “الميناء الثاني للجنوب”، حيث كان يدفع القادمون إليها من الشمال أو إليه جمارك عن ما بحوزتهم من أمتعة وأغراض، وبهذا عاشت فترة من الازدهار التجاري، فضلاً عمّا كانت تدره على الاقتصاد الجنوبي من أموال كثيرة، كما ساهمت بموقعها في تعزيز القدرات التنموية لدولة آنذاك، ولكنها في المقابل لم تحظَ بتنفيذ أي مشروع تنموي في تلك الحقبة، لتظل تعيش على الهامش نفسهِ الذي ورثته حتى الاندماج المسمى “وحدة” وإلى بعد فترة الغزو العسكري لقوات صالح ومعاونيهِ في 94م، والتي تكللت باحتلال أرض الجنوب عامة، لتزداد تهميشاً بإلحاقها عام 97م بمديرية القبيطة المحادة لها ذات الكثافة السكانية، التي يزيد تعداد سكانها عن المائة والخمسين ألف نسمة، الأمر الذي نزع عنها هويتها وحرمنها من المشاريع التنموية سوى الفتات منها، كما أحرم هذا الضم والإلحاق أبناء كرش لاسيما الخريجين من الوظائف في مختلف المرافق الحكومية، وفي مقدمتها التربية والصحة.
التدمير طال كل شيء
التدمير طال كل شيء

أرض مزروعة بالألغام
وعلى الرغم ممّا حل -وما زال- بأهالي هذه المنطقة إلا أن لهم دوراً نضالياً بارزاً في مختلف المراحل والمنعطفات التاريخية التي مرت بها الجنوب منذ الاستعمار البريطاني، وخلال فترة النضال السلمي، ومؤخراً ضد مليشيات الحوثي، والتي اجتاحت الجنوب في أواخر مارس عام 2015م، قبل أن يتم هزيمتها بفترة لا تتجاوز الـ 120 يوماً ودحرها من العاصمة عدن وأبين ولحج وغيرها من المحافظات الجنوبية.

وسجّلت هذه المراحل تاريخاً مشرفاً لأبناء كرش، فمنهم الشهيد والمعاق والجريح والأسير، ونتيجة لوقوع مناطقهم إلى الحدود مع محافظة تعز جعلها أكثر تضرراً، إذ استمرت فيها المعارك ضد المليشيات لنحو أربع سنين، وما تزال أراضيها مزروعة بالكثير من الألغام، ويسقط على إثرها الضحايا بشكل مستمر كان أخرها الخميس الماضي حين انفجر لغم بسيارة المواطن رائد راجح وأحد مرافقيه، وعلى متنها البسكويت المقدم من المنظمة النرويجية لمدرسة “الشهيد علي عبدالمغني” في قرية زيق الأسفل، وتسبب انفجار الغم ببتر أحد رجلي السائق وإصابة الآخر بجروح خطيرة، فيما انتهت السيارة بشكل كامل.
صورة لكرش
صورة لكرش

وزعت المليشيات قبل هزيمتها وتحرير مناطق كرش العام المنصرم الألغام الفردية وأخرى ضد الدروع بشكل مهول، تمكنت فرق نزع الألغام من استخراج الكثير منها، وقد سقط على إثرها خلال الفترة الماضية العديد من الضحايا في صفوف المواطنين.

مقومات مهملة 
وتتمتع مناطق كرش بخصوبة أراضيها الزراعية، نتيجة للأودية التي تخترقها وتمدها بمقومات الزراعة والخصوبة كوادي ورزات، الذي تنساب مياه سيوله من مرتفعات محافظة تعز، ووادي ذر المصدر الرئيسي للطماطم في الموسم، ومن أبرز منتجاتها الزراعية الحبوب والخضروات والفواكه كالمانجو.. وغيرها.
كما تتمتع بوجود المياه الكبريتية الحارة الناجعة لعلاج العديد من الأمراض كـ“الروماتيزم، والأمراض الجلدية، وتنظيم الدورة الشهرية لدى النساء”.. وغيرها الكثير.
[img]بعد افجار لغم  بها واصابة من عليها منذ أيام copy.jpg[/img]
وكان يقصد هذا الماء -والمعروف بحمام الحويمي قبل أن يتوقف نشاطه بفعل الحرب- مواطنون من عدة محافظات فضلاً عن الأجانب.
وأُطلق على هذه المنطقة اسم “الحويمي” نسبة إلى مياهها الحارة (الحامية)، والتي تجري بغزارة كبيرة من نبع أبدي دائم الجريان.

وعلى الرغم من أهمية هذه المنطقة ومياهها إلا أنه لم يتم استغلالها الاستغلال الأمثل حتى اليوم كمورد سياحي وطبي من أي طرف.
كما تتميز مناطق كرش الأخرى بوفرة المياه العذبة بحسب دراسات جيولوجية، لاسيما في أودية: قهل وحثوّة، ونتيد، والمؤسف أن هذه النعمة هي الأخرى لم تُستغل لمصلحة المواطنين، كما يوجد بها سلاسل جبلية مؤهلة لتشييد السدود والحواجز المائية، ومن المرجع أنها تحتوي على العديد من المعادن والحجر الجيري وغيرها.
صورة أثناء موسم تساقط الأمطار
صورة أثناء موسم تساقط الأمطار

وكانت دراسة ميدانية قد أجريت في أواخر القرن الماضي بخصوص تشييد “سد كنحان”، ولكنه أُهمل وفقاً لاعتبارات سياسية.
ويعيش معظم أبناء المديرية على ما تجود به أراضيهم الزراعية أو الثروة الحيوانية كمصدر رئيس للرزق، فيما انتسب معظم الشباب مؤخراً إلى السكين العسكري والأمني، وقليلون من يحضون بالوظائف الحكومية في مجالي التربية والصحة.
حمام الحومي
حمام الحومي

وحرم الفقر المدقع، الذي تعيشه الكثير من الأسر، مئات الطلاب من مواصلة تعليمهم الجامعي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى