الإهمال يهدد مدينة شبام حضرموت وأسوارها بالانهيار

> تقرير وتصوير/ علوي بن سميط

> ثمة عوامل متعددة كانت سبباً في تهدم سور مدينة شبام حضرموت، أو أجزاء من جهاته الأربع، تأتي في مقدمتها الحروب بين الدول القديمة للاستئثار والسيطرة على شبام حضرموت، قبل وبعد الميلاد، والغزوات القبلية.

ففي القرن الرابع الميلادي وبعد أن سيطرت حِمير على شبوة عاصمة حضرموت، زحفت الجيوش تجاه شبام التي احتمى فيها الحضارم وبأسوارها للدفاع عن أنفسهم ومدينتهم، ولكن لشدة الحصار وتطويق المدينة لـ 13 يوماً، وسقوط قتلى من المدافعين عنها، وقعت شبام بأيدي حِمير. وتذكر ذلك النقوش الحميرية غير أن السور لم يسقط على مر القرون والسنين، وبقي صامداً لا يتزحزح على الرغم من التخريب الذي طاله من خلال فتح ثغرات للتسلّل منها إلى المدينة، في غفلة من حراسه، وهو ما حصل في القرن التاسع عشر وما قبله.

وكانت «الأيام» قد نشرت في الأعوام: 2003/2004/2006/2008/2018 م في سياق تقاريرها الخاصة عن شبام ووضعية سورها والعوامل المهددة له، إلا أن إهمال مجاري ومسالك السيول قد أثرّت فيه - لاسيما - السور المطل على الجهة الجنوبية (البحرية) والتي تأثرت كثيراً خاصة في عام 1984م و1989م و1996م وآخرها 2008م، ما حدا بالجهات المسؤولة لأن ترصّع أسفل السور الجنوبي بالحجارة.

تدمير السور
أما السيول التي شهدتها حضرموت عموماً وشبام على وجه التحديد في القرن السابع الهجري، فقد دمرت الأسوار وعدداً من المنازل ومزارع النخيل، وأخذ السور الذي سبق أن جُدد وقوّي خلال فترات متعاقبة أخذ يتآكل في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، حتى تهشمت جدرانه، وظل الوضع مخيفاً ويهدد المدينة وأهلها، كونه مبنياً من الطين بطريقة تقليدية نموذجية تتفاوت ارتفاعاته بين 8-9-10 أمتار، وحتى حافته العليا يصل سمكها إلى مترين، في بنيان مرصوص، للدفاع عن المدينة قديماً، ويمثل دعامة لحماية البيوت الطينية، وما يزال يحتفظ بوظيفته الثانية (كدعامة) أو(بطانة) بمصطلح أساطية البناء الشباميين التقليديين.

إعلانها في قائمة التراث العالمي
في الثمانينات وبعد إعلان «اليونسكو» ضم شبام إلى قائمة التراث العالمي بقرار أممي في عام 1982م ثم إعلان تدشين العمل لحمايتها وصيانتها بإعلان رسمي وشعبي في 1984م بحضور المدير العام لليونسكو أحمد مختار أمبو، والرئيس اليمني الجنوبي حينها، علي ناصر محمد، وشرعت الحكومة بإعادة ترميم معظم السور، وخاصة تلك الجهات المنهارة، التي أضحى السور فيها مجرد أثر في الجهة الغربية والشمالية (القبلية النجدية) إلى جانب (الشرقية البحرية) التي كانت في الثمانينات بوضع سيئ، لكن بمستوى أقل من «القبلية الشمالية» وقدمت الحكومة المحلية «الجنوبية» وبتبرع من شركة الطلاء والأملشن بعدن قدمت 20 ألف دينار جنوبي لإعادة السور المنهار، وأُعيد كاملاً على وجه السرعة، ووفدت لجان من اليونسكو للوقوف على الأعمال وإجازتها، وقام بالأعمال معالمة وعمال من أبناء شبام ذاتها. ومنذ ذاك الوقت كان بين فترة وأخرى تتفقده السلطات الحكومية والجهة المسؤولة عن الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية وهي الوحيدة على مستوى محافظات الجنوب والأخريتان في صنعاء وزبيد الشماليتين وإلى جانب المشاريع الأخرى والدول المانحة يعملون ومعهم فريق طوارئ من البنائين التابعون لجمعية حماية العمارة الطينية بشبام (جمعية أهلية) على الصيانة والتدخل العاجل حتى لا ينهار.


واستقرت وضعية السور من نهاية الثمانينات حيث خضع للصيانة الدورية، ومنذ عام 1990م وحتى 2000م وصل إجمالي ما تم إنفاقه على السور إلى تسعة مليون ونصف ريال يمني كما تبين الوثائق الرسمية التي تحصلت عليها «الأيام» بما فيها حماية السور الجنوبي كاملاً والمقدرة بنحو (3) ملايين ريال خلال عشر سنوات، غير أنه في عام 2007م انهار جزء من السور النجدي الشمالي وأعيد في فترة وجيزة، ومنذاك الوقت تعرض السور للإهمال وهو العامل الثالث أو ثالثة الأثافي بعد (الغزوات والسيول والأمطار) وبدأت وضعيته تُنبئ بكارثة لولا أن جهد أهلي وعبر عمال البناء تدخل وذلك أثناء أمطار غزيرة شهدتها شبام في 24/25/ مارس 2013م، وتحت غزارة الأمطار تمكن الفريق الأهلي بسد ثغرات فتحتها الأمطار في المساحة الفاصلة بين البيوت والسور الجنوبي والذي بدأت المياه تنخره وإلا لكان الانهيار واقعاً.

إهمال
الإهمال لا غيره هو سبب الانهيار الأخير لجزء من سور المدينة الجنوبي القريب من البوابة «السدة» ولم يكن الانهيار مفاجئاً للسكان في 5 فبراير 2019م أي منذ قرابة شهر من اليوم.

وكانت «الأيام» قد حذرت من انهيار هذا الجزء بالتحديد في نوفمبر وديسمبر 2018م، وهو ما حصل بالفعل بعد شهر واحد فقط من إطلاق التحذير، وبعد وقوع الحادثة، لم يتم أي تدخل فعلي حتى اللحظة سوى ما نسمعه في الإعلام الحكومي وغير الرسمي عن زيارة لجان تعقبها أخرى، وإذا ما ظل الحال كما هو عليه سيطال الانهيار أجزاء السور كاملاً وصولاً إلى المدينة.


وكما هو معلوم فإن السور مترابط مع بعضه البعض وتأثر جزء منه يؤثر على الجزء الأخر كما هو الحال في البيوت المتلاصقة، وقد قدرت لجان السلطة المحلية بشبام وهيئة المدن التاريخية كلفة بأكثر من (6) ملايين ريال يمني لإعادة الجزء الذي انهار في الجهة الجنوبية في فبراير الماضي، كما أن البوابة الرئيسة والوحيدة لدخول شبام بات وضعها ينذر بالخطر، والحال ذاته في القصرين التاريخيين وبيوت السكان بسبب الإهمال، وعدم اكتمال مشروع بناء المجمع الحكومي للمدينة والذي بدأ تنفيذه في عام 2007م، والذي أصبحت على إثره المرافق الخدمية متناثرة وبعيدة عن المدينة.

وأوصل هذا الإهمال الذي تبديه كل الأطراف المحلية والدولية شبام لوضعها الحالي.
وشبام المدينة الوحيدة من بين المدن التاريخية التي لا تزال مسوّرة حتى اليوم، كما أنها ليست تأريخ وعمارة طينية وحسب بل هي أيضا من الروافد الاقتصادية للبلاد عموماً.. فهل يُنتظر لها أن تصبح أطلالاً؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى