منظمات المجتمع المدني بعدن وخدمة الممول مقابل المال

> تقرير/ خاص

> تزايدت خلال الأعوام الماضية منظمات المجتمع المدني العاملة في العاصمة عدن وفي مجالات مختلفة.
غير أن الكثير منها فشلت بتنفيذ برامجها الداخلية لأسباب عدة، وتخلت أخرى عن هدفها الأساسي خدمة لارتباطها السياسي أو الحزبي.

فيما يقتصر دعم المنظمات الدولية على منظمات محلية محدودة وهو ما يثير الشكوك والتساؤلات حول طبيعة المهام والأجندة التي تنفذها هذه المنظمات في المجتمع لاسيما “الحقوقية” منها.
وأصبحت العديد من المنظمات في العاصمة عدن، والبالغ عددها نحو 1300 منظمة مختلفة، لا تُمثّل المجتمع الذي تعمل فيه، ولا تتبنى قضاياه، ولا تمثل حتى نفسها، بل تتبنى قضايا الممول ذاته، وأضحى لا شيء يدل على أنها منظمات محلية سوى أسمائها.

يقول رئيس مؤسسة جذور المستقبل للتنمية الاجتماعية والثقافية ورئيس دائرة المشاريع في التحالف المدني الديمقراطي -يتكون من عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني العاملة في عدن- حافظ الشجيفي: “من الممكن النظر إلى المجتمع المدني بمفهومه الحديث وشروطه وأهدافه المعاصرة على أنه يمثل رسالة اجتماعية وثقافية وتنموية ذات مضمون عميق من القيم والأفكار والممارسات الإنسانية والتعاون المتبادل والعمل المتجه نحو بناء الأسس التحتية للعملية التنموية والحقوقية وغيرها، قائم على مبادئ العمل التطوعي والاستقلال الذاتي والمشاركة الفعّالة في إدارة عجلة التنمية من خلال الموائمة بين المصالح الخاصة المختلفة التي تخدم المصلحة العامة للمجتمع، وقبول الاختلاف والتنوع بما يقود إلى بناء وإعادة هيكلة البيئة الاجتماعية لصالح التنمية، والمشاركة مع الدولة في عملية البناء وتفعيل القوانين ومناصرة القضايا الاجتماعية ومراقبة أداء السلطات، باعتبار أن المجتمع المدني مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الحكومة المباشر وهو يمثل السلطة الخامسة في البلاد.. ولتتمكن مؤسسات المجتمع المدني من ممارسة مهامها بحرية وفعالية تحتاج إلى قوانين تشريعية تحميها وتحكمها وتنظم عملها وعلاقاتها وأنشطتها كما تحتاج إلى صندوق مالي حكومي ليساعدها على توفير ودفع أجور المكاتب التي تستأجرها لمزاولة أنشطتها وفعالياتها وفقاً لقوانين ولوائح ومعايير معينة للصرف؛ لكي لا تضطر للتوقف وإغلاق أبوابها بسبب الظروف المادية، وعلى الدولة أن تقوم بواجباتها ومسؤولياتها الوطنية تجاه منظمات المجتمع المدني كما هو قائم في كل دول العالم”.

1300 منظمة في عدن
وأضاف في تصريحه لـ “الأيام”: “يقدر حالياً عدد مؤسسات المجتمع المدني في عدن وحدها نحو 1300 منظمة مختلفة، والعدد مرشح للتزايد المستمر، وكلها تسعى لإثبات ذاتها في الميدان غير أنها غالباً ما تواجه ظروفاً قاسية بسبب حالة القطيعة القائمة بينها وبين مؤسسات الدولة من جهة وبينها وبين المنظمات الدولية المانحة من جهة أخرى، حيث تتهرب وتتملص الدولة من واجباتها تجاه هذه المنظمات فتضطر لإغلاق أبوابها لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، بالإضافة إلى أن المنظمات الدولية تتعامل مع منظمات محلية محدودة ومعدودة ومعينة وكأنها متعاقدة معها دون سواها، ولا تتيح المجال لبقية المنظمات وخصوصًا الحديثة منها، حيث تضع أمامها شروط إقصائية ظالمة، ومن هنا فإننا نضع هذه المشكلة أمام مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومكتب وزارة التخطيط والتعاون الدولي بعدن للعمل على حلها وإلزام المنظمات الدولية على التعامل مع جميع المنظمات المحلية، وأن تفتح هذه الجهات أبواباً للشكوى والتظلم أمام جميع المنظمات المحلية؛ لكي لا تترك المجال مفتوحاً أمام المنظمات الدولية للتعاطي بانتقائية ومزاجية معها، حيث يقتصر دعم المنظمات الدولية على المقربين أو الذين تربطهم علاقات قوية بها فقط، وهي علاقات مشبوهة وتحكمها الواسطة وتثير الشكوك والتساؤلات حول طبيعة المهام والأجندة التي تنفذها هذه المنظمات في أوساط المجتمع، والحقيقة المرة أيضاً بأن غالبية المنظمات البارزة في المشهد الإعلامي اليوم ومنها “الحقوقية” ليست منظمات محلية إلا من حيث التسميات فقط، وذلك لأنها تنفذ سياسات ومشاريع المنظمات أو الجهات الدولية التي تمولها وتستجيب لبرامج التمويل التي تتبناها في حين أنه لا يحق لها أن تقدم أي مشاريع خاصة بها، بما يعني أنها لا تُمثل المجتمع الذي تعيش فيه ولا تتبنى قضاياه ولا تمثل حتى نفسها وتتبنى قضايا الممول ذاته، أي أنها أصبحت مجرد أدوات بيد المنظمات الدولية، إضافة إلى ذلك هناك الكثير من المنظمات المحلية أضحت عاجزة عن فرض شروطها ومشاريعها على المنظمات الدولية بسبب غياب دور الدولة وغياب الجهات الرسمية التي يفترض أن تنظم هذه العلاقة فضلاً عن افتقارها للقدرات والكفاءات التي تؤهلها للقيام بالعمل المدني، ولذلك تخلت الكثير منها عن الأهداف الإنسانية والتنموية التي تتبناها في لوائحها الداخلية وذهبت تلهث خلف المنافع والأهداف الشخصية على حساب المصلحة العامة للمجتمع، وتستثمر القضايا الإنسانية لتحقيق غايات غير إنسانية، ولهذا ندعو الجهات الرسمية في عدن بمتابعة هذه القضايا ومعالجتها ووضع شروط ومعايير وضوابط لعمل المنظمات الدولية وعلاقتها بالمنظمات المحلية، كما ندعو كافة منظمات المجتمع المدني في عدن إلى التخلي عن الارتباط الحزبي، وتوحيد صفوفها واستشعار المسؤولية التي تقع على عاتقها تجاه نفسها وتجاه المجتمع والارتباط بشبكة مدنية واحدة؛ لتتمكن من فرض نفسها على أرض الواقع وعلى كل الجهات”.

خدمة لأهداف الممول
فضل علي
فضل علي
وقال فضل علي عبدالله الشعبي، رئيس المنظمة اليمنية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية، والتي يعود تاريخ تأسيسها إلى مطلع تسعينات القرن الماضي كأول منظمة في اليمن متخصصة في هذا المجال: “هناك نوعان من منظمات المجتمع المدني؛ منها ما هي خاصة (ملكية شخصية)، وهذا النوع يتحكم فيه صاحب المنظمة وفقاً لما تقتضيه مصلحته وارتباطاته السياسية والحزبية، ونوع الآخر وهو المنظمات ذات التنوع والشراكة بين عدد من المنظمات، وهذا النوع عانى -ولا زال يعاني- من محاولات الأحزاب للسيطرة عليها عبر زرع بعض أعضائها فيها، والعمل على السيطرة عليها من خلال الانتخابات الدورية ومن خلال بذل بعض الدعم لتنفيذ مشاريع محددة ناهيك عن أن هذا النوع من المنظمات يصطدم بالرغبات الشخصية لبعض الأعضاء في السيطرة واحتكار أعمال المنظمات لمصالح شخصية أيضاً بحكم الطبيعة غير الديمقراطية لمجتمعنا، حيث تسود الرغبة الفردية لدى البعض على الخيار الديمقراطي، ولذلك سنجد نماذج من المؤسسات الشخصية قد نجحت في خدمة أهداف مؤسسها، وهناك منظمات ديمقراطية نجحت هي الأخرى في توعية أكبر عدد من الناس بأهمية هذه المنظمات ودورها، وفي الأخير يجب علينا ألّا ننسَ العامل الثالث والمهم في نجاح أو فشل هذه المنظمات، وهو الممول، والجميع يعرف أن كل الممولين لهذه المنظمات هي جهات أجنبية، ولا نغفل أن الجهات الأجنبية الممولة لها أهداف ولابد لها من أن تسعى لتمويل مشاريع تخدم أهدافها بشكل أساسي”.

دور باهت
إحسان عبيد
إحسان عبيد
إحسان عبيد سعد، رئيس المؤسسة العربية لمساندة قضايا المرأة والحدث وعضو في مجموعة جنوبيات من أجل السلام قالت: “مناط بمنظمات المجتمع المدني دور كبير ومؤثر في المجتمع لاسيما في الظروف المعقدة التي تمر بها بلادنا، ولكن من وجهة نظري فإن غالبية هذه المنظمات لم ترتقِ إلى مستوى ظروف الواقع الذي يعيشه الوطن حالياً، فدورها باهت وبعيد عن الإسهام في تحقيق متطلباتها، ولهذا اتجهت فقط إلى تنفيذ عدد من المشاريع والأنشطة العابرة التي لم تتجاوز حدود أعمال الإغاثة على خلاف ما كان متوقع منها، ولتفعيل دور هذه المؤسسات فإنني اقترح -حسب ما تقتضيه طبيعة المرحلة التي نمر بها- العمل على تشكيل منسقية لمنظمات المجتمع المدني واحدة متفق على رسالتها وأهدافها للعمل على حلحلة المشكلات التي تعانيها عدن على سبيل المثال الظواهر الخطيرة في محافظة عدن، وهناك العديد من الأنشطة التي لابد أن تضطلع بها منظمات المجتمع المدني وعبر التمثيل لها في اللجان الإغاثية واللجان المتعلقة بالنازحين ورصد أعدادهم وتأسيس قاعدة معلومات دقيقة لهم وصحيحة، هذا بالإضافة إلى إشراكها في خطوات وإجراءات إعادة الإعمار عبر المنسقية؛ حتى تسجل مشاركة حقيقية لها على ألّا يقتصر هذا النشاط على منظمات مُفرّخة من أحزاب أو تكتلات وباسم منظمات المجتمع المدني”.

وأضافت لـ “الأيام”: “أما فيما يتعلق بالمنظمات الدولية، فللأسف تتعاطى مع منظمات المجتمع المدني كما لو أن الأوضاع طبيعية وتدعم مشاريع سطحية غير عميقة هادفة ولا تستهدف الوضع المدني في المدينة، وأدعو وزارة الشؤون الاجتماعية أن تلعب دوراً أكثر إيجابية في التدقيق عند منح التراخيص، وذلك بعدم منحها للمنظمات الأحادية التي تفتقد للقيادة الجماعية وفق أطرها التنظيمية، وتقديم العون للمنظمات التي تعثرت نتيجة الأوضاع الراهنة، وعدم تجاهل المنظمات النشطة، وإبقاء التعامل مع منظمات بعينها، وإعادة النظر في العدد المهول لتأسيس منظمات في مدة قصيرة، والتأكد والفرز من ماهية المنظمات، وأخص هنا المنظمات المفرخة عن الأحزاب والتكتلات السياسية، لأن فقدان منظمات المجتمع المدني لاستقلاليتها تفرغها من مضامينها، كما أدعو الجهات المعنية إلى إنشاء صندوق لدعم منظمات المجتمع المدني كخطوة إيجابية لو تم التعامل معها بشكل قانوني ولوائح مضبطة ليسلم من العبث والفساد”.

غير فاعلة
حنان محمد
حنان محمد
أما الناشطة الحقوقية والسياسية حنان محمد فارع، عضو الجمعية الوطنية للانتقالي فقالت: “تواجه منظمات المجتمع المدني في عدن إشكاليات عديدة، كما أن كثرة عددها لا يدل على فاعليتها؛ بل يجعلها فارغة من المضمون، وأصبحت على كثرتها لا تلبي احتياجات المجتمع؛ بل هي عبء عليه، فقد تختلف أولوياتها تبعاً لاختلاف الجهة الممولة والتابعة لها، ومع غياب تطبيق القانون الذي يمنع التبعية باتت المنظمات مصدر كسب مادي لأصحابها بعيدًا عن الغرض من إنشائها غير الربحي، والقلة منها تمتلك الجدية والمصداقية في عملها، لكنها تواجهه العديد من العراقيل التي تمنع من بقائها واستمراريتها في تحقيق أهدافها وتنفيذ مشاريعها، وأهم العوائق هو التمويل المادي غير المشروط”.

منظمات لم تقم بدورها
مارينا كمال
مارينا كمال
وأضافت الناشطة المدنية مارينا كمال حميد ثابت، عضو فريق القيادات الشبابية بعدن: “لعبت هذه المنظمات وما زالت دوراً كبيراً في عدن من خلال تقديم الدعم والتدريب والتأهيل للمجتمع، في الوقت الذي أصبحت فيه مؤسسات الدولة غير قادرة على القيام بدورها ومهامها في دعم المجتمع وتأهيله وتوعيته لاسيما بعد الحرب لتمكنه من تجاوز أزمته، ومن هنا تجلى أهمية منظمات المجتمع المدني في القيام بالدور المساند والمهم للدولة أو الحلول محلها في بعض الأحايين”.

وتابعت بالقول: “كثيراً ما وقفت الظروف المادية التي تواجها هذه المنظمات حائلاً بينها وبين القيام بمهامها على الوجه الأكمل في ظل غياب الجهات الداعمة وغياب الدولة، بل إن العديد منها أغلقت أبوابها بسبب ظروف التمويل، على الرغم من أن هناك الكثير من الجهات الممولة والداعمة نراها تدعم مشاريع وهمية أو ليس لها أهمية كبيرة تعود بالمنفعة على المجتمع”.

دور إشرافي
من جهته، أوضح مدير إدارات الجمعيات الأهلية بعدن، عصام وادي: “إن عدد مؤسسات المجتمع المدني التي منحها المكتب تراخيص في عدن بلغت 419 جمعية أهلية، و491 مركزًا ومؤسسة بحثية، و294 جمعية تعاونية”، لافتاً إلى أن دور المكتب عليها إشرافي بموجب المادة رقم (6) من قانون الجمعيات الأهلية، كالبت في طلبات التأسيس ومنح تراخيص لمن استوفت الشروط منها.
عصام وادي
عصام وادي

وقال: “ولا نستطيع إلغاء أي مؤسسة بعد حصولها على الترخيص إلا بحكم قضائي، ويحق للمؤسسة أن تستأنفه”.

وعن طبيعة العلاقة بين المكتب والمنظمات الدولية ودوره معها قال: “طالبنا وما زلنا من هذه المنظمات أن تفتح مكاتب وفروع لها في عدن لاسيما بعد أن أصبحت العاصمة السياسية المؤقتة للبلاد؛ لنتمكن من التنسيق معها، وإن كانت هذه مهمة تقع على مكتب وزارة التخطيط، ولكننا في وزارة الشؤون الاجتماعية نتطلع لأن يكون لنا دور محوري وإشرافي في هذا الجانب باعتبارنا الأقرب من مكتب وزارة التخطيط إلى المنظمات المحلية والمنظمات الدولية، ولابد من التعاون والتنسيق الفاعل بين جميع الجهات لتتم الأمور بسلاسة، وما أريد قوله عبر لـ “الأيام” وبحسب توجهات الوزارة وبناء على تعليمات وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، د.إبتهاج الكمالي، فإن أي منظمة محلية تعقد أو تنفذ مشروعاً مع جهة أو منظمة دولية فلابد أن تكون الوزارة على علم بذلك من خلال مكاتبها، وهذه الخطوة سيكون لها نتائج إيجابية لتحقيق الشراكة الفاعلة والمثمرة بين جميع الجهات ذات العلاقة”، مشيراً في الختام تصريحاته إلى أن المكتب يُعاني من عدم وجود ميزانية تشغيلية على الإطلاق، ويعمل موظفوه بجهودهم الذاتية ووفق الإمكانيات الفردية، وبالجهود التي يبذلها لمدير عام للمكتب”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى