نازحو الحديدة في عدن.. معاناة ومآس تقابل بجحود ونسيان المعنيين

> تقرير/ سليم المعمري

>
يُعاني نازحو الحديدة ألواناً من المعاناة منذ وصولهم إلى العاصمة عدن جراء الحرب الطاحنة التي تشهدها محافظتهم منذ سنوات، في ظل صمت مطبق من الجهات المسؤولة، والمنظمات ذات العلاقة، وباتت الأسر التي هُجّرت عنوة من منازلها تعيش في خيام لا تقي من حرارة الشمس أو من الأتربة والغبار، ولا يجدون ما يسكتون به جوعهم وجوع أطفالهم، أو قيمة علاج يخفف من آلام مرضاهم الذين فارق بعضهم الحياة من المصابين بالأمراض الخطيرة كما حصل لأحد مرضى الفشل الكلوي.

وفي الوقت الذي تزيد فيه المنظمات في مدينة عدن عن 1200 منظمة مختلفة، إلا أن هؤلاء النازحين لم يحظوا بأي دعم منها، وأضحوا يقاسون شظف المعيشة والعوز وقساوة الحياة، وليس هناك من يخفف عنهم.
قمر محمد، طالبة في الصف الثامن الأساسي، نزحت مع أسرتها من مديرية باجل شمال الحديدة، بسبب المواجهات الدامية بين ألوية العمالقة الجنوبية ومليشيات الحوثي، إلى مديرية دار سعد بعدن، حيث استأجروا منزلًا غير أن ارتفاع قيمة الإيجارات أجبرهم على مغادرته إلى أرضية “زهرة خليل” وفيها تم نصب خيمة تسكن فيها مع خالتها وجدتها البالغة من العمر ستين عاما.
الطفلة قمر نازحة من باجل
الطفلة قمر نازحة من باجل

تقول قمر لـ “الأيام”: “وصلنا إلى عدن قبل خمسة أشهر، وحتى الآن لم نجد سكنًا مناسبًا ولا غذاء متوفرا، وأواجه صعوبة في الدراسة، وبسبب الظروف التي نواجهها جعلتني غير قادرة على استيعاب الدروس”.


120 أسرة
ويضيف محمد بن محمد عايض، مسؤول المخيم: “تم تأسيس هذا المخيم قبل ستة أشهر، وظل النازحون فيه لشهرين ولم تنظر المنظمات المحلية والدولية العاملة في عدن لحالهم رغم الظروف القاسية التي يعيشونها، سوى ما يقدم لهم من فاعلي الخير”.
وأشار عايض إلى أن “عدد الخيمات الموجودة في مخيم (زهرة خليل) 90 خيمة، تضم 120 أسرة بعدد 1820 فرداً، الأمر الذي جعلهم بحاجة ماسة إلى مزيد من الخيام لتغطيتهم من الشمس وحمايتهم من المطر كون أكثرها مكشوفة”، متمنياً من المنظمات “توفير خيم للتخفيف عنهم من حرارة الصيف الذي قد بدأ”.
صورة لمخيم زهرة خليل
صورة لمخيم زهرة خليل

ولفت إلى أن “عدم حصولهم على أدوات منزلية والفرش والغذاء، أجبرهم على الذهاب إلى المطاعم للتسول، وأما بخصوص الماء فقد تكفلت منظمة بـ 8 آلاف لتر لمدة عشرة أيام فقط، كما اكتفى محافظ الحديدة بزيارتها وإطلاق العود التي لم تنفذ حتى الآن على الرغم من مرور شهرين عليها”.
 وواصل الحديث محمد حسن، وهو أحد أبناء مديرية الجراحي، بالقول: “لا نريد صور المسئولين وتباهي المحافظ في المخيم بغرض الاستهلاك الإعلامي وحسب، نحن نريد ماء وغذاء وفرشا ننام عليها، وكذا أدوية، فقد فقدت ابنا بعمر ستة أشهر نتيجة لسوء التغذية، كما أن المنظمات هي الأخرى لم تقم بواجبها كما ينبغي، فهناك من أتى إلينا منها ولكن اكتفت بالتوزيع على عشرة نازحين فقط”.

الحرمان من التعليم
عوض حسن عبدالله سالم، نازح من التحيتا، تحدث لـ “الأيام” عن حرمان الطلاب من التعليم بالقول: “أبناؤنا منقطعون عن التعليم، ونحن بحاجة ماسة لتدرسيهم ولكن حتى الآن نعاني من غياب التنسيق لتعليمهم في مدارس أخرى، ناهيك أن الوضع غير مستقر للغاية في ظل غياب الخدمات، والتي أرغمتنا على استخدام وسائل بدائية للطباخة وتحضير الخبز”.
وأوضح مندوب النازحين لدى المنظمات عبده علي الخضري، وهو نازح من كيلو 16 بالحديدة من شهر يوليو 2018م، بأنه كثيراً ما طرح أوضاع النازحين في هذا المخيم على المنظمات لتقديم الخدمات التي يحتاجونها، ولكن لم يتم الاستجابة من قبلها، سوى ما قدمته منظمة “التعايش” لـ38 حالة فقط من مئات الحالات، مضيفاً: “أغلب ما يصلنا يأتي من رجال الخير، ومن خلال “الأيام” نطالب جميع المنظمات وفاعلي الخير أيضاً بالنظر إلينا، فالمساكن غير لائقة وغير صالح للمعيشية”.
طفل في المخيم
طفل في المخيم

وتضيف أم أكرم رمزي سالم: “نزحنا قبل ستة أشهر من مدينة الحديدة، وفي هذا المخيم توفي عليّ زوجي بسبب الفشل الكلوي، ولذي لم نستطع علاجه نتيجة للظروف المادية الصعبة، تاركاً خلفه أربع بنات وولدين أكبرهم فتاة بعمر 15 عاما، و حالياً نعاني من انعدام الماء، كما تنام ثلاث أسر داخل خيمة واحدة، نحن وأختي بمعية طفليها ووالدتي”.
وقال النازح خالد سلمان: “لابد أن يجدوا لنا حلا، فالأرضية التي نحن فيها مليكة خاصة وهي مؤقتة قد يتم إخراجنا منها في أي لحظة، ولهذا نطالب الحكومة بالنظر إلينا وتوفير الخدمات الأساسية كالماء والغذاء، فنحن أصبحنا نعيش شبه مجاعة في هذا المخيم، والذي يضم 60 % من الحديدة و20 % من الجراحي و10 % من باجل و10 % من مناطق موزعة من المحافظة، وكلهم غير موظفين”.
فلة محافظ الحديدة
فلة محافظ الحديدة

 رجاء عزان ناشطة مجتمعية أطلقت مبادرة لنازحي الحديدة، وعنها تقول: “أتينا لهذا المخيم المؤقت ولم نكن نتوقع الوضع الذي يعاني منه النازحون من قلة في كل شيء وعدم وجود أي نشاط لأي منظمة أو جمعيات خيرية بشكل حقيقي، قد رأينا عدة حالات مرضية ونقلت لنا معاناتهم المستمرة والتي لم نستطع أن نعمل لها شيئا مع تقصير كبير من الدولة والمنظمات الإغاثية، فأطلقنا مبادرة من أنفسنا وبدعم فاعلي الخير الذين دعموا بالمستطاع، ومازلنا نناشد الدولة والتي هي المسئولة المباشرة عن النازحين، إضافة إلى المنظمات الدولية والمؤسسات المحلية، كما نرفع مطالبنا لكل من له يد في المساعدة أن يمد يده لهؤلاء النازحين، والذين لا تتوفر لهم حتى أسقف لخيامهم تقيهم من الشمس والأتربة ولا يملكون وظائف من شأنها أن تسد حاجاتهم المعيشية أو استئجار مساكن”.

وأضافت لـ “الأيام”: “هناك تقصير وإهمال يعانيه هؤلاء النازحون في عدن، وحتى الذي يستجاب إليه لا يلبي احتياجاتهم، وقد عملنا على توفير بوز (ويتات) للمياه لفترة قصيرة ووجهنا بهذا الخصوص مبادرة لفاعلي الخير وقد وعدوا بتلبية بعض جوانب الاحتياج، ولكن لن يستطيعوا أن يوفروا كافة تلك الاحتياجات، فذلك واجب الدولة بشكل أساسي ثم واجب المنظمات والمؤسسات والجمعيات الخيرية”.
مطبخ إحدى الأسر يفتقر لأبسط الأدوات
مطبخ إحدى الأسر يفتقر لأبسط الأدوات

وكانت “الأيام” حاولت التواصل مع محافظ الحديدة عن طريق مدير مكتبه أنور بورجي، وكذا مسؤول النازحين بمحافظة الحديدة عادل كرشم، لطرح قضية النازحين ومعاناتهم وأسباب عدم تقديم الدعم لهم، ولكن لم تتمكن لأسباب كثيرة أبرزها التهرب أو إغلاق الجوالات أو بالانشغال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى