الحديدة.. استمرار لمعاناة المواطنين ولا بوادر لانفراجها

> تقرير/ خاص

> لا يزال الوضع المأساوي لمحافظة الحديدة يراوح مكانه، ولا بوادر انفراج تلوح في الأفق، فمنذ أن سيطر الانقلابيون عليها، حُصر أبناؤها بالآلات العسكرية والحفريات والسواتر الترابية والحاويات التي اتخذها الحوثيون كتحصينات لهم لخوض المعارك ضد قوات الشرعية.
حرب دخلت عامها الخامس، ومعها زادت معاناة أبناء هذه المحافظة والذين يفتقرون لأبسط الخدمات ومقومات الحياة.


قتل مستمر
وحتى الآن لم تشهد المدينة تطبيقاً لما تمخض عن اتفاق السويد، بين الحكومة الشرعية والانقلابين الحوثيين، حيث ما تزال آلة القتل تحصد أرواح المواطنين بشكل يومي، والذين كان آخرهم المواطن محمد عايش، والذي لقي حتفه بينما كان يقوم بتنظيف حافلته (باصه) أمام منزله بعد صلاة العشاء إثر اختراق رصاصة رأسه، وظل عايش (أب لأربعة أطفال) مرمياً على الأرض ومضرجاً بدمائه لعدة ساعات قبل أن يتم أخذه جثةً هامدة من أهله، ومن قبله فارق المواطن سامح برصاصة قناص أثناء خروجه من المسجد بعد صلاة العصر، وما زال هذه السيناريو يتكرر باستمرار، وأبرز ضحاياه من المدنيين.


مشاورات فاشلة
“اتفاق ويا ليته لم يكن”، بهذه العبارة بدأت المواطنة فاطمة بجاش حديثها مع “الأيام” عما يجري من اتفاقات دولية لإنهاء الحرب في المحافظة، وأضافت: “ بسبب هذا الاتفاق ستموت الحديدة ومن فيها، وعلى التحالف والشرعية تحمل مسؤولية الموافقة على هذه المشاورات التي لا تغني ولا تسمن من جوع”.
وترى فاطمة، وهي معلمة في إحدى مدارس المدينة، أن الموافقة بإجراء محادثات مع الحوثيين هو خطأ بحد ذاته، خصوصًا بعد فشل المشاورات السابقة.

لقاءات واجتماعات كثيرة تمت الشرعية الانقلابيين غير أن تعنت الأخير أو الاختلاف على بعض البنود دائماً ما تتسبب بفشل الاتفاق وإعادة الأوضاع إلى مربعها الأول.
واتهم التحالف على لسان ناطقه الرسمي، العقيد ركن تركي المالكي، الحوثيين بالتنصل على تنفيذ البنود التي تم المصادقة عليها، الشرعية هي الأخرى اتهمت الانقلابيين بمعرقلة تنفيذ اتفاق السويد فيما يخص الحديدة، فيما تلقي جماعة الحوثي باللوم على الطرف الآخر، مع استمرارها بحفر الخنادق وفرض جباية لصالح المجهود الحربي، فضلاً عن تسببها بغياب الخدمات وتدهور ما بقى منها.

ومنذ خمس سنوات انقطعت خدمة الكهرباء عن هذه المحافظة المعروفة بارتفاع درجة الحرارة فيها، ولجأ البعض منهم لشراء منظومات الطاقة الشمسية للتخفيف قليلاً مما يعانون منه، كما تسبب الحفريات التي تقوم بها المليشيات بتكسير مواسير المياه وحرمان الكثير من الأحياء منها خصوصاً شارع الكورنيش وصنعاء والربصة و7 يوليو والخمسين، وأجبر سكان هذه الأحياء على النزوح متحملين في ذلك تكلفة النزوح الباهظة إلى محافظة تعز وغيرها من محافظات ومدن البلاد، فيما عادت خدمة الإنترنت منذ أسبوع بعد انقطاع تجاوز الثمانية الأشهر.

تدمير المصانع
يقول محمد يحيى: “لن يستطيع الناس البقاء في الحديدة إن انقطع الماء فيها، فحاجتهم للماء مثل حاجتهم للهواء خصوصًا فترات الصيف الحارة، كما لم تعد أسواق المحافظة كما كانت، حيث غابت الكثير من المنتجات الغذائية بعد قطع الكثير من الطرق المؤدية إلى المدينة وخارجها، وتعرضت مصانع للتدمير والضرب بالمدفعية، منها مصنع إخوان ثابت (يماني)، وسقوط قذائف أدت إلى توقف الكثير من أقسام المصنع، آخرها الحريق الذي شب قبل أسابيع في هناجر المصنع ولم يعرف حتى الآن سببه، وقد توقف المصنع وغابت منتجاته التي كان يعتمد عليها المواطن”.

آمنة سعيد، وهي مسنة من إحدى حارات المدينة، تقول: “أصبحت قيمة علبة الحليب بمائتين وخمسين ريالاً.. وعادها معدومة”.
وأضاف أكاديمي طلب من “الأيام” عدم ذكر اسمه بالقول: “صار من الصعب أن تجلس على مقهى في أحد شوارع الحديدة وتطلب كأس شاي حليب أو تجد ماءً بارداً، فالحرب دمرت ما استطاعت من مصانع وخدمات، لكن المواطن ما زال يعيش هناك متمسكاً بالبقاء”.

وبات الأكاديميون يخشون على أنفسهم نتيجة التصفية التي تعرض لها الكثيرون منهم بسبب انتقادهم للمليشيات المسيطرة على المحافظة، والذين كان آخرهم فهد سلام، أستاذ الحاسوب، بجامعة الحديدة.
ولخصت مسنة الوضع الجاري في المحافظة لـ “الأيام” بالقول: “بتظل الحديدة مثل تعز تمامًا، وعلى الناس لازم يتعودون على سماع أصوات المدافع والاشتباكات”.

وأضاف العتمي طاهر، وهو أحد المواطنين: “إن مسألة انتهاء الحرب في الحديدة موضوع بعيد المدى، فالحرب سوف تأخذ وقتها وعلينا أن نصبر على هذا الوضع، المحادثات التي تجري بين الطرفين والخلافات الكثيرة في تلك الاجتماعات جعلت جميع المواطنين يشعرون بخيبة الأمل اتجاه هذا الاتفاق وخصوصاً أن وقتها طال إلى أكثر من مائة يوم”.
عراقيل تجعل اتفاق السويد غير ممكناً؛ ومنها الانحياز الأممي خصوصاً بعد أن قدم المبعوث الأممي اليمن، مارتن جريفيثس، إحاطته لمجلس الأمن حول اتفاق ستوكهولم وقدم في إحاطته تلك أن مسألة إعادة الانتشار في الحديدة ستتم بعد ساعات، فتلك الإحاطة بحسب مراقبين لم تكن إلا مراوغة وكسب وقت بدل الضائع، لما فيه مصلحة المليشيات الانقلابية في الوقت الذي تمارس فيه الكثير من الخروقات، ومنها استهداف موكب فريق المراقبين بالرصاص وإطلاق صواريخ بالستية على الفريق تم اعتراضها من قِبل التحالف، فضلاً عن استهدافها للمدنيين، وعلى الرغم من كل هذه التجاوزات والتي يعلمها المبعوث الدولي، مارتن جريفيثس، جيدا، لم يصدر حتى الآن بياناً يوضح فيه حقيقة عرقلتها لاتفاق السويد.

وأوضح التحالف العربي في بيان نشره الخميس الماضي “بأن مليشيا الحوثي ارتكبت 283 خرقاً لوقف إطلاق النار بالحديدة خلال أسبوع”، ولفت إلى أن الخروقات شملت الرماية بمختلف الأسلحة الخفيفة والهاونات وصواريخ الكاتيوشا، وأدت إلى مقتل 6 مدنيين وإصابة 24 آخرين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى