اﻟﻀﺎﻟﻊ ﺗﺰﺣﻒ ﻓﻮق اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ

> أحمد عبداللاه

> ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻫﻨﺎك وﻗﻊ ﺣﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﻜﻠﻤﺎت، ﻓﺎﻟﻀﺎﻟﻊ ﺗﺰﺣﻒ ﻓﻮق اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ وﺗﻤﺤﻮ اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻨﻦ ﺳﺮدﻳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ. أيّ ﺿﺎﻟﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮق ﺧﻴﺎل اﻟﺮواﺋﻲ وﻫﻮ ﻳﻮﺛﻖ ﺧﻔﺎﻳﺎ اﻟﺤﺮب وﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﻧﺼﻮصا ﻣﺘﺮﻋﺔ ﺑﺮﻃﺎﻧﺔ اﻟﻤﻬﻨﺔ، اﻟﺒﻌﻴﺪة ﻋﻦ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﻘﺪرات اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻹدراك؟!
اﻟﻀﺎﻟﻊ ﺗﻘﺎوم ﺣﺮﺑﺎً دﻗﺖ أوﺗﺎدﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﺒﺮ ﻣﻦ أرﺿﻬﺎ ﻟﺘﺼﺐ ﺟﺤﻴﻤﻬﺎ ﻓﻮق اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ واﻟﺒﻠﺪات واﻟﻘﺮى، ﺗﺼﺪ اﻟﻌﺪوان اﻟﻬﻤﺠﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﻋﻘﻴﺪة أو ﺷﺮفا وﻻ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻘﻮاﻋﺪ اﺷﺘﺒﺎك ﻣﺘﻌﺎرف ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺮوب اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﻣﺘﺠﺎوزاً ﻛﻞ ﻗﺒﺢ اﻟﻔﺎﺷﻴﺔ اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ.

ﻫﻲ ﺣﺮب أُرﻳﺪ ﻟﻬﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ، ﻻ ﻣﺤﺮﻣﺎت ﻓﻴﻬﺎ وﻻ ﻣﺤﺪدات، ﺗﺼﺐ أﻃﻨﺎنا ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺪ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﻋﻠﻰ الأﺣﻴﺎء واﻟﻨﺒﺎت واﻟﺠﻤﺎد ﻟﺘﺪوّن ﻓﺼﻮﻻً ﻣﻦ اﻟﻬﻤﺠﻴﺔ غير المسبوﻗﺔ. ﻟﻜﻨﻬﺎ أﻳﻀﺎً اﻟﺤﺮب اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻒ ﻓﻲ وﺟﻬﻬﺎ اﻷﺑﻄﺎل اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺬﻳﻦ أدﺧﻠﻮا اﻟﻌﺪو ﻓﻲ ﻋﺎر ﻫﺰاﺋﻤﻪ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ وﺣﺼﺮوﻩ ﻓﻲ ﻧﻜﺒﺎﺗﻪ اﻟﻤﺘﺘﺎﻟﻴﺔ.
اﻟﻀﺎﻟﻊ أﺳﻘﻄﺖ ﺻﻔﺎت اﻻﺳﺘﺒﺴﺎل اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻣﻦ ﻗﻮاﻣﻴﺲ اﻟﻤﻮاﺟﻬﺎت غير المتكاﻓﺌﺔ، ﻟﺘﺆﺳﺲ ﺗﺎرﻳﺨﺎً ﺟﺪﻳﺪاً ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻔﻮﻻذﻳﺔ اﻟﻤﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﻣﻊ اﻟﺤﺎﺿﻨﺔ اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ وﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻄﻮﺑﻮﻏﺮاﻓﻴﺎ ﻣﻌﺪات ﺣﺮﺑﻴﺔ، وﻣﻦ اﻟﺴﻬﻮل ﻛﻤﺎﺋﻦ وﻣﻦ اﻟﺘﻼل منطلقا ﻟﻠﺼﻘﻮر اﻟﺠﺎرﺣﺔ.. ﻣﻦ اﻟﺸﻮارع واﻟﻤﻨﺤﻨﻴﺎت واﻟﺰواﻳﺎ، ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ واﻟﻨﻬﺎر، وﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﻨﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻨﻪ أﺳﻠﺤﺔ ﻓﺘﺎﻛﺔ.

اﻟﻀﺎﻟﻊ ﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺟﺪارﻳﺔ «ﺟﻴﺮﻧﻴﻜﺎ» ﻓﺤﺎﻻت اﻟﺼﻤﻮد ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻲ أرﻫﻘﺖ ﻣﺪاﻓﻊ اﻟﻌﺪو ﺗﻔﻮق ﻣﺎ ﺻﻮرﺗﻪ رﻳﺸﺔ ﺑﻴﻜﺎﺳﻮ اﻟﺘﻲ ﺣﻮﻟﺖ ﻗﺒﺢ اﻟﺪﻣﺎر إﻟﻰ إﺑﺪاع ﺗﺸﻜﻴﻠﻲ ﺧﺎﻟﺪ، ﻷن اﻟﻀﺎﻟﻊ ﻟﻮﺣﺔ واﻗﻌﻴﺔ ﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺣﻴﺔ ﺑﻤﺤﻴﻄﻬﺎ اﻟﻤﻘﺎوم ﺗﻠﻘﺖ ﻣﺎ ﻫﻮ أﻓظﻊ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ اﻟﻤﺠﺴَّﺪة ﻋﻠﻰ ﺟﺪران اﻟﻤﺘﺎﺣﻒ. وﻻ ﻧﺤﺴﺐ «اﻹﻟﻴﺎذة» اﻟﻤﻠﺤﻤﻴﺔ ﺗﺪاﻧﻲ وﺻﻔﺎً ﻟﻤﺎ ﺗﺴﻄﺮﻩ اﻟﻀﺎﻟﻊ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ الأﻳﺎم ﻣﻦ ﻧﺼﻮص، ﻷﻧﻬﺎ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ وليست ﺗﺼﻮﻳﺮا ﺧﺮافيا ﻳﻔﺠﺮﻩ إﺑﺪاع ﻫﻮﻣﻴﺮوس ‏(اﻷﻋﻤﻰ)، أو ﻳﺠﺴﺪﻩ ﻧﺺ ﺣﻜﺎﺋﻲ.

ﻛﺜﻴﺮون ﻣﻦ ﺳﻤﻌﻮا واﻧﺘﺒﻬﻮا إﻟﻰ ﺗﺎرﻳﺦ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻘﺮ أُﺳُﻮدﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻐﺮاﻓﻴﺎ ﺣﺮﺟﺔ وﻋﺎﺷﺖ ﻣﺮاﺣﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت اﻟﻜﺒﻴﺮة، ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﻳﺪوّﻧﻪ واﻗﻊ اﻟﻴﻮم ﺧﺮج ﻋﻦ اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ اﻟﻤﻌﻬﻮدة، ﻓﻤﺼﻨﻊ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺠﺎﻳﻞ وأﻧﺘﺞ ﻣﺎ ﻳﻔﻮق ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ وأﺧﺮج ﻣﻦ ﺻﻠﺒﻪ شعبا ﺗﻌﻤﻘﺖ ﻓﻲ ﺟﻴﻨﺎﺗﻪ ﺷﻔﺮات اﻟﺒﻘﺎء اﻟﻌﺼﻲ ﻋﻠﻰ اﻻﻧﻜﺴﺎر.
اﻟﻀﺎﻟﻊ ﻻ ﺗﻌﻮّل ﻛﺜﻴﺮاً ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻷﻣﻤﻴﺔ أو ﻣﺮﺳﻮﻣﺎت اﻟﻘﺼﻮر وﻻ ﺗﺴﺘﻮﻗﻔﻬﺎ اﻟﺸﺨﻮص اﻟﻤﺘﻠﻔﺰة اﻷﻧﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻴﺪ اﻟﺒﻘﺎء اﻵﻣﻦ ﻓﻮق ﺟﺮاﺣﺎت الآﺧﺮﻳﻦ، ﻓﻘﺪرﻫﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺔ وﺑﻌﻴﺪة ﺑﻘﺪر ﻛﺒﺮﻳﺎﺋﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﺤﺎﺻﺼﺔ. ﻫﻲ اﻟﻀﺎﻟﻊ ﺳﻮر اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻜﻞ دﻣﺎﺋﻬﺎ ﺗﺴﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﻟﺬاﺗﻬﺎ وﻟﻜﻦ لأﻧﻬﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﻗﻀﻴﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺠﻨﻮب ﻛﻠﻪ، ﺑﺘﺮاﺑﻪ وﻣﻴﺎﻫﻪ وﺳﻤﺎﺋﻪ وﺗﺎرﻳﺨﻪ وﻛﻞ ﺷﻌﺒﻪ.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى