اليمن.. الهروب من جحيم الحرب إلى بؤر المرض والموت

> «الأيام» غرفة الأخبار

>
بعد أسبوع من إسعافهم إلى مستشفى السبعين بالعاصمة صنعاء، مات الطفلان وأصيبت الأم بالكوليرا، ولم يعد من يرافقها في مرضها أو ما سيتبقى من حياتها.

هكذا تختزل أم سحر ذات العقد الثلاثيني قصتها وتقول: «جئت آملةً في إنقاذهم ولم أكن أعلم بأني أذهب بهم إلى بؤرة الموت، حيث لا علاج ولا اهتمام ولا نظافة ولا رعاية صحية في المستشفيات الحكومية، ولولا فاعل خير أخرجني وتكفل بعلاجي بمستشفى خاص لكنت الآن بجوار سحر وشادي».

وعلى المنوال نفسه، يصف أبو صابر معاناته قائلا: «أسعفت ابنتي وزوجتي إلى مستشفى 22 مايو، وعبر وساطة أحد المعروفين معي حصلت على سرير واحد لهما، إلا أنه طيلة يوم كامل لم يتم إعطاؤهما أي علاج، فتدهورت صحتهما، الأمر الذي جعلني أنقلهما إلى مستشفى خاص».

قصص لا تنتهي ومأساة لا تتوقف، إذ تكتظ المستشفيات بالمصابين بالكوليرا، ويكتفي الكادر الطبي في المستشفيات بالتشخيص من خلال أعراض المرض الظاهرة على المريض، فالوباء ينتشر بشكل مريع، فلا متسع من الوقت لانتظار نتيجة فحص لوباء تتضح سماته أمامهم.


وفي حوارات للقاءات أجرتها جريدة الشرق الأوسط اللندنية مع ذوي المرضي، يقول سعد، وهو مرافق لمصاب بالكوليرا: «إذا كان المريض محظوظاً سيحصل على سرير يستلقي عليه، حيث لا يمنح إلا لمن حالته خطرة ولديه وساطة في المستشفى، وإن كان أقل حظاً فسيفترش الممرات، وإن لم يواكبه الحظ فستقيد بياناته ويستلقي في فناء المستشفى».

ويضيف الطبيب أبو إسماعيل: «ينعدم في المستشفيات الخاصة فحص الكوليرا، لاحتكارها من قِبل الميليشيات في المستشفيات الحكومية فقط، وفي ظل انعدام العلاج وغياب العناية الصحية والنظافة يأتي المصاب إلى المستشفى الحكومي ثم يهرب ومرافقه، خوفاً من العدوى، فيفضل الذهاب إلى مستشفى خاص. فأغلب المرضى لا يثقون به نتيجة الإهمال وعدم توفر أبسط الرعاية الصحية، وانعدام التعقيم. ولا يستمر في المستشفى إلا المعسرون الذين لا يملكون ما يمكنهم من العلاج في المستشفيات الخاصة».

وتعتبر المياه الملوثة العامل الأكبر لانتقال الكوليرا، بنسبة 90 في المائة، و10 في المائة بسبب الطعام الملوث، حيث تزيد حالات الإصابة مع حلول موسم الأمطار وانهيار الخدمات الأساسية، بما فيها أنظمة التزويد بالمياه الصالحة للاستخدام، وشبكات المياه والأوضاع السيئة لأنظمة التخلص من مياه الصرف الصحي، واستخدام المياه الملوثة للزراعة، وعدم ضمان توفر الكهرباء لتخزين الطعام.

مصدر مسؤول في مؤسسة المياه والصرف الصحي القابعة تحت سيطرة الميليشيا بصنعاء، يتهمها بأنها سبب في انتشار الكوليرا والمتاجرة بحياة المواطنين. ويضيف المصدر في تصريح: «عمدت ميليشيا الحوثي إلى تعطيل محطة معالجة مياه الصرف الصحي شمال العاصمة صنعاء، التي تعد البؤرة الرئيسية لتفشي وباء الكوليرا، إذ يتجاهلون إعادة تشغيلها رغم جاهزيتها وينقصها فقط مادة الديزل».

وترجّع مصادر طبية تردي الأوضاع الصحية وانتشار الأوبئة إلى الصلف واللامبالاة التي تمارسها ميليشيا الحوثي في هذا القطاع، سواء عبر منع إيصال المساعدات والمعونات المقدمة من قِبل المنظمات والمجتمع الدولي أو الاستحواذ عليها وبيعها في السوق السوداء، كما تقوم سياسة ميليشيا الحوثي في التعامل مع الأموال والمخصصات التي تقدمها المنظمات الدولية والمحلية بوضعها في المكان غير الصحيح.

وتكتفي الميليشيا بإعلان حالة الطوارئ في صنعاء، وتعلن عن مراكز ومستشفيات لعلاج الكوليرا، ولكن الكثيرين حين يذهبون لهذه المراكز يتفاجؤون بأنه لا وجود غير الإهمال، إن لم يكن الرفض لاستقبال حالاتهم.
ويفضح فاعل خير بعض ممارسات جماعة الحوثي: «ساعدتُ بعض المعسرين المصابين بالكوليرا لتجاوز حالة الخطر، وعندما عرف الحوثيون ضايقوني وأجبروني على التبرع للمجهود الحربي». ويسترسل قائلاً: «لا رحموا المرضى ولا تركوا رحمة الله تنزل!».

وتنتشر الكوليرا في أطراف المدينة والأحياء التي تتكدس فيها القمامة أو التي تمر فيها السائلة، حيث أصبحت مرتعاً خصباً للأمراض، ويتم تصريف المجاري إليها. وتعد منطقة بني الحارث والروضة من أسوأ المناطق بصنعاء، إذ يجتاحها الوباء بسبب أن المزارع تُروى من مياه الصرف الصحي وليست مجاري منازل فقط؛ بل مجاري مستشفيات والكثير من المؤسسات والشركات التي تنتج السموم.

وشهد شهر مارس المنصرم الذي تزامن مع هطول الأمطار ارتفاعاً كبيراً بحالات الإصابة بالكوليرا في عموم اليمن، ففي ذمار تستقبل المستشفيات عشرات الحالات يومياً من المصابين بالكوليرا.

ويقول مدير طوارئ إحدى المستشفيات الخاصة بمدينة ذمار: «أغلب الحالات تصل فاقدة للوعي بسبب الإسهامات المائية الحادة، وخصوصاً من الريف، لعدم توفر أبسط العلاج الإسعافي في مراكز المديريات، وهو ما جعلنا نضاعف الكادر الطبي والتمريضي في قسم الطوارئ.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية، الإثنين الماضي، ارتفاع حصیلة الوفیات بمرض الكوليرا في الیمن إلى 291 حالة منذ بدایة العام الجاري 2019م.
وقال مكتب المنظمة في الیمن في إحصائية حدیثة: “إن عدد الإصابات بالمرض الذي تشمل أعراضه إسهالاً مائیاً حاداً بلغ (147927) شخصاً، منذ بدایة العام وحتى 28 مارس الماضي”.


وفي حين أظهرت الإحصائية ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات والوفيات بالكوليرا خلال شهر مارس، أوضحت أنها بلغت (76152) إصابة، و195 حالة وفاة، كما كشفت أن منطقتي صنعاء وریفها تصدرتا أعلى نسبة إصابة بالمرض على مستوى الیمن وسجلتا معا 58 حالة وفاة.

وبیّنت الإحصائية أن محافظة إب سجلت أعلى نسبة وفیات على مستوى البلاد، إذ بلغت 49 حالة وفاة تلتها ریمة وذمار بـ 32 حالة لكل منھما، ثم تعز وعمران بـ 28 و25 حالة على الترتیب.
وكانت منظمة الصحة العالمية سجلت (2743) حالة وفاة بالكوليرا، من أصل قرابة 1.4 ملیون إصابة منذ تفشي الوباء في الیمن في أبریل 2017 وحتى نھایة عام 2018.

وتصنف اليمن من أسوأ البلدان معيشة في العالم، إذ يفتقد أكثر من 80 في المائة من السكان للغذاء والوقود والمياه النظيفة ويفتقر نحو 20 مليون شخص إلى الرعاية الصحية الكافية، منهم نحو 18 مليون شخص لا يحصلون على المياه النظيفة أو الصرف الصحي.

وتكشف منظمة الصحة العالمية عن أن 7.6 ملايين شخص يعيشون في مناطق مهددة بخطر انتقال عدوى الكوليرا إليهم، وأن أكثر من 600 مرفق صحي معطل عن العمل، كما أن الكثير من المرافق الصحية التي ما زالت تعاني من قلة الموظفين، أو أنها تعمل بأدنى طاقتها التشغيلية.

ولعل الأرقام وحدها لا تفصح عن الحجم الحقيقي لانتشار الوباء الذي يفتك بالكثيرين، خاصة كبار السن والأطفال، وهم أشد الفئات تضرراً ويمكن أن تقتل الكوليرا ما نسبته 15 في المائة من المصابين بها في غضون بضع ساعات.

وكانت ميليشيات الحوثي قامت ببيع قاطرتين من مادة الكلور المستخدم في مكافحة وباء الكوليرا والمقدمة من منظمة اليونيسيف ضمن برنامج مساعدات الدعم الخاصة بمكافحة الكوليرا وتنقية مياه الشرب.

وبدأ الانتشار للوباء في أكتوبر 2016م، وواصل انتشاره، لكنه انحسر بعد حملات طبية مكثفة قامت بها المنظمات قبل أن يعود عام 2017، وكان الأسوأ انتشاراً إذ تم الإبلاغ عن أكثر من مليون حالة وتوفي 2500 شخص بسبب العدوى ليعاود الانتشار في شهر مارس من هذا العام بشكل مرعب.

وتتفاقم المعاناة بين ارتفاع أسعار المستشفيات الخاصة، ورفض المستشفيات الحكومية لاستقبال حالات جديدة للعلاج ما نتج عن ذلك وفاة المئات من اليمنيين المصابين بالكوليرا.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى