من بن عمر إلى جريفثس.. قضية الجنوب في أجندة المبعوثين الأمميين

> جمال جبران

>
يتضاعف انعدام ثقة اليمنيين بالمبعوثين الدوليين وإمكانية تحقيق اختراق في الأزمة مع كل مبعوث جديد يأتي إلى اليمن، ومع كل تعثر يصيب محاولات التوصل إلى حل ينهي الحرب. بدأت القصة منذ المبعوث الدولي الأول المغربي جمال بن عمر ومن بعده الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وتفاقمت المسألة مع مجيء المبعوث البريطاني مارتين جريفثس، فمع كل تصريح إعلامي له عن تقدّم خطوات السلام، تحل كارثة جديدة على الأرض، وتُفتح معارك جديدة.

وزادت العبثية أخيراً بعد تعيين الدنماركي مايكل لوليسغارد رئيساً لبعثة المراقبين في مدينة الحديدة ومتابعاً لتطبيق قواعد اتفاقية ستوكهولم التي تم التوصل إليها في ديسمبر الماضي، خصوصاً عقب تداول تسريبات عن استئجار الأمم المتحدة فندقاً في مدينة الحديدة لمدّة ثلاثة أعوام قابلة للتمديد، وهو ما يعني من وجهة نظر المدنيين اليمنيين تحديداً الذين يعانون ويلات المواجهات العسكرية منذ نحو 5 سنوات، أن المسألة ستطول، في الوقت الذي ينتظر فيه اليمنيون انفراجات قريبة، بما يتيح وضع حد لمأساة المدنيين المتفاقمة في بلد أقرت الأمم المتحدة أن الحرب تسببت في انتكاسة تطوره لأكثر من 20 عاماً، وأنه «حتى لو كان هناك سلام غداً، فسيستغرق الأمر عقوداً ليعود اليمن إلى مستويات التنمية التي كان قد وصل إليها قبل الصراع»، على حد وصف ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، أوك لوتسما.

وعلى الرغم من أن اليمنيين يجمعون على إبداء تحفّظات على أداء المبعوثين الدوليين، إلا أن المقاربات تجاه أسباب تعثّرهم تختلف تبعاً لقراءات كل طرف للصراع وأسبابه، وبينما تحمّل الشرعية اليمنية الحوثيين مسؤولية إفشال أي محاولة للحل بسبب تعنّتهم إزاء التجاوب مع أي مقترحات، لم يكن المبعوثون الدوليون بمنأى عن انتقاداتها، تحديداً جريفثس الذي تم تعيينه في منصبه في فبراير 2018. وعلى الرغم من أنه نجح خلال عام من التحركات المكوكية في جمع طرفي النزاع في ستوكهولم في ديسمبر الماضي، عقب فشل أولى محاولاته في سبتمبر من العام نفسه، إلا أن انخراطه في المباحثات بشأن تفاصيل الاتفاقات جعله في مرمى هجوم الطرفين أكثر من مرة.

وزير الخارجية اليمني الحالي، خالد اليماني، اشتكى في رسالة رسمية وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس من ما سمّاها «تجاوزات المبعوث الدولي» على خلفية مناقشات أجراها المبعوث الأممي بشأن كيفية تطبيق تفتيش السفن في موانئ الحديدة. وفي موازاة ذلك، تعرض جريفثس لانتقادات عدة من قِبل الحوثيين، بما في ذلك اتهامه من قِبل المتحدث الرسمي باسم الجماعة، رئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، قبل فترة بأنه «ليس مبعوثاً للأمم المتحدة وإنما مبعوث إنجليزي يمثل بريطانيا»، وذلك على خلفية الاستياء من تصريحات وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت بشأن الحديدة وضرورة الانسحاب منها. 

وخبِر جريفثس، خلال الأشهر الأخيرة، عبر الانتقادات التي طاولته من طرفي الحرب ومن المدنيين الذين تراجعت ثقتهم بشأن إمكانية نجاح جهوده، ما مرّ به بن عمر وولد الشيخ أحمد، اللذين ظلا يتنقلان على طاولات المفاوضات بلا نتيجة محسوسة من قِبل أهل اليمن.
وبدأ بن عمر مهامه في اليمن كمستشار خاص للأمين العام للأمم المتحدة ثم عين كمبعوث للمنظمة في أغسطس 2012 واستقال في أبريل 2015، وشهد اليمن خلال تلك السنوات أصعب محطاته بدءاً من التحديات التي سبقت إنجاز اتفاق نقل السلطة في نوفمبر 2011، ثم تعثر تطبيق مخرجات الحوار الوطني الذي اختتم في يناير 2014، مروراً باجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية (أشرف بعدها بن عمر على رعاية تطبيق اتفاقية السلم والشراكة بين الرئاسة اليمنية والأحزاب وبين الحوثيين). كما شهد بن عمر إطلاق التحالف العربي بقيادة السعودية «عاصفة الحزم» في 25 مارس 2015، قبل أن يستقيل بعدها بأسابيع فقط ليخلفه ولد الشيخ أحمد، الذي عُيّن في منصبه بالتزامن مع مرور شهر كامل على حرب التحالف، واستمر فيه حتى فبراير 2018، من دون أن يتمكن عبر جولات التفاوض التي جمع خلالها الشرعية والحوثيين من تحقيق اختراق حاسم ينهي الحرب، ليترك المهمة لخلفه جريفثس، الذي يواصل مساعيه من دون أن يكون سقف الآمال لدى اليمنيين مرتفعاً.

ويستعيد الناشط اليمني، عبدالواحد العوبلي، تاريخ المبعوثين الدوليين إلى اليمن، بداية من الأخضر الإبراهيمي في 1994، إبان الحرب التي قادها الرئيس السابق علي عبد الله صالح لإعادة فرض الوحدة بالقوة، ومن جاء بعده في فترة 2011 وحتى اليوم. ويقول: «حتى أولئك الذين تنتدبهم الأمم المتحدة لحل النزاعات في مختلف مناطق الحروب حول العالم، نجد أنه لم يسبق لأي منهم التوصّل لحل أي صراع في أي منطقة من مناطق العالم، فالأمم المتحدة ترسل مندوبيها لأهداف سياسية واقتصادية، ليس أحدها حل أو إنهاء الخلاف الحاصل بين الأطراف المتصارعة».

ويسجل العوبلي ملاحظات عدة على أداء المبعوثين الدوليين ووكالات الأمم المتحدة، قائلاً: «إن حصول صراعات في إحدى الدول معناه بداية موسم جديد لجمع الأموال بحجة إغاثة مناطق الحرب والمرضى والنازحين والمشردين، وتبدأ الأمم المتحدة ومنظماتها في إرسال رسائلها الإعلامية مستجدية العطف والشفقة بعذر الاحتياجات الماسة المزعومة للناس في مناطق الصراعات»، ويضيف: «عند مراجعة ما تقوم به هذه المنظمات على أرض الواقع والتقارير التي تصدرها، نجد أن ما يصل إلى المستفيدين لا يساوي حتى 10 في المائة مما يتم التحدث عنه في الإعلام أو في مؤتمراتهم التي يحشدون فيها الأموال من دافعي الضرائب»، مشيراً إلى أن الحصة الأكبر من الأموال المحصلة تنفق على المخصصات المالية لموظفي هذه المنظمات الذين يحصلون على مداخيل تفوق في بعض الأحيان رواتب كبار الموظفين في حكومات دول عظمى وشركات عملاقة وبنوك، ناهيك عن نفقاتهم الخاصة من استئجار مبانٍ فخمة وسيارات فارهة وطائرات وبواخر، والتي تُنفق عليها مبالغ تكفي لجعل الشعوب التي يدعون مساعدتها في وضع ميسور، في الوقت الذي تستمر فيه معاناة الناس من الجوع والمرض.

من جهتها، تشير الناشطة والباحثة اليمنية، هدى العطاس، إلى أن اليمن مرّ عليه منذ 2011 ثلاثة مبعوثين دوليين، «ولربما هذا أكثر تغيير لمبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة يشهده تاريخ صراع في بلد ما»، لافتة إلى أن الصراع اليمني منذ تصاعده حتى وصوله إلى حرب ضروس، جرت «أقلمته»، وتم بشكل غير مباشر «تدويله».
وتوضح العطاس أن «الصراع اليمني اتخذ أشكالاً متعددة ومتنوعة، حتى وصول التأزيم إلى حرب طاحنة، وواكب هذه المراحل وتصاعد التأزيم في البدء المبعوث الأممي جمال بن عمر، والذي اصطدم بمشهد متشابك يصعب فرز وتفكيك عناصره وقواعد اشتباكه، فخاض في رمال متحركة ولم يستطع الحفاظ على توازنه، مما جعل البعض يرى أن توازنه قد مال نحو طرف، مولياً ظهره عن بقية الأطراف، ولم يستطع الإمساك بكامل خيوط المشهد». وأضافت: «جاء ولد الشيخ كمبعوث ثانٍ، وبدا قليل خبرة مرتبكاً، فلم تقوَ عصاه على ضرب الأفاعي التي انفلت عقالها وزحفت على المشهد، وأقصد بذلك كل القوى والأطراف السياسية في منظومة الحكم أو تلك التي تقاسمته بشكل أو بآخر، أو الحوثيين كقوة صاعدة». وتعتبر العطاس أن «ولد الشيخ غفل عن قراءة كل زوايا المشهد اليمني المتأزم وديناميات صراعه، وعندما غادر خارطة المشهد، ترك خلفه فوارغ وأموراً مستعصية ورثها المندوب البريطاني الجديد مارتن جريفثس، والذي ما زال يخالجه التفاؤل، لأسباب ذاتية وموضوعية، إذ يتوفّر له ما لم يتوفر لسابقيه».  وتوضح وجهة نظرها قائلة: «هو أولاً غير عربي، وهذا له بُعد تمييزي فهو يلقى دعماً من قارة كاملة، ومن دولته التي تعد عظمى، عدا عن بقية الدول العظمى الأخرى ذات النفوذ والقرار في مجلس الأمن وفي العالم أجمع». وتتابع: «إضافة إلى ذلك، هناك ظروف المرحلة التي وصل إليها مشهد الحرب في اليمن، وإلى حد كبير أصبحت رقعة المشهد وبيادق اللعبة واضحة أكثر مما سبق. كذلك حدثت تغييرات كثيرة، فالحوثي أصبح طرفاً متفرداً في الشمال بعد اغتيال علي عبدالله صالح، وضم ما تبقّى من تابعيه إلى الجماعة الحوثية، وفي الجانب الآخر تبدو الشرعية متصدعة منقسمة على ذاتها، وإن بدت واجهاتها كأنما موحّدة».

وتلفت العطاس إلى أن هذه الأسباب تضاف إليها العوامل الذاتية لجريفثس «الذي يبدو أكثر حركة من سابقيه، وقدرة على اتخاذ القرار، وقد استطاع الضغط على الأطراف ودفعهم للجلوس على طاولة الحوار في السويد، والتوقيع على اتفاق لإطلاق العملية السياسية، حتى وإن ماطلوا بعد ذلك وتهربوا من تنفيذه، ولكنه قد انتزع الخطوة الأولى».
وتتطرق العطاس في حديثها إلى قضية الجنوب، ومواقف المبعوثين الثلاثة منها، موضحة أن «بن عمر تقدّم إلى ضفة القضية بعد أن ابتعد كثيراً بعيداً عنها، وفي إفادته الأخيرة إلى مجلس الأمن أكد محورية القضية، كما أكد أن مطلب الانفصال هو المطلب الأوسع بين الجنوبيين، وشدد على أن لا سلام إلا بحل لهذه القضية يرضي الجنوبيين». وتضيف: «بينما لم يتخذ ولد الشيخ أي موقف من القضية، ولم يولها أي اهتمام، وربما لم يسعفه الظرف والوقت، إذ كان آتون المعارك مشتعلاً، وإن كان ذلك لا يعفيه من مسؤوليته وعدم القيام بمهمته كما ينبغي، وإهماله لقضية محورية في صلب المشهد اليمني». وفيما يخص جريفثس الذي ما زال يواصل دوره ومهامه، فإنه بحسب العطاس «أبدى اهتماماً ملحوظاً، وأولى هذه القضية عناية وحرصاً إلى حد ما، غير أن تعاطيه مع مفاعيل القضية ما زال قاصراً، وما زالت وسائله منمطة في ما يخص حلها، وتدور في فلك خطاب القوى الشمالية ورؤيتها للحل، هذه القوى التي هي أساس المشكلة وجوهر عقدتها»، على حد وصفها. وأضافت: «يستوجب على جريفثس الذهاب إلى تعاطٍ جديد يهيئ لحل جذري، وليس تجزئة للحلول، مما يبقي على فتيل التأزيم والصراع مشتعلاً».

أما الصحافي في جريدة «الثورة» التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، مجدي عقبة، فيعتبر أنه «لا يمكن القول إن هناك مبعوثاً جيداً وآخر سيئاً، بل هناك أجندة جاهزة ومتفق عليها مسبقاً»، مضيفاً: «كان واضحاً وجلياً منذ البداية أن ثمة اتجاهاً لتدويل الحرب ضد اليمن من أجل تحقيق مشروع الأقلمة وتقسيم البلد، وبالتالي سهولة التهام ثرواته وضياع إنسانه».
عقبة يتهم بن عمر بأن «مهمته كانت تدويل الأزمة اليمنية، وإدخال اليمن في البند السابع، والتهيئة للحرب والتدخّل الخارجي، وانتهت مهمته فور انطلاق الحرب الخارجية على اليمن»، مضيفاً: «بعد ذلك أتى ولد الشيخ وكان مبعوثاً سعودياً بامتياز، فعمل على تحقيق المرحلة الثانية من أهداف السعودية والدول الكبرى، من خلال تمكينها من السيطرة على المحافظات الجنوبية وموانئها، وشرعنة إنشاء جيوش على أسس مناطقية ومذهبية، والتحضير لتنفيذ مشروع الأقلمة».

وبالنسبة للمبعوث الحالي مارتن جريفثس، فيشير عقبة إلى أن «البعض يسميه المبعوث البريطاني إلى اليمن، كونه ينفذ أجندة بريطانيا في اليمن، من خلال فرض الأقلمة على الأرض، لاسيما بعد الانتهاء من تمزيق الجيش اليمني وإنشاء جيوش ومليشيات وفق أسس مذهبية ومناطقية، وكذلك تمكين الدول الكبرى من السيطرة على ما تبقّى من موانئ وسواحل اليمن عن طريق اتفاقيات أبرمت برعاية أممية الهدف منها شرعنة نهب ثروات اليمن، والتدخّل في شؤونه الداخلية». ويخلص إلى القول: «طالما توجد مصالح لبعض الدول في استمرار الحرب في اليمن، خصوصاً الدول الكبرى المتحكّمة بالقرارات الأممية، فمن المؤكد أن هذه الدول لن تسمح لليمنيين بالتوصل إلى حلول تنهي الأزمة الداخلية وتعمل على إيقاف الحرب الخارجية التي دخلت عامها الخامس في ظل صمت أممي ودعم دولي وإقليمي».

«العربي الجديد»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى