كيف يرى الإستراتيجيون الشأن اليمني؟

> كتبه/ د. باسم المذحجي*

>
د. باسم المذحجي
د. باسم المذحجي
الذي يقر عدالة قضية ما أو عدم عدالتها ليس التدخل العسكري لمصلحتها، بل القيم والمبادئ التي تمثلها، والممارسات التي تبررها بهذه القيم والمبادئ.
جماعة الحوثي لا تمثل القضية اليمنية، بل تمثل عقيدة جيوستراتيجية، والتي تجمع إيران بحلفائها وأذرعها بالمنطقة العربية الشرق أوسطية أيديولوجياً «آل البيت»، وبروباجاندا معاداة اليهود والنصارى.

يا عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، لست قائداً بالفطرة، ولست قائداً بالخبرة، والمهارات التي اكتسبتها، بل أنت شاب طائش تقبع في بدروم جامع «عطية» المجاور لمدرسة «إسحاق» في سعوان بمديرية شعوب بالعاصمة صنعاء، يحرسك طقم وحيد من الأمن المركزي، وباختصار، فأنت أراجوز يُدار ضمن دائرة نفوذ بقطر أكبر، تخدم المصالح الإيرانية الكارثية في منطقتنا العربية.
إيران تريد من جماعة الحوثي إيصال رسالة للعالم، بأن اليمن ضمن دائرة نفوذها، والتي يتوجب على العالم احترامها، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، ومعظم الدول العربية، وأن لا يعمل على تقليص هذا النفوذ.

ما هي جماعة الحوثي؟
جماعة الحوثي ترتبط ارتباطاً عضوياً بالإمامة، والدولة الملكية التي حكمت اليمن قبل 26 سبتمبر 1962، ونذكر ذلك للإضاءة على ما طواه النسيان.
لكل ما سبق، فجماعة الحوثي الميليشاوية الإرهابية لا تمثل قضية يمنية، لا من حيث المبادئ، ناهيك عن الممارسات، وكل ما تمتلكه هو عبارة عن مصالح أفراد ينتحلون صفات جماعية، وبالتالي كل من يقف مع جماعة الحوثي اليوم ليس موقفه ثابت، بل مصلحته ثابتة.

لقد ارتكب الرئيس الأمريكي أوباما فشلاً إستراتيجياً، وتقديراً خاطئاً عندما سلم بإمكانية تدخل إيران في دول المنطقة العربية كدولة عظمى، خصوصاً وقد قامت السفارة الأمريكية بتسليم مبنى السفارة والمركبات والمعدات كعهدة عند جماعة الحوثي قبيل مغادرة مطار صنعاء الدولي، وقد كلفت أخطاء أوباما، وتصرفات اليسار الأمريكي حتى اليوم ثمناً باهظاً عاد بالكارثة على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن، وخصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب.

ما هي مشكلة اليمن؟
اليمن تعاني من ثورة شعبية دخلت فيها عناصر كثيرة غير ملتزمة بمبادئها، بل ما زاد الطين بلة، هي محاولة جماعات لاحتكارها، وهذا ما أفسح الطريق لإيران لتجعل جماعة الحوثي أبرز أدواتها في اليمن.
الحرب في اليمن لم تعد حرب أخلاق وقيم، بل حرب جيوستراتيجية، تديرها إيران لتفرض جناحاً طائفياً دينياً مقصوراً في أجزاء معينة من اليمن، ليكون مشروعه نشر الفوضى والدمار في بقية الأجزاء اليمنية الأخرى، وهذا هو الحال الذي تريد إيران إبقاءه كمشروع إستراتيجي في اليمن.

لو كانت المشكلة (الأزمة في اليمن) هي حرب أهلية فقط، لكانت انتهت بالمصالحة، كما حدث 2012، بموجب اتفاق المبادرة الخليجية.
الحاصل في اليمن أن جماعة الحوثي المدارة من إيران تسعى دوماً لخلق عدو فنعتت اليمنيين بدواعش، ومرتزقة، ومنافقين، وتكفيريين..الخ.

لدينا فقط عقل عصابات، وليس عقل دولة كما يتم الترويج له تحت مسمى مبادرة بناء الدولة، والدليل بأنها تستخدم مفهوم السلطة السياسية، المثقفون الزعماء القبليون والسياسيون من أجل القضاء على اليمنيين وإخضاع عدد كبير منهم.
لذلك فطريقة تفكير جماعة الحوثي هي طريقة مدمرة لقطاعات، وأعداد كبيرة من الشعب اليمني، والخطر يهدد بلدان عربية أخرى.

بدقة أكبر، تريد حرب تغييب السياسة، ومزيد من الصراع، والفوضى التي تخلق باستمرار، نظراً لأن إيران هي التي لديها الريموت كنترول.


ما الذي يدور في اليمن بالضبط؟
لو دققنا أكثر فالكاتب الشهير بيار كونيسكا يقدم لنا أفكاراً تجعلنا نكتشف ما الذي يدور في اليمن و مآلاته، وسيناريوهات المستقبل، وذلك إذا طالعنا كتابه الشهير «صناعة العدو».
أولاً: جماعة الحوثي تعاني أزمة اقتصادية، وليس معها إلا القفز إلى الأمام بمزيد من المعارك، وفتح الجبهات لصرف النظر عن هكذا أزمة اقتصادية خانقة.
ثانيًا: جماعة الحوثي تتكلم باسم الشعب اليمني، ولكنها لا تمثل الشعب اليمني، وبالفعل فهي لم تخض حرباً حقيقة، فلو كانت بذاتها موجودة من دون الشعب اليمني لكانت دمرت صنعاء خلال ساعات وليس أيام، وبالتالي فهي تركن للمدنيين لحمايتها، وتعزز من معاناة المجتمع المدني لتخلق لإستراتيجية إيران مزيداً من الحضور والبقاء في اليمن.
ثالثًا: منذ أربع سنوات كاملة لم تقدم عملاً ملموساً للشعب اليمني، فهي تدرب القناصة، وتزرع ألغام، وترسل صواريخ وطائرات مسيرة لتحقق قتل رخيص لليمنيين.
رابعًا: فشلت في تشكيل صورة دولية «رأي عام» بأنها تدافع عن اليمن، نظراً لأنها تمارس قتل يومي، وتنطلق صوب مناطق جديدة لتدخلها في دوامة العنف والنزوح والاحتراب.
خامسًا: تمارس جماعة الحوثي إبادة على نار هادئة لكل اليمنيين، كونها تدار بموجب أيديولوجيا إستراتيجية محددة مسبقاً من خطابات وأجندات وتدريبات ومهام، بمعنى أنها قد سبق وخُطط لها، وسبق إعدادها لهكذا مهام في اليمن.
سادسًا: لديها آليات لتصعيد العنف والقتل وتتغير فئة العدو، حسب مقتضيات الحال والنزاع.
سابعًا: لديها كم كبير من الأعداء تستعديهم باسم الشعب اليمني:
أ. العدو القريب: دول الجوار.
ب. الخصم العالمي: أمريكا وإسرائيل.
ج. العدو الحميم: اليمنيون أنفسهم، والذين تريد إخضاعهم وقتلهم في إجراء استباقي.
كما لا ننسى بأنها جماعة الحوثي تدعي مواجهة عدو خفي، وفي ذات الوقت تواجه عدو إعلامي.

ما هو واقع اليمن اليوم؟
الكاتب «روسو» في كتابه (حالة حرب) قد يكشف لنا الواقع في اليمن، فهل بدأت الحرب قبل خلق العدو، أم تم تخليق العدو لتشن الحرب؟.
شعار جماعة الحوثي يقول: الموت لأمريكا ثم الموت لإسرائيل، وبالتالي تم صناعة العدو قبل الحرب، لكن الغريب بأن هذا الشعار فاقد للواقعية، نظراً لعدم وجود أمريكيين أو إسرائيليين في اليمن، فلذلك لجأت جماعة الحوثي لاستبداله بشعارات الموت للمرتزقة والمنافقين، لكن تلكم الشعارات المستحدثة تمت بناء إيديولوجية دينية قديمة، فكان لزاماً عليها استخدام مصطلح «دواعش» بما يتلاءم مع العصر، وبالتالي بات شعارها الجديد غير المعلن «نحن مع الأمريكان والإسرائيليين ضد الدواعش.

وبالتالي، ليس هناك عدو محدد لجماعة الحوثي، فكل من سينازعها السلطة والثروة فهو عدو، وكل من سيوقف نشاطها لصالح إيران في اليمن فهو عدو، بما فيهم أبناء الشعب اليمني والجوار العربي.
الفكر الإستراتيجي المنطقي يقول: إن الدولة هي عمل سياسي، وهي الشكل الأكثر اكتمالاً للسياسي، لكن الحاصل أن جماعة الحوثي تحارب السياسي وتقصيه و تدحضه، وإذا قاوم فإنها تتخلص منه.

في كتاب (وهم الهوية) للكاتب جان بيارا، يكشف لنا بأن هيكل السمكة للدولة، كما نشرته جماعة الحوثي على وسائل الإعلام، هو المشكلة الحوثية، ما يعني بأن القط الحوثي هو من أكل سمكة الدولة اليمنية، فكيف بمن يأكلها؟ سيعمل على إعادتها للحياة، وبعبارات أكثر دقة. كيف لمن يشكل أكثر خطورة على النطاق الديني والاجتماعي والثقافي لليمنيين؟ بأن يسعى إلى بناء دولتهم.

الدولة في اليمن تُبنى فقط من فكر قومي موحد وليس تمييزاً ثقافياً ودينياً ومناطقياً أو عنصرياً، ولذلك من يريد بناء دولة لابد أن يعتمد وسائل مضمونة في بنائها، وتلك محددة بالمصالحة الوطنية أولاً والأهم من ذلك، إيقاف الحرب وترك السلطة، والتنحي جانباً إذا كانت مصلحة البلد تقتضي ذلك.

*كاتب يمني. باحث إستراتيجي في مجال تطوير البلدان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى