الحوثيون والشرعية والتحالف.. معركة كسر العظم في الحديدة

> «الأيام» غرفة الأخبار

> آرون: انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة سيقطع تمويل مجهودهم الحربي

عادت الحديدة، التي يسيطر الحوثيون على كثير من مفاصلها، لتفرض نفسها عنوانًا رئيسيًا لتطورات الأحداث والمشهد السياسي في اليمن، فبعد أشهر من المماطلة في تنفيذ اتفاق مشاورات السلام اليمنية التي شهدتها العاصمة السويدية ستوكهولم، اختار الحوثيون توقيتًا ملغَّزًا لتنفيذ أهم بنود خطة إعادة الانتشار في الحديدة.
تأخر الحوثيون في التنفيذ وأرجؤوا وسوفوا، ثم فجأة ودون مقدمات أعلنوا بدء عملية تنفيذ إعادة انتشار أحادي الجانب بدءًا من يوم السبت وحتى اليوم الثلاثاء 14 من مايو الحاليّ، بانسحاب قواتهم من 3 موانئ في الحديدة، وهي الصليف ورأس عيسى والحديدة، وكلها تتمتع بأهمية استثنائية سواء في زمن الحرب أم السلام. 

من اللافت أن تبرر الجماعة تنفيذها المرحلة الأولى من الاتفاق هذه المرة بالقول إنه يأتي ردًا على رفض مَنْ سمتهم «دول العدوان» تنفيذ الاتفاق، وتصف الخطوة بأنها دليل على حرصهم على إنجاح مساعي السلام، وأنها تمت أحاديًا بسبب مماطلة التحالف الذي قال مكتب الجماعة إنه يرمي إلى إفشال ذلك الاتفاق.
وفي هذا السياق، أكد الناطق الرسمي باسم قوات عمليات تحرير الساحل الغربي، بدء توافد المراقبين الأمميّين، لاطلاع مراقبي الفريق الحكومي على آلية انسحاب الجماعة الحوثية وإدخال الفريق الحكومي للتأكد من ذلك، موضحاً أن الانسحاب مقرر له أن يبدأ من رصيف الموانئ، وليس من حرم الميناء إلى ما بعد 5 كيلومترات لمنطقة الجبانة، ورفع تقرير بذلك.

وتأتي تصريحات الدبيش في وقت أكد فيه السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، أن انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى بشكل أحادي، وانتشار القوات المحلية ومشرفي الأمم المتحدة في هذه الموانئ سيقضي على عمليات تهريب الأسلحة، ويقطع تمويل المجهود الحربي للحوثيين.
ونقلت صحيفة الشرق الأوسط عن الناطق الرسمي باسم عمليات تحرير الساحل الغربي، العقيد وضاح الدبيش، أن الانسحاب الآن لم يعد أحادياً، وإنما اعتبر جزءاً من المفهوم المتفق عليه للمرحلة الأولى من عمليات إعادة الانتشار الأوسع في الحديدة.

وقال الدبيش: «مع تقديم رئيس لجنة إعادة الانتشار استفسارات وتوضيحات لمجلس الأمن عما أعلن عنه مكتب المبعوث الأممي حول تنفيذ الحوثيين الانسحابات، تم توضيح كثير من الاستفسارات والأسئلة، وتم عقد اجتماع ثنائي مساء أول من أمس بين رئيس لجنة إعادة الانتشار الجنرال مايكل لوليسغارد والفريق الحكومي، وتطرق الاجتماع لعدة جوانب متعلقة بالانسحاب في إطار زمني وتفعيل الدور القيادي للأمم المتحدة».

وبيّن الدبيش أن الفريق الحكومي اشترط على الجنرال لوليسغارد برنامجاً زمنياً، وليس كما جرت العادة، وتم الاتفاق على إطار زمني محدد لتفعيل آلية التحقق والتفتيش، وإطار زمني لإزالة الألغام والمظاهر المسلحة، وأيضاً إطار زمني لاستكمال المرحلة الأولى، بالإضافة إلى آلية محددة للإشراف على واردات الموانئ من قِبل الأمم المتحدة ومراقبين من الفريق الحكومي.
وفِي سياق النزاع الحالي والأزمة الإنسانية في اليمن، تقوم «يونيفيم» بتسهيل التدفق الحر دون عوائق للمواد التجارية من خلال التحقق والتفتيش، بالإضافة إلى مراجعات طلبات التخليص للسفن التجارية التي تبحر إلى الموانئ اليمنية اعتباراً من 2018. وهذه الموانئ هي الحديدة وصليف.

وبحسب الدبيش، فإن الحكومة اليمنية علقت في يونيو 2017 التصاريح إلى ميناء رأس عيسى حتى إشعار آخر، فيما تتم إدارة جميع طلبات التخليص الأخرى للموانئ اليمنية (عدن والمكلا... إلخ) الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية الشرعية، مباشرة من قِبل وزارة النقل الحكومية.
وشدد على ضرورة تقديم طلبات التخليص الكاملة في موعد لا يتجاوز 5 أيام قبل وصول السفينة إلى الحدود الخارجية لهذه الموانئ، ويفضل قبل مغادرة السفينة من ميناء التحميل الخاص بها، وهذا يتوقف على توفر مستندات السفينة، مبيناً أن أي طلب للتخليص تم تسلمه بعد هذه الفترة سوف يترتب عليه تأخير في عملية التخليص.

إلى ذلك، أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أمس الأول، أنه مستعد للعمل على تطوير موانئ الحديدة غربي اليمن، بعد انتهاء إعادة انتشار القوات هناك بشكل كامل.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن البرنامج قوله، في بيان، إنه «مع مغادرة القوات العسكرية والأمنية لموانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، فإننا مستعدون للمساعدة في تحسين كفاءة وإنتاجية الموانئ».

ولفت إلى أنه بمجرد اكتمال إعادة انتشار القوات، سيساعد البرنامج في تطوير مرافق الموانئ، بما في ذلك أبراج المراقبة والأرصفة وقنوات الملاحة. وقال أوك لوتسما، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إن «هذه هي المرحلة الأولى من جهودنا الملحة لاستعادة العمليات الطبيعية في هذه الموانئ».
وتابع: «نحن نستفيد من خبرتنا الواسعة، بالإضافة إلى الخبرات الوطنية والدولية، لضمان أننا قادرون على استعادة وظائف الموانئ بالكامل في أسرع وقت ممكن».

الموانئ اليمنية المطلة على البحر الأحمر التي تقع تحت سيطرة الحوثيين تشكل أهمية بالغة لإيصال المساعدات للشعب اليمني، وتأتي أهمية ميناء الحديدة من كونه شريان الحياة الرئيسي لثلثي سكان اليمن، إذ تستقبل عبره البلاد غالبية المساعدات الإنسانية، وكان لإغلاقه أثر كارثي على الشعب اليمني الذي وصل إلى مشارف مجاعة أُضيف إليها الخوف الجاثم على مدار اليوم والليلة بسبب التحليق المكثف للطيران الحربي والقصف الذي لا يتوقف.

اتفق طرفا النزاع في اليمن في نهاية مفاوضات السويد أوائل ديسمبر الماضي برعاية الأمم المتحدة على بندين أساسيين بشأن خطة إعادة انتشار القوات المتحاربة من مدينة الحديدة، بحيث تقضي المرحلة الأولى بانسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى 5 كيلومترات مقابل انسحاب القوات الحكومية كيلومتر واحد من مطاحن البحر الأحمر باتجاه شرق المدينة، على أن يُراقب ذلك بدقة، بينما ينسحب الطرفان في المرحلة الثانية إلى مسافة أبعد بإشراف الأمم المتحدة.

كما نصت الخطة على تسليم خرائط بالألغام المزروعة إلى رئيس لجنة إعادة الانتشار، وحددت الخطة كذلك 7 أيام كحد أقصى لإنجاز هذه المرحلة من الاتفاق، بينما ظلت مسألة عودة السلطات المحلية والأمنية لإدارة موانئ الحديدة العقبة الرئيسية أمام تنفيذ الاتفاق، وهو أمر لم يُحسم لاسيما بعد تعطل الاتفاق منذ يناير المنصرم وسط غياب الثقة بين طرفي الحرب في صراع أودى بحياة عشرات الآلاف.

ولا يُعرف بعد دوافع الحوثيين الحقيقية من وراء انسحابهم هذا، غير أنهم قد يستفيدون من ثغرات في اتفاق ستوكهولم، خاصة فيما يتعلق بخطوط الانسحاب وتموضع القوات، حيث ينص الاتفاق على انسحابات متوالية وليس بالضرورة متزامنة للحوثيين ولقوات الشرعية من بعض مناطق الحديدة، فبعد انسحاب الحوثيين من هذه الموانئ يُفترض أن تنسحب قوات الشرعية من مناطق على مشارف مدينة الحديدة، ويشكل الانسحابان مرحلة أولى تليها أخرى ينسحب فيها الطرفان إلى مسافات أبعد بإشراف الأمم المتحدة.

وتعتقد الحكومة اليمنية أن القرار المفاجئ للحوثيين يهدف إلى تخفيف الضغوط قبل جلسة متوقعة لمجلس الأمن يراها البعض منعطفًا حاسمًا في مسار الأزمة اليمنية، حيث تتجه الأنظار منتصف الشهر الحاليّ إلى بعثة الأمم المتحدة، وهي قريبة - على ما يبدو - من انسحاب السبت الذي تتحدث عنه جماعة الحوثي وكيفية تحقيق المعادلة كما اُتفق عليها في السويد بغرض السير إلى الأمام برضا الجميع.

فيما يربط مراقبون الخطوة الحوثية بالتحولات السياسية التي تشهدها المنطقة وفي مقدمتها التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران التي قد تكون أمرت الحوثيين باعتبارهم إحدى الأذرع العسكرية في المنطقة التي تنفذ السياسات الإيرانية بالتهدئة وقطع الطريق أمام ضربات أمريكية قد تكون مفاجئة وتطال الجميع.
وليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها حديث عن تطبيق الاتفاق بالحديدة، فقد سبق للحوثيين إعلان انسحابهم بشكل أحادي من ميناء الحديدة وتسليم الميناء لعناصر أمنية تابعة لهم، وهو ما رفضه حينها كبير المراقبين الأمميين في الحديدة الجنرال باتريك كومارت، واعتبره التفافًا على اتفاقات السويد، وكان ذلك سببًا في إجباره على الاستقالة من مهامه بضغط من جريفثس.

كما سبق أن أرجأ الحوثيون تنفيذ انسحابهم من الموانئ الثلاث أكثر من مرة، وفي نهاية فبراير الماضي لم يكتفوا بذلك بل هددوا باستهداف مواقع في الرياض وأبو ظبي بالصواريخ البالستية، متهمين تحالف الرياض أبوظبي بـ «الخداع والتضليل».  
التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ليس في حال أفضل، فملف تزويده بالأسلحة أصبح كابوسًا لبعض الحكومات الغربية التي اتسعت دائرة حراكها لمنع تصدير السلاح لدول التحالف حتى لا تكون أوروبا شريكة بقتل المدنيين باليمن، وثمة متغير في الجانب الإيراني على الجانب الآخر من الخليج يحوذ الأهمية.

والحال هذه، فإن التحالف لا يستطيع الادعاء بسيطرته على نصف الحديدة أو الحديث عن إجبار الحوثيين على التراجع، خاصة أن الجماعة فعلت ما فعلته بشكل مفاجئ ومن طرف واحد ولأسباب لا تعلنها.
وفي رأي البعض، فإن الخطوة الحوثية قد لا يكون مرحبًا بها بالنسبة للرياض وأبوظبي في هذا الوقت بالذات، فالعاصمتان اللتان تقولان إنهما تشتبكان مع إيران في اليمن إستراتيجيًا من مصلحتهما أن يظهر الحوثيون في مظهر من يصعِّد ويرفض، أي في مظهر من يعتدي لا من يلتزم بالاتفاقات.

حينها يمكن للعاصمتين أن تقولا لواشنطن إن ما تُسمى بـ «أدوات طهران في المنطقة» بدأت بالرد على استهداف إيران التي تتوجه الطائرات والبوارج الأمريكية للضغط عليها إن لم يكن لاستهدافها مباشرة، لكن الحوثيين ربما أوصلوا رسالة أخرى عطَّلت وأفشلت ما كان يُراد منهم إذا رفضوا وتعنتوا.
ولعل ما يشير إلى الامتعاض السعودي من الخطوة الحوثية هو تواصل الهجمات السعودية على مواقع يمنية، فبالتزامن مع إعلان قرار الحوثيين، استهدفت غارة شنتها القوات المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي منزلاً في مديرية قعطبة بمحافظة الضالع جنوب اليمن، وأودت بحياة 3 مدنيين بينهم امرأة وأُصيب 12 آخرين. 

ووسط كل هذه المواقف المتباينة وردود الفعل المتشابكة بين الأطراف، يرى مراقبون أن على الأطراف كافة تقديم تنازلات والتقاط أي مبادرات سلام تكفل تحريك ملف الحديدة والمضي تجاه جولات تفاوض جديدة لمعالجة كل الملفات التي من شأنها أن يكون لها تأثير كبير على المناطق كافة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى