من بستان النبوة

>
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة".
رواه الترمذي وابن ماجه.

شرح الحديث
قال الحافظ رحمه الله تعالى: «وَقَوْلُهُ "صُفِّدَتْ" ... أَيْ شُدَّتْ بِالْأَصْفَادِ؛ وَهِيَ الْأَغْلَالُ، وَهُوَ بِمَعْنَى سُلْسِلَتْ.. وفِي تَصْفِيد الشَّيَاطِين فِي رَمَضَان إِشَارَة إِلَى رَفْع عُذْر الْمُكَلِّف، كَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: قَدْ كُفَّتْ الشَّيَاطِينُ عَنْك فَلَا تَعْتَلَّ بِهِمْ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ وَلَا فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ.» اهـ من فتح الباري.

«صُفِّدَتْ الشياطينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ» المردة جَمْعُ مَارِدٍ كَطَلَبَةِ وَجَهَلَةِ، وَهُوَ- أي المارد-  الْمُتَجَرِّدُ لِلشَّرِّ، وَمِنْهُ الْأَمْرَدُ لِتَجَرُّدِهِ مِنْ الشَّعْرِ، وَهُوَ- أي  العطفُ- تخْصِيصٌ بَعْد تَعْمِيمٍ، أَوْ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَبَيَانٍ كَالتَّتْمِيمِ. وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي تَقْيِيدِ الشَّيَاطِينِ وَتَصْفِيدِهِمْ كَيْ لَا يُوَسْوِسُوا فِي الصَّائِمِينَ. وَأَمَارَةُ ذَلِكَ تَنَزُّهُ أَكْثَرِ الْمُنْهَمِكِينَ فِي الطُّغْيَانِ عَنْ الْمَعَاصِي وَرُجُوعِهِمْ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى». اهـ من تحفة الأحوذيّ بتصرف كثير.

«وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ»... فيه إشارة إلى أن الأزمنة الشريفة والأمكنة اللطيفة لها تأثيرٌ في كثرة الطاعة وقلة المعصية، ويشهد به الحس والمشاهدة، لتغتنم الفرصة.

ويشير إلى هذا المعنى السابق قولُه: «وينادي مناد» أي... ببيان المقال من عند الملك المتعال «يا باغي الخير» أي يا طالب العمل والثواب «أقبل» أي إلى اللهِ وطاعتِه بزيادة الاجتهاد في عبادته وهو أمرٌ من الإقبال، أي تعال فإن هذا أوانُك؛ فإنك تُعطَى الثوابُ الجزيل بالعمل القليل، أو معناه: يا طالب الخير الُمعرِض عنا وعن طاعتنا أقبل إلينا وعلى عبادتنا، فإن الخير كله تحت قُدرتنا وإرادتنا.

«ويا باغي الشر» أي يا مُريد المعصية... أي أمسكْ عن المعاصي، وارجع إلى الله تعالى؛ فهذا أوان قبول التوبة وزمان الاستعداد للمغفرة. ولعلَّ طاعةَ المطيعين وتوبة المذنبين ورجوعَ المقصرين في رمضان من أثرِ النداءين، ونتيجةِ إقبال الله تعالى على الطالبين...
«ولله عتقاء» أي كثيرون من النار، فلعلك تكون منهم «وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»» اهـ بتصرفٍ يسير من مرقاة المفاتيح للملا على القاري رحمه الله تعالى.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى