أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 04:00 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • الأسرة أمة مصغرة

    إلهام محمد زارعي




    وأنا أتصفح جرائد اليوم كعادتي، استوقفتني عبارة وردت على لسان المبعوث الأممي إلى اليمن، قال فيها: من الضروري أن ينبذ اليمنيون عقلية الحرب. إنها عبارة قصيرة، لكنها ترتجّ في العقل والقلب، وتطرق أبوابًا كثيرة في ضمير كل من يتأمل في أسباب ما آلت إليه أوطاننا من تمزّق وتناحر، لكن ما هي "عقلية الحرب"؟ وأين تبدأ؟.

    قد نظن أنها تولد في ساحات القتال، أو تخرج من فوهات البنادق، لكن الحقيقة أن هذه العقلية تُزرع أولًا في البيوت، بين جدران الأسرة، حيث يتشكّل وعي الإنسان الأول، وتُبنى رؤيته للعالم.

    الأسرة ليست وحدة اجتماعية فحسب، بل هي نقطة الانطلاق نحو كل ما هو قادم.

    فعندما يُربّى الطفل على أن الاختلاف عيب، وعلى أن القوة في الصراخ لا في التفاهم، وعلى أن التسامح ضعف، واللين هزيمة، فإننا بذلك نضع أول حجر في بناء عقلية الحرب.

    وحين يغيب الإنصات وتُختزل الكرامة في الانتصار يُصبح الجدال نزاعًا، والنقاش معركة، وتصبح القسوة وسيلة لإثبات الذات.

    ما الوطن سوى مجموعة عائلات. وما المجتمع إلا مرآة لأفكارها ومشاعرها، فإذا أردنا سلامًا في الوطن، فعلينا أن نزرع السلام في داخل الأسرة أولًا، في العلاقة بين الزوجين، في أسلوب تربية الأبناء، في طريقة الحديث، في نظرة كل فرد للآخر المختلف عنه.

    الطفل الذي يتعلم أن الخطأ فرصة للتعلم لا ذريعة للإهانة، يصبح شابًا لا يحمل في قلبه رغبة في الانتقام.

    والأم التي تزرع في أبنائها روح العدل والمساواة، لا تُخرج أبناءً يرون في التمييز قوة أو في الظلم تفوقًا.

    والأب الذي يُربّي أبناءه على الإنصاف لا العصبية، وعلى الاحترام لا الإقصاء، هو في الحقيقة يبني وطنًا لا جبهة.

    إن الطريق إلى التعايش لا يُرصف في المؤتمرات وحدها، بل يُمهد في البيت، في المدرسة، في الحيّ. وعندما نُبدل عقلية الحرب بعقلية الاحترام والتعاون والرحمة، حينها فقط ستخمد نار الكراهية، ويزهر الوئام من تحت أنقاض الألم.

    لن يتغير المجتمع إن لم نبدأ أولًا بتغيير ما في ذواتنا. كما قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

    وهذا التغيير لا يكون بشعارات عابرة، بل بثقافة تُزرع في الأطفال والشباب الناشئ، وبقيم تُترجم إلى سلوك يومي، وبإيمان حقيقي بأن التعايش ليس خيارًا، بل مصيرًا مشتركًا، ودمتم سالمين.

المزيد من مقالات (إلهام محمد زارعي)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال