في ظلال آية
> «الأيام» خاص
>
ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج ، فأما إن كان محصنا فإنه يرجم ، كما قال الإمام مالك :
أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا وهذا قطعة منه ، فيها مقصودنا هاهنا .
وأخرجه النسائي ، من حديث عبيد الله بن عبد الله ، به .
وروى أحمد أيضا ، عن يحيى القطان ، عن يحيى الأنصاري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب : إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم .
وقد رواه النسائي ، عن محمد بن المثنى ، عن غندر ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن يونس بن جبير ، عن كثير بن الصلت ، عن زيد بن ثابت ، به .
وقد روى الإمام أحمد ومسلم ، وأهل السنن
الأربعة ، من حديث قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن
عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني ،
خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر ، جلد مائة وتغريب سنة
والثيب بالثيب ، جلد مائة والرجم " .
ثم قال تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) هذه
الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد ، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع; فإن
الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا ، وهو الذي لم يتزوج ، أو محصنا ، وهو
الذي قد وطئ في نكاح صحيح ، وهو حر بالغ عاقل . فأما إذا كان بكرا لم يتزوج
، فإن حده مائة جلدة كما في الآية ويزاد على ذلك أن يغرب عاما [ عن بلده ]
عند جمهور العلماء ، خلافا لأبي حنيفة ، رحمه الله; فإن عنده أن التغريب
إلى رأي الإمام ، إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب .
وحجة الجمهور في ذلك ما
ثبت في الصحيحين ، من رواية الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن
مسعود ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ، في الأعرابيين اللذين أتيا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما : يا رسول الله ، إن ابني
كان عسيفا - يعني أجيرا - على هذا فزنى بامرأته ، فافتديت [ ابني [ منه
بمائة شاة ووليدة ، فسألت أهل العلم ، فأخبروني أن على ابني جلد مائة
وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " والذي نفسي بيده ، لأقضين بينكما بكتاب الله : الوليدة والغنم رد عليك
، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام . واغد يا أنيس - لرجل من أسلم - إلى
امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " . فغدا عليها فاعترفت ، فرجمها .
حدثني
ابن شهاب ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أن ابن عباس
أخبره أن عمر ، رضي الله عنه ، قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما
بعد ، أيها الناس ، فإن الله بعث محمدا بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان
فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل : لا نجد
آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله ، فالرجم في
كتاب الله حق على من زنى ، إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة
، أو الحبل ، أو الاعتراف .
وروى
الإمام أحمد ، عن هشيم ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن
عباس : حدثني عبد الرحمن بن عوف; أن عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول :
ألا وإن أناسا يقولون : ما بال الرجم؟ في كتاب الله الجلد . وقد رجم رسول
الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده . ولولا أن يقول قائلون - أو يتكلم
متكلمون - أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت .
وقد
روى أحمد أيضا ، عن هشيم ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن
عباس قال : خطب عمر بن الخطاب فذكر الرجم فقال : لا تخدعن عنه; فإنه حد من
حدود الله ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده ، ولولا
أن يقول قائلون : زاد عمر في كتاب الله ما ليس فيه ، لكتبت في ناحية من
المصحف : وشهد عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وفلان وفلان : أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا بعده . ألا وإنه سيكون من بعدكم
قوم يكذبون بالرجم وبالدجال وبالشفاعة وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من
النار بعدما امتحشوا .
الحديث رواه الترمذي ، من حديث سعيد ، عن عمر ، وقال : صحيح .
وقال
الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا يزيد
بن زريع ، حدثنا ابن عون ، عن محمد - هو ابن سيرين - قال : نبئت عن كثير
بن الصلت قال : كنا عند مروان وفينا زيد ، فقال زيد : كنا نقرأ : " والشيخ
والشيخة فارجموهما البتة " . قال مروان : ألا كتبتها في المصحف؟ قال :
ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب ، فقال : أنا أشفيكم من ذلك . قال : قلنا :
فكيف؟ قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فذكر كذا وكذا ،
وذكر الرجم ، فقال : يا رسول الله ، أكتبني آية الرجم : قال : " لا أستطيع
الآن " . هذا أو نحو ذلك .
وهذه طرق كلها متعددة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها ، وبقي حكمها معمولا به ، ولله الحمد .
وقد
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم هذه المرأة ، وهي زوجة الرجل الذي
استأجر الأجير لما زنت مع الأجير . ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا
والغامدية . وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جلدهم
قبل الرجم . وإنما وردت الأحاديث الصحاح المتعددة الطرق والألفاظ ،
بالاقتصار على رجمهم ، وليس فيها ذكر الجلد; ولهذا كان هذا مذهب جمهور
العلماء ، وإليه ذهب أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، رحمهم الله . وذهب
الإمام أحمد ، رحمه الله ، إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصن بين
الجلد للآية والرجم للسنة ، كما روي ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
رضي الله عنه ، أنه لما أتي بشراحة وكانت قد زنت وهي محصنة ، فجلدها يوم
الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، ثم قال : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم .