مأسسة اليمن الجديد والاتجاهات الحديثة لبناء الدولة

> د. باسم المذحجي

>
يقول صاحب نظرية "إعادة الدولة إلى القرون الوسطى" البروفسور الشهير جوزيف شتراير: "إن أفظع مصير يمكن معرفته في العالم الراهن، هو مصير من لا وطن له"، ويؤكد العبقري شتراير أن شخصاً بدون عائلة، وبدون سكن ثابت، وبدون انتماء ديني يمكن أن يعيش حياة مكتملة بصورة كافية، لكنه بدون دولة ليس شيئاً، وليست له حقوق، ولا أي أمن، وعلى الأرض يصبح رقم صفر أمام العالم من حوله.

اليمن ما تزال مشروع دولة في طور التكوين والبناء منذ تأسيسها في سبعينات القرن، ويتنافس شخوص، وكيانات منذ أمد حتى يومنا هذا على ادعاء شرف بنائها، وكلها نماذج لا ترتقي إلى مستوى تحمل هكذا رسالة وطنية وتاريخية.
لماذا INSTITUTIONALIZED؟
1. لأنها تقف وراء مرحلة الاختناق السياسي، والحرب الأهلية، وللخروج من عنق الزجاجة يجب الفكاك والخلاص منها.
2. لأنها تقف كذلك خلف مرحلة معقدة أمنياً وخدمياً أثناء الحرب، ونحو ما بعد خطط إعمار المدن والقرى تالي الحرب.
كذلك لأنهم لم يحققوا أبسط شرط في مأسسة الدولة، وهو بأنها أداة للتعبير عن واقع يعيشه شعب ما.

لماذا INSTITUTIONALIZED؟
1. لأننا نمر بمرحلة عرجية للقضاء على العقليات المتكلسة، والبيروقراطية الفاسدة والمعطلة، والهياكل الحكومية المتصدعة والشخصوص والأفراد الجاثمون على صدورنا منذ عقود بصورة أو بأخرى.
2. لأننا نمر بمرحلة إقليمية ملتهبة مفتوحة الجبهات، تشهد تنافساً حرجاً تتداخل على أرض اليمن فلتركيا وكلائها ولإيران وكلائها وعن البقية الباقية فحدث ولا حرج.
3. لأننا نمر بمرحلة الاتفاق الوطني عن إنهاء الحرب لأجل بلدنا اليمن، والتي يفترض بها بعيدًا عن الضغوطات الإقليمية والدولية، والذي سيكون مؤشراً على أن اليمن لابد يمتلك قيادات جديدة يعون خطورة المرحلة الراهنة واستحقاقات المستقبل.

التطورات والظروف الدوليّة قد غيّرت الكثير من المعايير في حسابات الدولة اليمنية، ولذلك لابد تحقيق الآتي:
1 - مرحلة عقد سياسي واجتماعي جديد، في إطار الدستور اليمني، وإعادة ثقة الشعب بالدولة بعد خمس سنوات من الحرب.
2 ـ مرحلة وصول هادئ للقيادات السياسية الشابة الجديدة والكفؤة التي سيقع على عاتقها تضميد جراح الشعب اليمني.

حدود بناء الدولة في اليمن
الكفاءة والتخصص الخبرة والقدرة والوطنية في مواجهة صراع الهيمنة ومأزق المحاصصة، الرؤية الوطنية الثاقبة التي تردي الطائفية والمناطقية صريعة في مقتل نظرًا لأن الدولة الحديثة هي طراز خاص جداً للحكم يتميز بخمس خصائص:
1 - أن الدولة هي مؤسسة، أو مجموعة مؤسسات منفصلة بشكل بيّن.
2 - تتمتع الدولة بالسيادة، وهي صاحبة السلطة المطلقة في كل ما يخص القانون والقواعد الملزمة المدعومة بالعقوبات التي تحفظها حقيقة الاحتكار الرسمي للقوّة.
3 - تقوم الدولة بالإشراف على العاملين في مؤسساتها، وهي موكلّة بتدريبهم.
4 - الدولة هي صاحبة الولاية في جميع الإيرادات، فتمتد سيادة الدولة لتشمل كل الأفراد.

لماذا هكذا رؤية وطنية جديدة؟
لأنها القادرة وحدها على تحقيق الآتي:
1 ـ مرحلة انتخابية مفترضة يجب أن تكون بعيدة عن المزايدات والمتاجرات.
2 ـ مرحلة البناء السياسي والتنموي، الذي لا يمكن السير به بدون خارطة، طريق والتسوية الوطنية إحدى ركائزها.
3 ـ مرحلة اقتصادية تحتاج إلى معالجات جدية وقرارات حاسمة.

يعرف بونار (Bounnar) الدولة بأنها "وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة اجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة على شعب أو أمة مستقرة، على إقليم محدد، وتباشر الدولة حقوق السيادة بإرادتها المفردة عن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها.

ولذلك تعتبر مصادر القوّة وعناصرها ذات أهمية قصوى؛ كونها تمثل العامل الأساسي في تحديد وزن الدولة ضمن هيكل القوة العالمي، حيث يرى (مارسيل بريليو) بأن الدولة "هي الشكل الأهم والأكمل والأبرز للحياة الجماعية، وهي من صنع وإرادة الإنسان وعقله، وهو يركز جهوده وأفكاره في معضلة التنظيم السياسي، وينجح في ديمومة هذا التنظيم.
لذلك، فالدولة لابد وتكون من صنع عقول اليمنيين أنفسهم.

على الرغم من كل هذه الصعوبات، لابد لنا من أن نسعى قدر الإمكان لتحديد الإطار النظري، وأن نعرّف المفاهيم التي نعتمدها في بناء (الدولة الحديثة)، و(هوية الدولة الحديثة)، و(الهوية) لليمن واليمنيين.
إن المجتمع الدولي قد بدأ يشهد تغيّراً في موازين القوى، من حيث حسابات القدرة والدور وهذا ما يجب أن ندركه جيدا كيمنيين.

خارطة طريق مفتوحة
لابد ونستغني عن الطرق القديمة في بناء بلدنا ونجد البحث عن طرق جديدة، وبالتالي فسنتفق على عزل كل القيادات المتواجدة في الساحة السياسية والمشهد السياسي اليمني، ونتفق على البحث عن بديل شاب تكنوقراط وكفاءات، لكن هذه النقطة بالذات تحتاج إلى تمحيص، والتدقيق في السير الذاتية، بمعنى ليس كل تكنوقراط سيكون مؤهلاً في مجال مأسسة الدولة في اليمن؛ بل لابد يمتع بالمعايير الدولية وهي الآتية:
1. يستطيع التواجد والتشكل على الأرض، ومنح الرخاء والتنمية واستلاب العسكر والأمن والجيش لتحقيق الأمن والاستقرار.

2. القدرة على جلب المال إلى داخل اليمن بعلاقته الشخصية أو أفكاره الاستثمارية وليس من بوابة المعونات والمساعدات والارتماء في أحضان الغير.
3. لديه القدرة على مخاطبة العالم بكل ثقة وبدون تبعية وبلغتهم وبكاريزما المال والأعمال والتنمية والاستثمار وليس كاريزما سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع.

في مرحلة مأسسة اليمن وبناء الدولة وصناعة وطن لابد وتنبعث من مرحلة وعي شعبي ومنتج شعب يمني وطني صرف ورؤية رشيدة تنطلق من عقول الراسخين وليس من عقول العابثين الذين يظنون بأن الدولة لعبة سياسية، وبأن السلطة كعكة يتم تقاسمها، ولكنها إستراتيجية تصنعها رؤية مصيرية من خلال أهداف واضحة وثابتة وقيم متوافقة تخلق منهجية مشروعة تحقق بناء يمن جديد لكل اليمنيين.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى